خطبة: معركة اليرموك — دروس وعبر

خطبة: معركة اليرموك — دروس وعبر

هل تعرف شيئًا عن معركة اليرموك؟ هل تعرِف بعضًا من أحداثها؟ هل استمعت يومًا لخطبة أو درس عِلم أو محاضرة توضح لك ما كان فيها من دروس وعبر؟

حسنًا؛ دعني أتولى أمر الإجابة؛ وهي “لا”.

ولذلك أتيتُك يا زميلي. فهذه خطبة جمعة مكتوبة عن معركة اليرموك وما كان منها من دروس وعبر كبيرة وعظيمة.

عناصر الخطبة

  • الأردن أرض الفتوحات وبطولات الصحابة التي روت دمائهم الزكية ثراه الطاهر.
  • الأسباب الداعية لمعركة اليرموك.
  • أحداث معركة اليرموك وبطولات الصحابة –رضي الله عنهم–.
  • حسن التخطيط والتنظيم بعد التوكل على الله ﷻ هي أهم أسباب النصر.

مقدمة الخطبة

الحمد لله ناصر زُمرة الحق بالحق، القائل ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.

والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته إلى يوم الدين..

الخطبة الأولى

قال ﷻ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

تطوي الذاكرة الزمان لتحط رحالها في جنوب الأردن في أرض مؤتة التي اتصلت بالمدينة المنورة بعد أن جُلِّيت لرسول الله ﷺ المعركة من على منبره الشريف وهو يصف أحداثها بدقة فوصف استشهاد القادة الثلاثة –رضي الله عنهم–، وها هم تتشرف بهم أرض الأردن فتختلط ذرات أجسادهم الطاهرة بذراتها المباركة، كما وصف استلام سيدنا خالد بن الوليد الوسام الرباني النبوي أنه سيف الله المسلول الذي استطاع بحنكته ان يرجع بالجيش بأقل الخسائر.

عن عروة بن الزبير، قال: لما دنوا من دخول المدينة، تلقاهم رسول الله ﷺ والمسلمون، … قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون: يا فرار في سبيل الله، فيقول رسول الله ﷺ: «ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرار، إن شاء الله».

ولكنهم الكُرار إنها كلمات الصادق المصدوق والتي تحققت في غضون أقل من خمس سنوات حيث كان الكر لهم على شمال الأردن وكانت نهاية الروم أعظم دولة في ذلك الوقت، فكانت وقعة اليرموك على ثرى هذا البلد المبارك، واليرموك نهر ينبع من جبال حوران، يجري قرب الحدود بين سوريا والأردن، اختار الروم هذا الوادي لأنه المكان الذي يتسع لجيشهم الضخم الذي عدده مائتين وأربعين ألف مقاتل.

ولما اجتمعت الروم باليرموك، قالوا: “لنشغلنّ أبا بكر والعرب وأنفسهم عن تورّد بلادنا”، ثم نزلوا الواقوصة مستعلين –وهي منطقة تشرف على وادي نهر اليرموك–، فبلغ ذلك أبا بكر، فقال لمجلس الشورى: “والله لأنسينّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد”.

وعبر المسلمون النهر إلى الجهة اليمنى، وضربوا معسكرهم هناك في واد منبطح يقع على الطريق المفتوح لجيش الروم، وبذلك أغلقوا الطريق أمام جيش الروم وبلغ جيش المسلمين ستة و ثلاثين ألفا فيهم ألف صحابي، منهم نحو مائة ممن شهد بدرا.

وكتب أبو بكر إلى خالد يأمره بأن يستخلف على العراق ويتجه بخيرة جنده إلى الشام ليكونوا مدداً لإخوانهم، وكان لا بد من الإسراع فقد كان الوقت ضيقاً، فأراد خالد بن الوليد أن يختصر المسافة الطويلة، ولا يكون ذلك إلا بجهد كبير في سبيل نصرة المسلمين بهمة الرجال المخلصين الذين يكابدون الصعاب ويجتازون المخاطر في سبيل نصرة إخوانهم، واختار لهذه الطريق دليلاً خبيراً اسمه رافع بن عميرة فخاض المسلمون تلك المسافة في خمسة أيام فقط، وقد شارفوا على الهلاك بعد نفاذ مائهم، لولا أن أغاثهم الله ﷻ بعين ماء قال عنها الدليل: “والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام منذ خمسين سنة، فالتضحيات لا تذهب سدى، بل كلها عند الرحمن الذي هو خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.

فخرجت الروم في تعبئة لم ير مثلها قبلها قط، عبأ قائد الروم ماهان جيشه كعادة البيزنطيين في ذلك العهد في فرق من الجيش، ثم وضع الرماة في المقدمة، والخيالة في الجناحين، وبهذه التعبئة شكلت فرق المشاة قلب الجيش الذي رتب ثلاثين خطًا.

وهنا تظهر عبقرية خالد بن الوليد –رضي الله عنه– في القتال وحسن التخطيط وإدارة المعارك، كما يظهر حُسن اختيار أبي بكر– رضي الله عنه– في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، واختار الكفء صاحب الجدارة في إدارة الأزمات، فخرج خالد في تعبئة لم تعرفها العرب قبل ذلك، فوحد جيوش المسلمين الأربعة في جيش واحد عظيم وقسمه إلى ستة وثلاثين فرقة في كل فرقة ألف فارس عليهم أمير، وجعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، كما قام بالتمركز في منطقة مفتوحة وجعل الروم في منطقة محصورة بين عدة جبال.

وتدور رحى اليرموك على مدى ستة أيام كوامل ويتقارع الجيشان العرمرمان، فكان الأيام الخمسة الأولى من المعركة تدور بدون هجوم من جهة المسلمين، واكتفى بصد هجمات الروم، وبعد أن أُنهك جيش الروم طلبوا الهدنة في اليوم الخامس، فرفض ذلك، وبدأ الهجوم في اليوم السادس، حيث قام بهجوم حاسم، وبدأت جيوش الروم بالترنح أمام ضربات جيش المسلمين، وكان باهان قائد الروم يراقب الوضع، فلما لاحظ تراجع مقدمة رجاله التمس له ولفرسانه طريقاً للنجاة، فلاحظ خالد ذلك، ففتح له ثغرة نفذ منها، وانسحب بأربعين ألف فارس، وحمل المسلمون على ما تبقى من الجيش البيزنطي، فاضطروا إلى حافة وادي اليرموك دون وعي، فسقط أكثرهم في الواقوصة، فامتلأ الوادي حتى حافتيه بقتلى جنود الروم، حتى قيل أن من هلك منهم في الواقوصة بلغ سبعين ألفاً أو يزيد.

وانقشعت المعركة عن نصر حاسم للمسلمين، حتى قالها هرقل: “سلام يا سورية، سلام لا لقاء بعده”، انقشعت المعركة واستشهد من المسلمين ثلاثة آلاف، منهم عكرمة بن أبي جهل، وهشام ابن العاص، وأبان بن سعيد، وغيرهم، هؤلاء الذين صدقت في بعضهم دعوة النبي ﷺ: «عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله».

ويبلغ خبر النصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– الذي سهر ثلاثة أيام كاملة يترقب الأخبار ويدعو الله ﷻ بالنصر والتمكين، حتى يأتيه الخبر اليقين بنصر المؤمنين فيخر لله ساجداً شاكراً على نعمة النصر والتأييد.

وفي اليرموك سطر الصحابة أروع صور الفداء التي عز وجودها في التاريخ، فحين اشتد الخطب وحمي الوطيس، وبلغت القلوب الحناجر يقوم عكرمة بن أبي جهل –رضي الله عنه– وينادي في الجيش من يبايع على الموت؟ فبايع عَمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور وأربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فهبّوا على الروم هبة رجل واحد يتقدمون الجيش، حتى استشهد أكثرهم، وسقط الباقون مضمخين بجراحهم، دفاعاً عن دينهم وأوطانهم.

وشاركت النساء في اليرموك وكان لهن الدور المهم في المعركة فلم ينعزلن عن حركة الحياة، وعن نصرة المسلمين، فقاموا بواجبهن في مداواة المرضى وحث الجنود على القتال وبث الروح المعنوية كما شاركن في القتال إلى جنب الرجال.

ومن النساء اللاتي استبسلن أسماء بنت يزيد بن السكن بنت عم معاذ بن جبل قتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها.

وهنا تجِد خطبة: غزوة بدر – دروس وعبر

الخطبة الثانية

الحمد لله..

ومن الدروس المستفادة في معركة اليرموك أن النصر مقرون بالتجرد للمبدأ والتضحية في سبيل الدفاع عن الحق فمن صدق في عقيدته لم ترهبه عدة وأعداد عدوه لأن النصر من عند الله ﷻ، ويتجلى ذلك في الفارق العددي بين جيش المسلمين وجيش الرومان، حيث بلغ عد المسلمين ما يقارب الأربعين ألفاً، بينما قارب جيش الرومان المائتي ألف مقاتل.

وما زالت أرض الأردن المباركة الطاهرة هي أرض البطولات التي روّى الصحابة الكرام ترابها الطهور وما زالت هي أرض الحشد والرباط التي تجمع صفوة الأمة لنصرة الحق تحت ظل القيادة الهاشمية المباركة، التي اتصلت بقائد الأمة ونبيها سيدنا محمد ﷺ.

والحمد لله رب العالمين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top