خطبة عن الكذب وشهادة الزور

خطبة عن الكذب وشهادة الزور

تفحَّشت هذه الأخلاق الذميمة بشِدَّة؛ أليس كذلك؟ لذلك، فنحن هنا من أجل نُقدم لكم خطبة جمعة مكتوبة عن الكذب وشهادة الزور. وهي واحدة من الخُطَب الهامة والتي تتناول موضوعات دينية وأخلاقية في غاية الأهمية والخطورة.

عناصر الخطبة

  • التعريف بالكذب وشهادة الزور.
  • الكذب وشهادة الزور من الأخلاق الذميمة ومن أعظم الكبائر التي نهى عنها الإسلام.
  • وجوب حسن التعامل مع وسائل الاتصالات الحديثة واستخدامها بالطرق والوسائل المشروعة والابتعاد عن الإشاعة والكذب وإذاعة الفاحشة بين الناس.

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة واتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد.

عباد الله: إن للألسن آفات وأمراض تفتك بالحياة الإنسانية، تشتت شملها وتوغل صدور الناس منها فتحتقن الأنفس وتعم الخصومات، ومصدر ذلك كله انفلات الألسن، روى البخاري عن سهل بن سعد –رضي الله عنه– أن النبي ﷺ قال: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»، وأنشد الشافعي:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن

عباد الله: إن آفات اللسان كثيرة ومفاسدها خطيرة وأخطرها الكذب الذي هو الإخبار بما يخالف الواقع وتغيير الحقائق والكذب أنواعه كثيرة جداً ومن أخطرها الكذب على الله ﷻ والرسول ﷺ بتحريم الحلال أو تحليل الحرام، قال ﷻ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾.

ألا وإن من جزاء الكذب على الله ﷻ في الدنيا خزيٌ وعار وفي الآخرة عذاب وشنار، قَالَ ﷻ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾، وكذا الكذب على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وفي ذلك يقول عليه السلام: «مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

ومن هنا أيها الإخوة الأكارم فإننا نحذر من بعض الاستخدامات المعاصرة، لمواقع التواصل الاجتماعي، والتي ينتشر عليها، بعض الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ويلح فيها أصحابها على نشرها، بقصد وبدون قصد، فإن كانوا لا يعلمون بأن هذه الأحاديث مكذوبة فتلك مصيبة، لجهلهم بحديث رسول الله ﷺ، وإن كانوا يعلمون فالمصيبة عظيمة وحسابهم أعظم.

والكذب هو تغيير الحقائق، وهو مرض اجتماعي يؤدي إلى مفاسد جمة، ومنها فقدان ثقة الناس ببعضهم البعض ويترتب عليه كتمان الحقائق وضياع الحقوق، وإضعاف ثقة الناس ببعضهم البعض، ألا وإن من أخطر آثار الكذب هو أنه طريق إلى الفسق والفجور، قال النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّار، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»، وقال النبي ﷺ« وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

احفظْ لسانَك أيها الإنسان
لا يلدغنَّك إنَّه ثعبانُ

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه
كانت تهابُ لقائَه الشجعانُ

ومن أخطر أفات اللسان أيضا: شهادة الزور، وهي شهادة صاحبها غير محق بها فيها تزوير للحقائق، أو أكل لحقوق الناس بالباطل، وانتشار الحقد والكره، المفضي للقتال والقتل، والظلم والعدوان، فلا عجب أن نجد النبي صلوات الله وسلامه عليه يحذر منها غاية التحذير فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ–، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ –وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ– أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ اهْتِمَامُهُ ﷺ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهَا أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرُ وَمَفْسَدَتُهَا أَيْسَرُ وُقُوعًا لِأَنَّ الشِّرْكَ يَنْبُو عَنْهُ الْمُسْلِمُ وَالْعُقُوقُ يَنْبُو عَنْهُ الطَّبْعُ وَأَمَّا قَوْلُ الزُّورِ فَإِنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ فَحَسُنَ الِاهْتِمَامُ بِهَا.

وبعد كل هذا لا بد من التنبه إلى أنّ من خصائص العصر الذي نعيش فيه اليوم تطور الاتصالات، وما يعرف بالأجهزة الذكية، حيث يتواصل الناس مع بعضهم البعض بالكلمات، والصور، وتبادل المعلومات، والأخبار، وتشكيل القناعات، ولكن للأسف الشديد فإن هناك أخطاء كثيرة في العديد من هذه الاستعمالات، ولم يرتق كثير من الناس في تعاملاتهم مع وسائل الاتصال للتعامل مع عالم الأفكار، لا بل ذهبوا أبعد من هذا فاستغلوا هذه الوسائل بما يعرف بالجرائم الإلكترونية، والتطاول على العلماء، وتشويه صورتهم، وهز ثقة الناس بهم، وتفتيت قيم المجتمع، وإشعال الكراهية والعداء بين أبناء المجتمع الواحد، ونشر الأكاذيب وبث الأراجيف وإشعال الفتن وتأليب أبناء المجتمع الواحد على بعضهم، وقلب الحقائق ونشرها وتزوير الحق بشتى الوسائل فتبلغ بذلك الآفاق في ثوانٍ معدودة، فيقر الضرر، وتحل المصائب والويلات بالأبرياء.

وقد رأى النبي ﷺ يوم عُرج به إلى السماء رجلاً يؤتى بكلاليب من حديد فيُشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فلما سأل ﷺ عن حاله قيل له: «إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق»، وهذا الأمر يستدعي تدخل أهل الفقه والقانون لضبط هذه الاستعمالات وفق معايير أخلاقية فقهية قانونية، تعيد وسائل التواصل الاجتماعي إلى كونها وسائل بناء للأمة، وأخلاقها وثقافتها، ومسارها الحضاري، لذا ونحن نتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي لا بد أن نستبصر بقول الحق جل وعلى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾، فينبغي أن تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي فيما يجمع ولا يفرق.

أيضًا؛ هذه خطبة عن خطورة اللسان وآفاته

الخطبة الثانية

الحمد لله..

عباد الله: يجب علينا تفعيل التواصل الاجتماعي القائم على تحقيق التراحم، والتماسك الاجتماعي، وتفعيل قيم المودة وحسن الخطاب، والبعد عن السخرية والاستهزاء، والاغتيالات الفكرية، قال عليه السلام: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

عباد الله: هذب الإسلام لسان المسلم وأدّب قوله ليقول الحق، بل ودعاه لانتقاء أطايب الكلام وأحسنه والابتعاد عن كل ما من شأنه أو يوقع الخصومة والشحناء بين الناس، كما قال ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وقال ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».

كما علينا أن ندرك بأن الأوطان لا تبنى بالشائعات، بل بالأمانة، والعلم، وإخلاص النية لله ﷻ وأذكّر هنا بعهد جيل السلف الصالح، وأفعالهم، وأمجادهم التي بنوا ولم يقصدوا من وراءها ثناء، ولم يقوموا بها رياءً وسمعة، فعمر بن الخطاب –رضي الله عنه– عندما جاءه خبر انتصارات المسلمين في فتح العراق ونبأ استشهاد القائد النعمان بن مقرن –رضي الله عنه– يقول أبو عُثْمَان النهدي: أنا ذهبت بالبشارة إِلَى عُمَر فقال: ما فعل النعمان قلت قتل قَالَ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ثُمَّ بكى فقلت: قتل والله في آخرين لا أعلمهم قَالَ عمر ولكن اللَّه يعلمهم.

ولما حملت إلى المدينة كنوز كسرى ووصلت بأمانة قال عمر –رضي الله عنه–: إِنَّ قَوْمًا أَدَّوْا هَذَا لأمناء.

والحمد لله رب العالمين..

الآن يا إخواني، قد انتهينا من تقديم خطبة الجمعة هذه، والتي أتتكم بعنوان: الكذب وشهادة الزور. ولعلنا أيضًا نقترح عليكم خطبة ذات صِلة بها، وهي: خطبة عن شهادة الزور.

والله وليّ التوفيق.

أضف تعليق

error: