خطبة: بث الأمل والتفاؤل في المجتمع – مكتوبة

خطبة الجمعة, بث الأمل والتفاؤل في المجتمع , خطب مكتوبة

ومع الأحباب من جديد؛ هذه خطبة الجمعة لهذا الأسبوع؛ تحت عنوان: بث الأمل والتفاؤل في المجتمع. الله الله. ومن عنوانها نستشعِر ما في سطورها، وما ستسوقه لنا من نفحات وبركات ونسمات عطرة؛ خاصَّة في الأوقات الموحِشة التي تحتاج إلى مثل هذه المواعِظ والإرشادات العظيمة البليغة.

الخطبة –يا إخواني– مكتوبة بالكامل؛ عليكم فقط بالاطلاع والقراءة والمتابعة..

مقدمة الخطبة

الحمد لله الهادي الباقي، مقدر البلاء ومكرم الصابرين بالدرجات العلى.

وأشهد ألا إله إلا الله الولي القوي؛ عالِم السر والنجوى، وأن نبيه محمد الداعي إلى كلمة التقوى، وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الجزاء.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

قال الله ﷻ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ سورة الاحزاب:21، لقد ملك رسول الله ﷺ مجامع قلوب الصحابة رضي الله عنه في كل مناحي حياتهم، ومن أروع هذه الصور العظيمة بث النبي ﷺ الأمل في نفوسهم، والثقة بما لهم عند الله ﷻ، فأضحت كل لحظة من لحظات حياتهم تحمل الأمل الواعد في تحقيق وعد الله ﷻ بالنصر والتمكين.

والحق أن الفأل الحسن والثقة بوعد الله ﷻ هما اللذان يدفعان بالعبد الى العمل والإنجاز فلا يمكن للإنسان أن ينجز أمراً دون أن يكون رجاؤه بالله ﷻ، قال الله ﷻ:﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ سورة الكهف: 110، فالأمل بالله ورجاء مغفرته يقترن دائماً بالعمل لا بالكسل والتمني، قال الله ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة البقرة: 218.

فلا يقول الإنسان: إن عندي أملاً في الله سبحانه، وأحسن الظن بالله جل جلاله، ثم بعد ذلك نراه لا يؤدي ما عليه تجاه الله من فرائض وأوامر، ولا ينتهي عما نهى الله عنه، قال النبي ﷺ: «حسن الظن من حسن العبادة» ← رواه ابو داود.

وقال النبي ﷺ: «لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» ← رواه البخاري.

فلقد كان من العادات المنتشرة بين الناس: التطير والتشاؤم ببعض الأزمنة والأمكنة والأشخاص والحيوانات، فنهى رسول الله ﷺ من الطيرة بهذه الأمور وأمرهم بالفأل الحسن.

فنحن مدعوون اليوم إلى التطلع إلى غدٍ أفضل وليس مجرد تفاؤل فحسب، وهذا الأمر يحتاج منا إلى عقيدة وإيمان بأنّ الله ﷻ قريبٌ مجيب، إن الله ﷻ لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لعبادته سبحانه، وإذا حققنا العبودية فإن الله ﷻ يرحمُنا، ويمنُّ علينا بعدله ورحمته، فأمرنا بنشر روح الأمل والتفاؤل بين الناس، ولذا كان عليه الصلاة والسلام إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره، قال له: «بَشِّروا وَلا تُنفِّروا، ويَسِّروا وَلا تُعسِّروا» ← رواه أبو داود.

والمقصود بالبشرى إعطاء الأمل والتفاؤل للناس بأن رحمة الله واسعة قال الله ﷻ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ﴾ سورة الأعراف: 156.

وليعلم العبد أن الله عظيم الثواب وأن نشر الفأل الحسن مهمة كل من يحمل المسؤولية وهمَّ الدعوة الى الله ﷻ، فهذا نبينا ﷺ ضرب أروع الأمثلة في بث الأمل والفأل الحسن في المستقبل في قلوب أصحابه رضوان الله عليهم.

فهذا سيدنا خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول: أَتَيْتُ النبيَّ ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وهو في ظِلِّ الكَعْبَةِ وقدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وهو مُحْمَرٌّ وجْهُهُ، فَقالَ: «لقَدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بمِشَاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحْمٍ أوْ عَصَبٍ، ما يَصْرِفُهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُوضَعُ المِنْشَارُ علَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فيُشَقُّ باثْنَيْنِ ما يَصْرِفُهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ولَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، ما يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ» ← رواه أبو داود.

وفي غار ثور حاصر المشركون النبي ﷺ وصاحبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وأحدق بهم خطر العدو من كل جانب، لكن ثقة النبي ﷺ كانت أعظم من كل هذه الاعتبارات البشرية، فقال ﷺ بلسان الواثق بوعد الله: «لا تحزن إن الله معنا» ← متفق عليه.

وحين اعترضتْ صخرةٌ كبيرةٌ الصحابةَ رضي الله عنهم يومَ الخندق حمل النبي ﷺ فأسه الشريف، وأخذ يبث الأمل في النفوس المؤمنة بالتكبير، الله أكبر، وبشر بفتح الشام واليمن وفارس وهو المحاصر فيها من الأحزاب.

إنها رسالة لنا جميعاً بأن نكون أقوى وأشد عند المشكلات، قال الله ﷻ: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ سورة يوسف: 87، قالها يعقوب عليه السلام وهو الذي فقد ابنه الحبيب وفقد ابنه الآخر، وفقد عينيه، وفقد وحدة أبنائه ومحبتهم لبعض قالها بلسان الواثق بالله بأنه ﷻ لن يخذله، إن الأمل بالله ﷻ يدعونا الى العمل والبحث عن أسبابه وطرقه.

تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها
إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

فالأخذ بالأسباب سنة كونية، فلا يجتمع الأمل مع الكسل والإحباط واليأس، لأن المحبطين لا يغيرون، واليائسون لا يبنون حضارة ولا يشيدون مجداً، قال ﷺ: «إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ» ← رواه مسلم.

إن الله ﷻ يزيد عباده الذين اهتدوا هدىً، على ما هداهم بما يتجدد لهم من الإيمان بفرائض الله والعمل بها، قال الله ﷻ: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ سورة مريم: 76.

إن تاريخنا الإسلامي حافل بالأحداث التي ألمت به، فخرج منها منتصراً قوياً عزيزاً، فأول فتنة ألمت بالأمة بعد وفاة النبي ﷺ حين ظنَّ الناسُ أن لا رجعة لدين الله في يوم الردة، فظهر أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي أطفأ نار الفتنة، فانتصر الحقُّ، واضمحل الباطل، وما جرى في زمن فتنة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد هاجت الأمة بعد مقتله رضي الله عنه، وقيل أنه لا قرار لها، ثم عادت الامور الى مجراها وتوالت الفتوحات بعد ذلك تترا.

وأما المسجد الاقصى المبارك، فقد وقع أسيراً أكثر من ثمانين عاماً، بأيدي الأعداء فعاثوا فيه الفساد، لكن هذه الاحداث لم تفقد الامة أملها بالله ﷻ، فقام السلطان نور الدين زنكي رحمه الله ﷻ الذي كان واثقاً بوعد الله لعباده، أنهم هم المنصورون، وأن جندنا هم الغالبون، فصنع منبراً ليضعه في المسجد الأقصى المبارك بعد تحريره، فقيض الله لهذه الأمة بعد ذلك القائد السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ﷻ لتحرير المسجد الأقصى من برثان من احتلوه، وعاد المسجد الأقصى مرةً أُخرى الى حياض المسلمين، ووضع المنبر الذي صنعه السلطان نور الدين زنكي بمكانه.

وما زال المنبر الى اليوم شاهداً على ذلك الحدث العظيم، قال الله ﷻ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة الصف: 8، وأملنا بالله ﷻ بأن يعود المسجد الأقصى مرةً أخرى محرراً عزيزاً من أيدي الغاصبين المحتلين، وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية الحكيمة القلب النابض، للشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية حتى يعود الحق لأصحابه، قال الله ﷻ: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ سورة المعارج: 6-7، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

⬛️ وهذه يا إمام خطبة: الثقة بالله ﷻ.. شعار المؤمنين

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

ولا تنسوا قول النبي ﷺ: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾، “أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.

والحمد لله ربّ العالمين

أضف تعليق

error: