صراع داخلي: هل أستسلم للزواج أم أواصل البحث عن الحب الحقيقي؟

صراع داخلي: هل أستسلم للزواج أم أواصل البحث عن الحب الحقيقي؟

«يوسف» يسأل: أنا شاب عمري 28 سنة، ومشكلتي أنني لا أستطيع اختيار شريكة العمر، أو ما تبقى منه، حيث إني لما رأيت من مشاكل في الزواج وعلاقات الزوجين؛ اعتدت التفكير في إعداد نفسي جيدا ماديًّا وعلميًّا قبل الإقدام على هذه الخطوة، وبدأت أساعد في مصروف البيت لفترة طويلة، وما زلت، وأجلت أي مشروع زواج حتى تستريح أمي من العمل؛ حيث إن أبي بخيل جدًّا، وأنا أعمل منذ ثماني سنوات، والتحقت بإحدى الكليات العلمية في الأعوام الستة الأخيرة من الثماني؛ وبذلك أعمل وأدرس في الوقت نفسه، وأشعر أن العائد أقل مما كنت آمل، كنت أتمنى أن تنتهي دراستي سريعا، ولكن كل عام كانت له ظروفه، ففي السنة الأولى دخلت متأخرًا لمدة شهر ونصف فرسبت وأعدت.

وفي السنة الثانية اخترت قسمًا لا أحبه بحجة أنه سهل وسوف يتوافق مع عملي؛ ولم أستطع إكمال العام لكراهيتي؛ فبقيت وحولت في العام التالي إلى القسم الذي أحبه غير أني للأسف اعتقدت أني أحب فتاة ما وهي قريبة لي وقامت الدنيا؛ لأني حدثتها في عملها، وأيقنت أني كنت مخطئا في ذلك؛ وذهبت أمي؛ لتعتذر عما بدر مني غير أنهم استعلوا على أمي، وكأنهم هم الأعلون في الأرض ونحن دون ذلك، فقضى ذلك علي، حيث شعرت أني تسببت في إحراج أمي، ولم أكن أعتقد أني هين إلى هذا الحد؛ فبقيت في سريري قرابة 3 أسابيع، وذلك قبل الامتحان بأيام قلائل فرسبت وأعدت.

وفي السنة الثالثة لم تكن لي حجة غير العمل؛ فذاكرت بجد غير أني رسبت أيضًا، علما بأن عملي يستمر لحوالي 8 ساعات يوميًّا، وفي خلال هذه الفترة قاربت على الانتهاء من تجهيز شقتي وبدأت البحث عن عروس غير أني كنت أستحيى أن أدخل بيتًا؛ حتى لا أسبب لأي فتاة أي أذى إذا لم يحدث نصيب، وبقيت هكذا لفترة طويلة حتى أقدمت على هذه الخطوة مرة فلم يحدث نصيب وخشيت من تكرار التجربة مرة أخرى إلى أن عرض أقاربي علي فتاة قريبة لأحدهم ملتزمة وذات خلق وجعلوها تأتى لبيتي وكأنها زيارة؛ لكي أراها وأعجبتني نسبيًّا، حيث إني أبحث عن الدين والخلق والجمال والحسب على الترتيب، غير أن الشروط لا تجتمع في واحدة!

آسف للإطالة.

تتلخص مشكلتي في نقطتين: أولاهما أن طول فترة الدراسة جعلتني يائسًا وأشعر أني في عنق الزجاجة منذ زمن، وتعبت من كثرة البلاء، فتارة أدعو ربي وأبكي وتارة أنغلق على نفسي وأصبح وحيدًا ولا أتصل بأي صاحب أو قريب وأشاهد صور الإنترنت الإباحية وأرجع للتوبة وهكذا، ثانيهما: أني كلما اقتربت من موضوع خطوبة ولتكن الأخيرة أشعر بغثيان عندما أجلس لأتعرف على الفتاة، أتغلب على هذا الإحساس بعد دقائق غير أن هذا الشعور يلازمني الآن، ففي البيت ينتظرون مني الموافقة، وأخبرتهم بالموافقة، وهم قلقون من قراري، ومعهم حق حيث إني أشعر بالزهد في كل شيء، وأشعر بأني جابهت في حياتي الكثير وأخشى من أن تواجهني مشاكل بسبب الزواج ويزيد عبئي أكثر، ولم أخبرهم بذلك لأني أحب أن أحتفظ بذلك لنفسي حتى أجد الحل في حيرتي، أنا تعودت أن أفعل كل شيء بنفسي لي ولهم وللغير حتى قراراتي من نفسي، ولكنها كثيرًا ما تتأخر؛ لأني أعلم أنه لن يساعدني أحد كما عودوني! فبرجاء المساعدة، لا تقل لي: اذهب لطبيب نفسي؛ فقد ذهبت لاثنين لمرات وعلى فترات وخلصوا إلى أني أحتاج إلى قوة تحمل وقوة عزيمة وإيمان، لا تقل لي: استحمل فقد تحملت الكثير.. حتى إن الناس يدعونني أحيانا بالباسم، ولا يعلم أحد ما في صدري، لله الأمر، وجزاكم الله خيرًا

الإجابـة

أخي الكريم: لعل النفس تشبه في تكوينها الفرقة الموسيقية، ودور الإنسان يكون مثل المايسترو الذي يقود هذه الفرقة؛ فيسمح لكل صوت أن ينطلق في وقته تمامًا دون تأخير أو تقديم، وبقدر محدد حتى لا يطغى صوت على بقية الآلات، ويبدو أن قيادة الفريق الموسيقي من أصعب المهام في الحياة، ومن شأن الفوضى في انطلاق الأصوات وتداخلها أن تجعل الحياة جحيمًا لا يطاق بدلاً من أن تجعلها معزوفة جميلة رغم ما تتضمنه أحيانًا من شجن هو طبيعي كجزء من اللحن.

انظر إلى حياتك يا أخي؛ لتجد هذه الأصوات المتعددة، مثل حياة كل إنسان، ستجد صوت الذات التي تطمح إلى الاستقرار، وتلبية شهوات الجسد، ورغبات الروح في الارتباط بالزوجة، وستجد صوت الطموح إلى التقدم الدراسي والعلمي، وستجد صوت الواجب تجاه الوالدة والأسرة، وستجد اضطرابات هنا وهناك في تنظيم إيقاع وتوقيت وشدة كل صوت، وتناغمه مع الأصوات الأخرى؛ ولذلك تشبه حياتك الموسيقى الصادرة عن فريق “غير مدرب” يملك كل عضو فيها آلة جيدة، ولكن المايسترو الحاذق مفتقد، إذن أنا أشير هنا إلى قيمة التناغم، وكنت قد تحدثت إلى أخ سابق تشبه مسيرته مسيرتك عما أسميته آنذاك التركيز والتوازن: التركيز في وضع برنامج عملي ومعقول لمسار كل جانب من الجوانب وتنفيذه، والتوازن بين الخطوط المختلفة.

وهذه نظرة عامة لمشكلتك، والحل المنشود أو الممكن لها دون أن نقول لك: اذهب لطبيب نفسي، أو تحمل هذه الفوضى التي تعيشها، ويعيشها الكثيرون منا بالمناسبة؛ لأن أحدًا لم يعلمنا كيف نفكر، أو نتعامل مع الحياة بشكل منهجي منظم، والذي لم يتعلم فن هندسة معمار الحياة تضطرب أبنيته مثل العشوائيات.

د. عمرو يُلقي ضوءًا أكبر على مسألة الزواج في حياتك، يقول لك: إن البعض يظن وهو مقدم على الزواج أنه مقدم على حادث كوني خطير يحاول أن يهرب منه أو يتجنبه أو يبتعد عنه قدر الإمكان ومع تسليمنا بخطورة قرار الزواج على حياة الإنسان وأهمية التراث فيه، فإن زيادة الأمر عن حده ينقلب إلى ضده كما يقول المصريون في أمثالهم الشعبية، إنك شاب تبلغ من العمر 28 عاماً قاربت على الانتهاء من تجهيز الشقة، وعرض عليك أقاربك فتاة قريبة ملتزمة وذات خلق وجاءت إلى بيتك حتى تراها وأعجبتك نسبيًا فماذا تريد بعد ذلك حتى تقدم على الزواج؟ لا شيء في الحقيقة إلا أن تتوكل على الله ﷻ، وعندك يقين بأنه هو الذي يدبر الحقيقة ويسيرها وليس نحن، إن تفكيرك في أن الزواج سوف يزيد مشاكلك تفكير غير صحيح، إن مشاكلك في الحقيقة نبعت من تأخرك في الزواج، وعدم نجاحك في حدوثه؛ حتى تشعر بنقلة نوعية في حياتك وتغير من إحساسك بالإحباط، وعدم الإنجاز، إن الزواج لكثير من الشباب يكون نقطة تحول في حياتهم إلى الاستقرار والانتظام، إن كثيرًا من أمورك ستجري في مسارات طبيعية عندما تقدم على هذه الخطوة، وإن كثيرًا من الاضطراب في المشاعر والأفكار يتلاشى مع الزواج، نعم إن هناك مسئوليات جديدة تضاف وأعباء كبيرة يتحملها الإنسان، ولكنها تمثل نقلة نوعية في بناء شخصيته ونموه النفسي، إن الإنسان الذي لم يمرّ بتجربة الزواج يظل هناك شيء ناقص في بنائه الشخصي لا يكتمل إلا بذلك، من أجل ذلك نرى أن التردد الذي ينتابك، وأنت مقدم على الزواج في مثل ظروفك هو نوع من الإفراط في التفكير لا يعالجه إلا الإقدام الحاسم مع التوكل على الله ودعائه أن يوفقك في اختيارك وفي حياتك ..وفي انتظار رسائلك.

⇐ وقدر ترغب أيضًا في مطالعة:

⇐ أجابوها: د. أحمد عبدالله & د. عمرو أبو خليل

أضف تعليق

error: