خطبة الأسبوع حول الرشوة والراشين والمرتشين

خطبة الأسبوع حول الرشوة والراشين والمرتشين

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد.. عباد الله فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير هدي نبينا محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المسلمون؛ يقول نبينا محمد ﷺ «إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي في المال»، فقدَّر الله ﷻ أن تكون فتنة هذه الأمة هي المال. من أين يجمعه؟ من أين يأخذه؟ من أين يأتيه؟ ما هي مصادر المال؟

ولذلك؛ لما كان الأمر خطيرا فإن النبي ﷺ حذرنا فقال «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..»، ذكر منها  «وعن وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟» يجلسك الله ﷻ يوم القيامة فيسألك عن المال، دينارا دينارا، من أين أتيت بهذا؟ وفيما أنفقت هذا؟

لا إله إلا الله.

ولذلك أخبر النبي ﷺ أن «فقراء الأمة يدخلون الجنة قبل أغنيائها بخمسمئة عام»، وذلك لأنهم لا يجدون من المال الذي يحاسبون عليه، وكلما كثرت أموال الشخص، وكثرت أموال العبد، فإنه يُسأل يوم القيامة ويوقَف عن ذلك.

الرشوة

وحذرنا النبي ﷺ عن هذا المال، وأخبرنا أن هناك مكاسب محرمة، ومن هذه المكاسب الرشوة، وهو ما يعطى لإحقاق باطل وإبطال حق، لجلب مصلحةٍ لنفسه بماله، ولدفع مضرة عنه أو إلحاق المضرة بغيره. وهذه والله من السحت الذي ينبت عليه الجسد، فلا يكون إلا النار مأواه والعياذ بالله.

هذه الرشوة التي تباهى فيها كثيرٌ من الناس حتى سُميت بغير اسمها؛ هدية أو إكرامية أو حلاوة، أو غير ذلك من المسميات. وهو يعلم أنه ما أُعطى هذا المال إلا لأجل مصلحة للمُعطي، أو دفع مضرة عنه، وربما تولى بعض الناس من الولايات ومن الأعمال والوظائِف، ما بوّأهم ﷻ في هذا المكان، لكنه خان المسلمين وغش المؤمنين، فصار يتلقى الأموال؛ ومن دَفَع له أكثر أسرع بمعاملته وأنجزها، ومن لم يدفع فلا يفعل ذلك.

عجِبت والله، في الأسبوع الماضي، قال رجل: هل تعرف أحدا في الإدارة الفلانية؟ قلت: لماذا؟ قال: لأن معاملتي واقفة، وهي عند فلان، والله قال لي صريحا، ائتني بستمئة دينار أنجز لك المعاملة، ولا تشتكي عند المدير فالمدير هو الذي أرسلني، –سبحان الله–..

وهذه كثيرة، لما اشتكيت عند مدير آخر في إدارةٍ أخرى على هذا المدير، قال: شكاوى كثيرة.

فلا إله إلا الله! هل استرخص الناس المال وهان عليهم حتى كسبوه من وجوه محرمة، فهذه والله ما لها إلا العار والشنار يوم القيامة، وسيصلى نارا ذات لهب، كما حذرنا النبي ﷺ «أيما جسدٍ نبت على السحت –الحرام– فالنار أولى به»، النار أولى به.

استعمل النبي ﷺ رجلا على الصدقات في ناحية الجزيرة، ثم لما رجع قال: هذه لكم، هذه الصدقات لكم يا رسول الله، وهذه الأموال أُهديت لي. قال ﷺ –وقد رقي المنبر وخطب الناس– «أفلا جلس في بيت أمه وأبيه حتى يُهدى إليه؟» يعني ما أُهديت إليه إلا لأنه مسؤول، وعامِلٌ على هذه الوظيفة. لو جلست في بيت أمك وأبيك هل يطرق الناس بابك حتى يعطوك الهدية؟ لا والله، ما أحد يعطيه الهدية، لكن لكونه مسؤولا؛ رئيس قسم أو مراقب أو مدير أو وزير، ثم يُعطى هذه الأموال لأجل أن يُخلص المعاملة، والله لا تحل بأي صورة من الصور، وإن سموها بغير اسمها.

ومن الصور في هذه الأيام، صور إعطاء المرشحين للناخبين الأموال بدعوى الهدية. يأتي إلى الدواوين، ويعطي الهدايا، وربما سهل بعض المعاملات، وربما فعل وفعل.. وأنتم أدرى بهذا، أدرى بما تسمعون من حوادث الناس، وأجَلّ الله هذه الوجوه من أن تكونوا كذلك.

وجوب الإبلاغ عن الراشين والمرتشين

فلذلك –أيها الإخوة– لا بد من أن نتصدى لمثل هذا الأمر، فإنه والله ما ضاع البلد إلا بسبب هؤلاء، لا هم لهم إلا مصالحهم وذواتهم، ولذلك علينا أن نتصدى؛ فلذلك لا يجوز أن نتستر عن مُرتشي أو راشي. فقد لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي والرائش بينهما.

اسأل الله ﷻ أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

⬛️ وهذه أيضًا يا إمام: خطبة قصيرة للتحذير من جريمة الرشوة

الخطبة الثانية

الحمد لله، والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد يا عباد الله، فإنه لما كثرت مثل هذه المحرمات وصار الإنكار قليلا ضعف الإيمان، وقلت استجابة الدعوات لنا، وضعفت الأمة، وانتكست قلوب كثيرٍ من الناس، حتى ابتعدوا عن الطاعة وابتعدوا عن عبادة الله ﷻ، فإننا لا زلنا ندعو الله ﷻ أن يرفع عنا الوباء والبلاء، ولا زال أناس يظهرون بمظاهر الفِسق والفجور والعهر، ولذا لا رادع لهم إلا أهل الخير والصلاح، وبقية من أولي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا البلد؛ بحمد الله ﷻ.

وإن الناس إذا رأوا صاحب المنكر فلم ينكروا عليه، فإن الله ﷻ يعقب قلوبهم نفاقا ويجعل هذا البلد بلدًا ضعيفا مهلهلا يكثر فيه اللصوص، ويكثر فيه أهل الشر؛ والعياذ بالله.

فلذلك لا بد من أن نكون أقوياء، وإن نتحمل. فإن النبي ﷺ، قال «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف مُتَعَفِّفٌ ذو عيال». عفيف في نفسه، متعفف عما في أيدي الناس من الحرام؛ ذو عيال، يقسمون ظهره بالحاجات والطلبات لكنه صابر، فلا يقتحم أبواب الحرام لأجل أولاده. فهذا ضمن النبي ﷺ له الجنة.

الدعاء

  • أسأل الله ﷻ أن ارزقنا العِفة والعفاف.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
  • اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف عنا برحمتك يا ربنا شر ما قضيت.
  • اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا يا رب العالمين.
  • اللهم إنا نسألك يا الله نفوسا تقية.
  • اللهم ارزقنا صلاح القلب يا رب العالمين.
  • اللهم نعوذ بك من شر الفتن ما منها وما بطن.
  • اللهم نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.

وصل اللهم على نبيك محمد وآله وصحبه وسلم؛ وأقِم الصلاة.

أضف تعليق

error: