شاب فلسطيني في الغربة: بين خيارين للزواج، أيهما يختار؟

شاب فلسطيني في الغربة: بين خيارين للزواج، أيهما يختار؟

«فلسطيني» يسأل: أنا شاب فلسطيني أبلغ من العمر ستة وعشرين عاما، مقيم في بلد خليجي بعيدا عن أهلي، أردت أن أكمل ديني وأن أتزوج، ولكن هناك صعوبة بالغة في اختيار الزوجة في هذا البلد بسبب التقاليد والبيئة المغلقة، كما أني أعيش وحيدا هنا لا أقارب لي ولا أصدقاء.

قبل مغادرة أهلي المنطقة إلى فلسطين قبل 3 سنوات اختارت لي والدتي فتاة عادية متوسطة الجمال من نفس العائلة تقريبا، ولكني رفضت الفكرة؛ لأن هذه الفتاة ليست جامعية وجمالها متوسط ومن الأقارب؛ ولأني كنت أفكر بفتاة أخرى أعرفها منذ طفولتي، ولكننا افترقنا بسبب الدراسة ونسيتها كليا .

الآن بعد سفر أهلي وإحساسي بمرارة غربتي، وبعد حصول الانتفاضة منعت من زيارتهم فازدادت همومي وتعقد الموضوع أكثر من قبل، فقررت البحث بنفسي، فتعرفت على إنسان ملتزم في عملي ودلني على زميلة طالبة في كلية الطب سوف تتخرج قريبا، من أصل فلسطيني وتحمل جنسية البلد الذي أقيم فيه، وهذا يعني أنها سوف تطلب مني العيش للأبد معها في وطنها البديل “السعودية”، وهذا ما عارضه أهلي، مبررين ذلك بأن لي وطنا وأهلا وقضية لا يجب أنا أنساها ولا أبعد عنها .

الآن أنا في حيرة من أمري.. هل أتوكل على الله وأقابل هذه الفتاة وأتقدم لها رسميا كما طلبت مني، رغم أنها من جنسية أخرى، ورغم أني سمعت أن والدتها “شرسة جدا” وهي التي تحرك كل شيء في البيت، أم أرجع إلى اختيار أمي الأول لقريبتي رغم أنها “خطبت”، ثم انفصلت، وهي الآن بحكم المطلقة، إضافة إلى أن أحد الشباب غير الخلوقين ذكر لي أنه بالصدفة عرف أن أختها كانت على علاقة مع شاب، ولكن هذا الكلام مشكوك فيه، ولا أعرف هل هو صحيح أم مجرد كلام.

أرجو إفادتي، مع ملاحظة غربتي وقلة أقربائي لمساعدتي في هذا الموضوع، إضافة إلى اهتمامي باختيار الزوجة الصالحة، وشكرا لكم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابـة

بالرغم من أني أقدر معاناتك في غربتك وبعدك عن أهلك، إضافة إلى حياة الوحدة والعزوبية التي تعيشها، لكنني أسألك يا أخي العزيز: من منا بلا هموم ؟ وهل هناك من يحيا بلا معاناة ؟ وهل تظن أننا نحن لا نمر بأزمة تلو الأخرى بسبب ما يجري في بلدك المحتل الذي هو بلدنا أيضا وقطعة من قلوبنا جميعا ؟ الله وحده يعلم يا أخي أن فلسطين غصة في الحلق ودمعة في المآقي وخنجر في القلب إلى أن تتحرر بكل شبر فيها، ولولا أن الحزن يشل قدرتنا على التفكير ويكبح رغبتنا في العمل لوجدتنا أول المحزونين، لكن ما نفع الصياح والنواح وأمتنا -وليس فلسطين فحسب- تغتصب كل يوم على بكرة أبيها. ومع ذلك نسأل الله سبحانه أن يفرج عن أهلنا كربتهم، ويفك أسر المسجد الأقصى، ويرد كيد الصهاينة إلى نحرهم، إنه قدير عزيز.

أتفهم تماما وضعك وصعوبة اختيارك لشريكة حياتك، لكن قبل أن أنصحك بأي من الفتاتين عليّ أن أطلب منك أن تحرر نفسك من شعورك بالحزن؛ لأن أفكارك عن نفسك وعن غيرك تكونها نتيجة مشاعرك الداخلية، وأفكارك هذه بالتالي تنعكس على حياتك الخارجية سلبا أو إيجابا؛ لذلك أرجوك ألا تكتب اسمك هكذا مرة أخرى (فلسطيني دايما معذب).

وأذكر أن أحد أبنائي الفلسطينيين وعمره لا يتجاوز ثمانية عشر عاما كتب ذات مرة رسالة عنوانها (سجل أنا فلسطيني)، ورغم جراحه وآلامه قال فيها مخاطبا صديقه المعاق: (صبرا يا أحمد؛ فالمسلم يرى النصر من قضبان السجن ومن أعماق الصبر)، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (وإن الظفر مع الصبر)، وما أكثر الأحاديث التي وردت في الصبر على البلاء، ومنها: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فلعل الله سبحانه يدخر لأهل فلسطين ما لا يدخره لغيرهم.

وسنة الحياة يا أخي الابتلاء، ألم يقل الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان في كبد)، وقال:( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم), وقال: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). فالدنيا دار بلاء وامتحان، والسعيد حقا من إذا أعطي شكر وإذا حرم صبر.

وتخف المعاناة إذا تذكر الإنسان الذي أُخِذ منه الكثير أن ما بقي له كثير أيضا، وإليك هذه العبارة التي قالها أحدهم -وهو غير مسلم- بعد أن فقد سمعه وبصره وأصبح مشلولا تماما: (لو لم يبق لي إلا الإرادة فهذا يكفي )، وأنا أقول لك كمسلمة: لو لم يبق لك إلا نعمة الإيمان والعقل فاحمد الله عليهما فهو أجدر ألا تحقر نعمة الله عليك.

أدرك كذلك صعوبة اختلاطك بالمجتمع الذي تعيش فيه، وهذا ما يزيد كربك؛ فوجود الأصدقاء ضروري للتمتع بحياة خصبة، لكن ألا يمكنك توسيع دائرة معارفك لو حاولت أكثر؟ فمثلا صديقك الملتزم هذا يمكنك بواسطته أن تتعرف على إخوة وأصدقاء آخرين، سواء من أهل البلد أو غيرهم، ولا يصح وضع اللوم كله على الطرف الآخر قبل المحاولة.

وتكوين الصداقات نوع من المهارات وليس على هذا القدر من الصعوبة؛ إذ إن من القلب إلى القلب رسول كما يقال، وعندما تنثر بذور الحب في طريق الناس فلا بد أن تنمو الورود منهم باتجاهك، وعندما تحب الناس من حولك، فلا بد أن يشعروا بهذا الحب ويعاملوك بالمثل.

وهذا في الحقيقة عيب من عيوبنا نحن المسلمين عندما نزيد من شعورنا بالغربة بدل أن نحاول أن نندمج في المجتمع الذي نحن فيه، سواء كان مجتمعا مسلما أو غير مسلم، والسبب أننا ننظر دائما نظرة سلبية إلى ما حولنا، ونطلب غالبا من غيرنا أن يكون البادئ بالمعروف، بينما تجد الغربيين ورغم أنهم غير مسلمين يتأقلمون في أي مكان متخذين من القول (love it or leave it) طريقة للتعايش في أي مجتمع.

والمجتمع الذي تعيش فيه رغم أنه ذو تقاليد متشددة كما تقول، لكن عندما تقترب من أهله فستجد أن فيهم الطيب وفيهم الرديء كما في أي مجتمع آخر، وعندما تعذرهم لأن الإنسان ابن بيئته ولا يمكن أن يخرج منها إلا بتوفيق من الله وعونه فسوف تتقبلهم بكل مودة ولن تشعر بأي غربة. وأذكر لك قول الشافعي رضي الله عنه: (الانقباض عن الناس مكسبة لعداوتهم، والانبساط إليهم مجلبة لأصدقاء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط).

إذا وجدت في كلامي شيئا من المثالية، وكنت مصرا بالتالي على عزلتك، فاعلم أنك غير قادر على تقبل نفسك؛ لأنك لن تستطيع أن تحب من حولك وتتقبلهم بأخطائهم وعيوبهم إذا لم تحب نفسك وتتقبلها بعيوبها وأخطائها، وهنا يمكنك الاستفادة من عزلتك الاختيارية هذه لتطوير مهاراتك الروحية، ورغم أن الحرمان من الصداقة الحقة هو أسوأ أنواع العزلة، لكن الإنسان لا يستطيع أن يفتق فكره الشخصي أو يغير من نفسه إذا لم يلون حياته بشيء من الاعتكاف، وكم سمعنا عن أشخاص ليسوا أصحاب عقيدة دينية معترف بها، ومع ذلك فقد استفادوا كثيرا من عزلتهم الإجبارية كما حصل للبعض بعد سجنهم الانفرادي في معسكرات الاعتقال النازية، فكيف إذا كان المرء يحمل عقيدة مضيئة كعقيدتنا؟ أذكر أن مفكرين مسلمين ألّفوا أجمل كتبهم عندما كانوا في غياهب السجون، وهكذا الإنسان المؤمن يطوع الظروف لحياته، ولا يخضع حياته للظروف.

هذه الإفاضة في الشرح غايتها أن لا تختار وأنت خاضع لظروف ضاغطة قاهرة كالتي شعرت بها في رسالتك؛ ولذلك أنصحك أن تؤجل موضوع الزواج حتى تخرج من حالة الكآبة كي لا تكون السبب في سوء الاختيار أو الاستعجال، وبالتالي تظلم نفسك وتظلم من اخترتها؛ إذ إن قرارا حياتيا مثل قرار الزواج يجب أن يتخذه الإنسان وهو متحرر من أي ظرف ليكون بكامل وعيه دون أن يتشتت ذهنه هنا وهناك.

بالنسبة لطالبة الطب علي أن أوضح لك بعض الأمور:

  1. أولها موضوع اختلاف الجنسية؛ فأظن أن الزواج سوف يحتاج إلى وقت طويل لاستخراج الموافقة الحكومية إلا إذا تم تغيير في قوانين البلد الذي تقيم فيه، وهذا وارد.
  2. ثانيا: اختلاف البيئة والوضع المادي؛ فهي لا بد أنها قد اعتادت شيئا من الرفاهية في بيت أهلها الذي قد يصعب عليك أنت أن توفرها لها إلا إذا كانت مستعدة للتنازل وبشكل قد يكون دائما.
  3. ثالثا: هي طالبة في كلية الطب، وأنت تقول زميلتي، بينما تقول عن صديقك أنك تعرفت عليه من العمل، فربما تقصد أنك طبيب، وما يعنيني هنا تذكيرك بضرورة وجود شرط الكفاءة، أي تقارب المستوى الثقافي حتى لو لم تكن طبيبا.
  4. رابعا: موضوع تسلط أمها، فقد تقلب حياتك من سعادة إلى شقاء إذا لم يكن للابنة شخصيتها بحيث تمنع والدتها من التدخل في حياتكما. وهذا ما يجب عليك التأكد منه سواء بسؤالك أكثر من شخص، أو محاولتك للتقدم لطلب يدها وبذلك تتعرف على والدتها عن قرب.

خامسا: موافقة الأهل مهمة ورضاء الوالدين كذلك، لكن ليس حتميا إذا تزوجت هذه الفتاة أن تنسى قضيتك وأهلك، بل على العكس قد تتمكن من المساعدة المادية والمعنوية بشكل أفضل مما لو كنت معهم.

أما قريبتك، فيبدو أنك غير مقتنع بها كثيرا. ومع ذلك أبين لك الأمور التالية:

  1. أولا: كونها ليست جامعية لا يقدم ولا يؤخر كثيرا، فكم رأينا خريجي جامعات وخريجات لا يحسنون شيئا من فنون الحياة، والثقافة لم تكن يوما حكرا على أصحاب الشهادات.
  2. ثانيا: كون جمالها متوسط أفضل من أن تكون جميلة؛ فالجميلة محط الأنظار، وهذا قد يؤدي إلى غيرة الزوج أو تكبر الزوجة، ورغم أن الجمال مطلوب ولكنه صفة قد تزول والأهم منه جمال الأخلاق والروح.
  3. ثالثا: خطبتها ثم انفصالها عن خطيبها ليس حجر عثرة إذا لم تكن قد ارتبطت به عاطفيا، وهذا ما يصعب عليك التأكد منه خاصة وأنت في بلد وهي في آخر.
  4. رابعا: ما يشاع عن صلة أختها بشاب، فبما أن الكلام أتاك من شخص غير خلوق فتذكر الآية: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وهنا يمكنك أن تطلب من أهلك أن يسألوا عن الفتاة جيدا إذا قررت أن تتزوجها دون أن تذكر لهم القصة التي رواها هذا الشخص السيئ الخلق لك كي لا تساهم بطريقة غير مباشرة في الإساءة إلى شرف المسلمين وأعراضهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس).
  5. خامسا: كرأي شخصي لا أحبذ زواج الأقرباء أبدا لما رأيته خلال ممارستي من أمراض وراثية في الذرية نتيجة لذلك.

وكما نصحتك أن تخرج من حزنك، أنصحك أن تتمهل ولا تتعجل، ولربما ظهرت في حياتك من هي أفضل من كلتيهما، وعليك بالاستخارة في أمورك كلها، والاقتراب من الله سبحانه أفضل طريقة لاستثمار العزلة، فلا مفقود لمن وجده سبحانه ولا موجود لمن فقد، ومن كان الله معه كان معه كل شيء، وأعلمك هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتلم بها شعثي، وتبيض بها وجهي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء).

وفقك الله لأرشد أمرك، وهداك لما ينفعك، والسلام عليك.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

⇐ أجابتها: ليلي أحمد الأحدب

أضف تعليق

error: