خطبة عن خطورة اللسان وآفاته

خطبة عن خطورة اللسان وآفاته

واليوم لدينا خطبة عن خطورة اللسان وآفاته؛ وهي ومن خطب الجمعة الهامة، والتي تتناول موضوعات خطيرة وحيوية، وكوارث تفحَّشت -والعياذ بالله- في أطياف المجتمع بمعظم فئاته. وسوف تكون خطبتنا مكتوبة، ومُنسَّقة ومُقسَّمة إلى أجزاء، حتى يسهل على الخطيب اختيار الجزء الذي يريد؛ أو الاستعانة بها كاملة.

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله رب العالمين وأكرم الأكرمين، نحمدُه ﷻ ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله العظيم من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا. من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.

أمَّا بعد… فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة.

أيُّها المؤمنون.. اتَّقوا الله حقّ تقاته، وأحسنوا إنَّ الله يحث المحسنين، وتوبوا إلى الله جميعًا فإنَّكم إليه راجعون.

الخطبة الأولى

عباد الرَّحمن، قال ﷻ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [سورة الروم]

فاللسان آية سبحان مبدعها وصانعها، فاللسان واحدٌ في الشكل والمنظر؛ ولكن الكلام مختلف..

واللسان هو رسول القلب وتُرجُمانه ودليله، صغيرٌ جُرمه، عظيم خطره، أعصى الأعضاء على الإنسان هو اللسان.

روى الترمذي وابن ماجه في “سننهما” عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، فقَالَ: “لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ” ثُمَّ قَالَ: “أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجٌلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ” ثُمَّ تَلَا ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ثُمَّ قَالَ: “أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ”؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: “رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ”.

ثُمَّ قَالَ: “أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلَّهِ”؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ﷺ وقَالَ: “كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا”، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّم بِهِ؟ فَقَالَ: “ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وإنَّما أخذ النبي ﷺ بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاءٍ بالقول تنبيهًا على أن أمر اللسان صعب، والمعنى ألا تتكلم بما لا يعنيك، فإن من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سَقَطُه كثرت ذنوبه، ولكثرة الكلام مفاسدٌ لا تُحصى.

وقوله ﷺ: “حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ” شبّه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود من بلغة النبوة؛ فكما أن المنجل أو آلة الحصاد تقطع ولا تميز بين الرطب واليابس والجيد والرديء فكذلك ألسنة بعض الناس.

والمعنى: لا يَكب الناس في النار إلا حصائدُ ألسنتهم من الكفر والقذف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان نحوها.

فمن زرع خيرًا حصد كرامة، ومن زرع شرًا حصد شرًا وندامة.

أقوال السلف في حفظ اللسان

ولقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيمًا، فهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: وما من شيء أحوج إلى طُول سِجن من لسان.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثُر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النَّار أولى به.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: أنصف أذنيك من فيك، فإنّما جُعلت أذنان وفم واحد لتسمع أكثر ممَّا تكلَّمُ به.

وقد أحسن من قال في التحذير من آفات اللسان:

احفَظ لسانَكَ أيُّها الإنسانُ
لا يَلدغَنَّكَ إنَّه ثُعبانُ

كم في المقابِرِ من لديغِ لِسانِه
كانت تهابُ نِزالَهُ الشُّجعانُ

فإن آفات اللِّسان كثيرة ومتنوعة، وأخطرها على الإطلاق قول الكفر ودعاء غير الله، والكذِبُ على الله ورسوله ﷺ، والتَّقوّل على الله بلا علم.

ومن الكذِب التحدُّث بالكذبِ لإضحاكِ الناس، روى أبو داود في “سنته” عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جدِّه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدَّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ  لَهُ، وَيْلٌ لَهُ”.

ومن أشنَع آفات اللِّسان الاستطالة في أعراض المؤمنين بغير حقٍّ؛ روى الشيخان عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ في خطبة حجة الوداع: “إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بَلَّغت”.

وصحّ عنه أيضًا ﷺ قال: “إن أربى الرِّبا استطالة الرجل في عِرْض أخيه”.

وآفة أخرى من آفات اللسان هي آفة السَّعي بين الناس بالنَّميمة. روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنّ رسول الله ﷺ قال: “لا يدخل الجنّة نمّام” وفي رواية “لا يدخل الجنّة قتَّات”، والمعنى واحد، وقيل: النَّمام الذي يحضر فينقل النميمة، والقتات الذي يتسمَّع من حيث لا يُعلم به ثم ينقل النميمة.

ودخل عمر بنُ الخطاب يومًا على أبي بكر الصَّديق رضي اللهُ عنهما وهو يجبذُ لسانَه، فقال عمر: مه، غفر اللهُ لك، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إنّ هذا أوردني الموارد.

فانظر من الذي يقول هذا، إنه خير الخلق بعد الأنبياء؛ خليفة رسول الله ﷺ، أوَّل العشرة المبشرين بالجنة، أحبُّ النَّاس إلى رسول الله ﷺ من الرِّجال فحريٌّ بالكثير منا أن يقطعوا ألسنتهم!! لا أن يجذبوها فقط!!

واسمَعُوا قول الله ﷻ أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيَّاكُم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم.

أقولُ قولي هذا، واستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرَّحيم.

وهذه أيضًا: خطبة مكتوبة مؤثرة عن الكلمة الخبيثة وخطورتها

الخطبة الثانية

الحمد لله حقَّ حمده، وأشهد ألَّا له إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه وخليلُه، نشهد أنَّه بلّغ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانة، ونصَحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، ﷺ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد؛ فأوصيكم عباد الله بتقوى الله.

علاج آفات اللسان

وكما ترى أن اللسان خطير خطير، فيجب أن نسعى في علاج آفاته:

  1. أولًا: بالالتجاء إلى الله ﷻ بالدعاء والتضرع له
  2. ثانيًا: معرفةُ عظمة الله ﷻ وأسمائِه وصفاتِه يؤدّي إلى تعظيم حُرماتِه.
  3. ثالثًا: معرفةُ نعيم الجنّة وعذابِ النّار والقبر.
  4. رابعًا: تذكُّرُ الموتِ وقصر الأمل
  5. خامسًا: قراءة الكتب وسماع الدروس التي تحذّر من أخطارِ اللسان وحصائده.
  6. سادسًا: الإكثار من الطاعات والقربات حتى تزيد الحسنات فترجع السيئات.
  7. سابعًا: الصَّمتُ والسكوت ففي الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمروٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “مَنْ صَمَتَ نَجَا”، وللحديث المتفق عليه “من كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت”.
  8. ثامنًا: مصاحبةُ أهل الصلاح والتقوى من أهم أسباب علاج آفات اللسان.
  9. تاسعًا: تنفير الشيطانِ بالاستعاذة بالله منه، وقراءة القرآن وخاصةً المعوذات والبقرة وآل عمران.
  10. عاشرًا: الاشتغال بالطاعات كالعلم والتعليم والصلاة والصيام والذِّكر وقراءة القرآن.
  11. الحادي عشر: السعيُ لتنقية القلب وعلاجه من الأمراض ومحاسبة النفس دائمًا.

عباد الله.. إنَّ اللسان جعله الله ﷻ في الإنسان لأغراض عظيمة، جعله لكي يكون عضوًا مسبِّحًا لله، حامدًا لله، ذاكرًا لله، شاكرًا لله، مثنيًا على الله، داعيًا الله ﷻ، فيتقلّبُ اللسان بذلك في أنواع من العبودية.

هذا واعلموا رحمني الله وإياكم أنَّ الله ﷻ يحبُّ المصلِّين على نبيِّه ﷺ، وقد أمر بذلك في مُحكَم كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة الأحزاب].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحبِ الوجه الأنور والجبين الأزهر، وأرْضَ اللهمَّ عن الأربعةِ الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، الذين قَضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدلون، وعنّا معهم بعفوك ورحمتِك، يا أرحم الرَّاحمين.

وبعد أن قدمنا لكم —أيها الأكارم الأفاضل— خطبة عن خطورة اللسان وآفاته؛ فهذه —كذلك— خطبة عن أحب الكلام إلى الله. ونسأل الله ﷻ أن ينفعنا وإياك بالوعظ الحسن؛ اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top