خطبة جمعة عن خطر الرشوة وضررها على الفرد والمجتمع

خطبة جمعة عن خطر الرشوة وضررها على الفرد والمجتمع

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله ﷻ، فإن في تقوى الله جل وعلا خلفا من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف. وتقوى الله جل وعلا عملٌ بطاعة الله، على نور من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ وباء خطير وداء فتاك، إذا وُجِد في مجتمع من المجتمعات وتفشّى فيها كان سببا لهلاكه وحلول العقوبات به، لأنه يترتب عليه ذهاب المروآت وضياع الحقوق وكثرة الظلم وتعدد الأذى.. إلى غير ذلكم من أنواع المضار التي تترتب على وجوده، ألا وهو –عباد الله– الرشوة وما أدراك ما الرشوة.

بيان تحريم الشرع لجريمة الرشوة بالأدلة من الكتاب والسنة

الرشوة هي مالٌ أو مصلحة تُقدَّم لرئيسٍ أو حاكمٍ أو موظَّفٍ ليتوصل بدفعها إلى إحقاق باطل أو أبطال حق. وهي أكلٌ لأموال الناس بالباطل وسُحتٌ وحرام، وكلٌ من المُعطي لها والقابِض مُعرَّض لمقت الله ﷻ وسخطه وعقوبته.

قال الله ﷻ ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

والإدلاء بها إلى الحكام: أي تقديمها لهم، بحيث يقدم بعض ماله ليتوصل من خلال ذلك إلى أكل فريقٍ من أموال الناس بالباطل.

وقوله ﴿وأنتم تعلمون﴾، أي أن ذلك لا يحل لكم، وان الله ﷻ حرَّمه على الناس.

أيها المؤمنون عباد الله، والرشوة من خِصال اليهود، ومن صفاتهم التي عُرفوا بها. قال الله ﷻ ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ وقال الله ﷻ، ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

والسحت في الآيتين –في قول غير واحد من السلف– الرشوة؛ فكانت صفة لليهود، يحرصون عليها، بل إنهم اشتُهِروا بها وعرفوا بها، ولهذا؛ فإن تعاطي الرشوة –عباد الله– هو اتصافٌ بخصلة من خصال اليهود وصِفةٍ من صفاتهم الشنيعة.

وقال أبو هريرة –رضي الله عنه– «لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي في الحكم».

وقال رسولنا الكريم ﷺ «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» رواه الطبراني.

وعن كعب بن عُجْرةَ –رضي الله عنه– أن رسولُ الله ﷺ قال: «لا يربو لحمٌ نبَت من سُحتٍ، إلا كانت النارُ أولى به».

بيان خطر الرشوة، وضررها على الفرد والمجتمع

أيها المؤمنون عباد الله، وإذا حلَّت الرشوة في مجتمع نُصر فيه الباطل، وأُبطل فيه الحق، وتغيرت الموازين. ولهذا قال الحسن البصري –رحمه الله–: إذا دخلت الرشوة من الباب، خرجت الأمانة من الكوة. أي من النافذة.

نعم عباد الله كم من المضار الجسيمة، والتعديات العظيمة التي تترتب على وجود الرشوة؛ أخذا لها وإعطاءَ.

روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما– أن النبي ﷺ قال «لعنه الله على الراشي والمرتشي».

ورواه أيضا من حديث أبي هريرة وحديث ثوبان –رضي الله عنهما–.

واللعن أيها المؤمنون طرد وإبعاد من رحمة الله، ولا يكون إلا في عظائم الذنوب، وكبائر الآثام.

ويقال –عباد الله– للرشوة البرطيل، ولهذا يقال في المثل: البراطيل تنصر الأباطيل. أي أنها إذا وُجدت في مجتمعٍ من المجتمعات نصرت الباطل، وأبطلت الحق، وغيرت الموازين، وأضرَّت بالناس أيّما إضرار.

عباد الله، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق والمسميات. ولهذا –كما هو حاصل في بعض المجتمعات– لو سميت الرشوة هدية أو إكرامية أو نحو ذلكم من الأسماء فإن حقيقتها لا تتغير؛ تبقى سُحتٌ، ويبقى آخِذها ومُعطيها، كل منهما مُعرَّض للعقوبة وحلول سخط الله ﷻ ولعنته.

ولهذا –أيها المؤمنون– جاءت الشريعة بمنع الهدية للعمال، وهم الموظفين أيّا كانوا، لأنها تفتح باب شَر عظيم. فقد روى البخاري ومسلم، في صحيحيهما، عن أبي حميد الساعدي –رضي الله عنه– قال: استعمل رسول الله ﷺ رجلا يقال له ابن اللتبية على الصدقة؛ فلما قدم؛ قال: هذا لكم وهذا أهديته. فقام النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، وقال «ما بال عاملٍ أبعثه، فيأتي يقول: هذا لكم وهذا أهديته. أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه حتى ينظر ليهدى له أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم من ذلك شيئا إلا جاء يحمله يوم القيامة على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر»، ثم رفع ﷺ يديه، حتى رأينا عفرة إبطيه، فقال «اللهم هل بلغت؟» قالها مرتين صلوات الله وسلامه عليه.

أيها المؤمنون عباد الله، إن الواجب على كل مسلم، أن يحذر أشد الحذر من موجبات سخط الله، وموجبات عقوبته ولعنته سبحانه، وليأخذ نفسه في هذه الحياة الدنيا، مأخذ الحزم، بُعدا عن الحرام، وتجنبا للاثام واتقاء للشبهات، فإن من اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه.

أصلح الله أحوالنا أجمعين، وهدانا إليه صراطا مستقيما.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائِر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

⬛️ مُقترحة: خطبة قصيرة للتحذير من جريمة الرشوة

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده جل في علاه بمحامده التي هو لها أهل، وأُثني عليه الخير كله، لا أُحصي ثناء عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله؛ اتقوا الله ﷻ.

عباد الله؛ روى البخاري –في كتابه الصحيح– موعظة نافعة، وكلمة مؤثرة للصحابي الجليل جندب بن عبد الله –رضي الله عنه–، قال: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبا فليفعل.

وما أعظمها من موعظة، وما أجلَّها من وصية.

ثم أيها المؤمنون؛ ليتذكر كل واحدٍ منا أنه يوم القيامة سيُسأل سؤالان؛ كلاهما عن المال، من أي كسبه وفيما أنفقه؟ ويدخل في ذلك ما تقدَّم، ألا وهو إعطاء الرشوة أو قبضها.

روى الطبراني في معجمه، عن معاذٍ رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه».

والعاقل يُعِد للسؤال جوابا، ويجد ويجتهد بأن يكون الجواب صوابا.

وصلوا وسلموا رعاكم الله، على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وقال ﷺ «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»، اللهم صل على محمد وعلي آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلي آل إبراهيم أنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلي آل محمد كما بارك على إبراهيم وعلي آل إبراهيم أنك حميد مجيد، وأرضى اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأرضى اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك، يا أكرم الأكرمين.

⬛️ وهذه أيضًا: خطبة الأسبوع حول الرشوة والراشين والمرتشين

الدعاء

  • اللهم وفقنا أجمعين، لصالح الأعمال وسديد الأقوال وأعذنا أجمعين من المحرمات والشبهات، واحفظ علينا ديننا يا رب العالمين، وأعذنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
  • اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد ﷺ.
  • اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام، وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرا ومعينا، وحافظا ومؤيدا، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحقن دماءهم يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
  • اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
  • اللهم وفق ولي أمرنا لسديد الأقوال وصالح الأعمال يا رب العالمين.
  • اللهم وأصلح جميع ولاة أمر المسلمين، ووفقهم لتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
  • اللهم نسألك الهدى والتقى والعِفَّة والغنى.
  • اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
  • اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله؛ اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

أضف تعليق

error: