خطبة عن شهادة الزور

خطبة عن شهادة الزور

وهذه الجديدة معنا، الهامة في كل زمان ومكان؛ إنها خطبة عن شهادة الزور. نعم، فهي مما يورِد المهالك ويوقع المسلمين في أشد البأس والظلم وضياع الحقوق؛ وذلك بسبب الزيف والكذب والخداع الذي يُحدثه شاهد الزور بشهادته المُضِلَّة المُضَلّلَة.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.

أما بعد… فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المؤمنون… اتقوا الله حق التقوى وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين وتوبوا إلى الله جميعا فإنكم إليه لا محالة راجعون.

الخطبة الأولى

عباد اللهيقول الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ وقال ﷻ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور﴾.

وفي الصحيحين عن أبي بكرة —رضي الله عنه— انه قال: كنا عند رسول اللہ ﷺ فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثا «الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور — أو قول الزور». وكان رسول اللہ ﷺ متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

ففي الحديث بين النبي ﷺ أن قول الزور أو شهادة الزور كبيرة من كبائر الذنوب.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة —رضي الله عنه— قال: قال رسول اللہ ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ففي هذا الحديث الحث على معرفة ما هو قول الزور لنجتنبه خاصة وأنه يذهب أجر الصيام.

فالزور هو الباطل، فشهادة الزور هي شهادة باطل فالزور هو الباطل كيفما تصرف فالكذب من الباطل فهو زور والشهادة الكاذبة من الباطل فهي شهادة زور والتهمة الملفقة من الباطل فهي زور فكل قول باطل زور.

والذي ينبغي أن يدرك في هذه المسألة أن شهادة الزور تتعلق بثلاثة أشخاص:

  1. أولهم: طالبها.
  2. وثانيهم: باذلها.
  3. وثالثهم: ممضيها وقابلها إذا علم بها.

والوعيد يتناول الثلاثة جميعا؛ لكنه يتأكد في حق شاهد الزور.

روى البيهقي أن عمر —رضي الله عنه— كتب إلى عماله في شاهد الزور أن يضرب أربعين سوطا وأن يسخم وجهه يعني يسود وجهه ويحلق رأسه ويطاف به ويطال حبسه.

وعن الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد أنهم مجمعون علي عقوبة شاهد الزور؛ إلا أنهم مختلفون في كيفيتها:

فمذهب أبي حنيفة أنه لا تعزيرعليه لكن عقوبته أن يوقف في قومه ويقال لهم: انه شاهد زور.

ومذهب مالك والشافعي وأحمد أن يعزر ويوقف في قومه ويعرفون أنه شاهد زور.

فقد عرفنا مما تقدم ما لشاهد الزور من الوعيد الشديد والعقاب الأكيد في الدنيا وفي الآخرة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

وليس هذا فقط بل لشهادة الزور من الأضرار في نفس شاهدها وفي المجتمع الذي يعيش فيه وهي أضرار معقولة يدركها كل من تأملها وأمعن في حال من يقترف تلك الجريمة الفظيعة وهي شهادة الزور.

أولا: أنه يتصف بالكذب ويوسم بالافتراء وكفى بهما خزيا ونكالا.

الثاني: أنه يجد من ضميره موبخا ومقرعا له على فساد عمله ومؤنبا شديدا يقرعه على ما أجرم واقترف.

ومن الأسرار العجيبة التي أودعها الله في كل إنسان أنه يجد هذا الوازع في نفسه كلما أقدم على أمر فاسد ينبهه إلى خطئه ويعرفه سوء منقلبه.

ومن الناس من يصغى إلى نداء ضميره فيعدل عن قصد الفساد والإضرار بالناس بعد أن يهم بذلك فإن الوازع النفسي ربما يرد شاهد الزور إلى الرشد.

وأما من طغى وبغى وران على قلبه الشر وفسد مزاجه فإذا لم تتداركه العناية الإلهية كان من الفاسدين والخاسرين والعياذ بالله.

الضرر الثالث: أن شاهد الزور يحس بخذلانه بين قومه وذويه ويفقد الثقة وكفى بذلك خسرانا مبينًا لأن الثقة بين الناس عليها مدار الحياة.

الرابع: أنه يكون في نفسه مهينا محتقرا وفي أعين الناس أشد إهانة واحتقارا وهذا أمر محسوس ومعروف حتى أن أشد الناس احتقارا لشاهد الزور من شهد لأجله.

قال ابن حزم: أول من يزهد في الغادر من غدر له الغادر وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له.

الضرر الخامس: أن شاهد الزور يكون جرثومة من جراثيم الفساد في جسم الأمة ينخر عظمها ويمتص دمها، فيضعف شأنها بوجود أمثاله من شاهدي الزور.

الضرر السادس: إذا فشت شهادة الزور بين الناس تسبب ذلك في ضعف ثقتهم ببعضهم البعض وذهبت عاطفة الاطمئنان من نفوسهم، فتفتر عزائمهم عن الأعمال الخيرية والمشاريع المفيدة النافعة والتكافل الإجتماعي ويستولي عليهم اليأس والقنوط فلا يلوي أحد على أحد، ولا يتألم لما يصيبه ولا يمد يده لمساعدته وهذا هو البلاء العظيم والخطب الجسيم.

وإذا فشى الكذب والافتراء في الأمة تفككت منها عري الوحدة وتقطعت روابـط الاتحاد، وهيهات أن يرجى لها نجاح أبدا.

واسمعوا قول الله ﷻ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي لهذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

وإليكم أيضًا هنا: خطبة عن الموت مكتوبة وكاملة ومختتمة بدعاء مؤثر

الخطبة الثانية

الحمد الله حق حمده وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين فصلى الله وسلم عليه تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعدفأوصيكم عباد الله بتقوى الله، فهي وصية ربكم للأولين والآخرين.

عباد اللهقد يخيل للإنسان ان شاهد الزور انما هو الذي يقف امام المحكمة ويقول في قضية ما غير الحق سلبا أو إيجابا.

ترى هل انحصرت هذه الرذيلة في مثل هذا؟ اللهم لا ولكن الخطب أعم والمصيبة أجل لسريان هذه العلة القتالة إلى مجموع الأمة بل يدخل في شهادة الزور كل من يرفع مقصرا في حق الأمة، إما بالثناء عليه ومدحه بما ليس فيه أو بتغرير المسؤولين بأنه يصلح لهذا المحل مع عدم صلاحيته وعلمه بذلك أو بضد ذلك بأن يتسلط على الرجل المناسب في المكان المناسب فيتعدى عليه بالكذب والزور والتلفيق ليصرفه عن ذلك المكان.

قال الله ﷻ في سورة النحل: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾.

واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أمر بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال قولا كريما: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وهنا أيضًا خطبة: كرامة الإنسان في الإسلام — مكتوبة

الدعاء

  • اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
  • اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين.
  • اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
  • اللهم إنا نسألك صلاحا في أنفسنا وصلاحا في أزواجنا وصلاحا في أولادنا وصلاحا في والدينا وصلاحا في علمائنا وصلاحا في ولاتنا أنت أرحم الراحمين وأجود الأجودين.
  • اللهم فرج كرب المكروبين ونفس هموم المهمومين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين.
  • اللهم ارفع عنا الربا والزنى وأسبابهما وادفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أكرم الأكرمين.
  • اللهم تقبل توبتنا وثبت حجتنا واغسل حوبتنا واغفر زلتنا وأقل عثرتنا يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم قنا برحمتك عذاب الجحيم واجعل منازلنا ووالدينا في جناتك جنات النعيم وجميع المسلمين يا أرحم الراحمين.

 

عباد الرحمن.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم النعم يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

وأقِـم الصَّـلاة..

ختامًا؛ وبعد أنْ قدمنا لكم —إخواني الخطباء— خطبة عن شهادة الزور وما يُمكن أن تُشَكله من كوارث في حياة المسلم وعند لقاء ربه ﷻ؛ أعتقد أيضًا أنكم قد ترغبون في الاطلاع على خطبة: إكرام الجار وحقوق الجيران. ونسأله ﷻ أن بنفعنا وإياكم بكل هذه الصفحات المباركة.

أضف تعليق

error: