فتاة تابت عن ذنبها وتسعى لحياة جديدة: هل تطلب الطلاق أم تخفي سرها؟

فتاة تابت عن ذنبها وتسعى لحياة جديدة: هل تطلب الطلاق أم تخفي سرها؟

«أميرة» تسأل: قصتي كالآتي: أنا بنت لأب وأم يخافان الله، ولى أخ وحيد يكبرني بسنوات.

مشكلتي التي أوقعتني في كل ما أنا فيه هي أمي؛ حيث كانت قاسية جدا عليّ، لم تكن تحن علي، وكانت تفرق بيني وبين أخي. أما أبي فكان يغلق علينا الأبواب خوفا من الطامعين، حتى تعرفنا على صديقة لأمي كان زوجها زميلا لوالدي، وكان بين هذين الزوجين الكثير من المشاحنات، وكنا نحن دائما نتدخل للصلح بينهما حيث كان أبي أكبر سنا وأكثر حكمة حتى جاء اليوم الذي طُلقا فيه لاستحالة الحياة بينهما..

ومن هنا تبدأ مأساتي؛ حيث إننا لخوفنا على هذه الصديقة بدأت أنا أذهب إليها وأجلس معها طوال الوقت، ولم تكن تجلس بمفردها، ولكن كانت تجلس مع أخيها الذي بدأت أعتاد عليه من كثرة جلوسي معهما في بيتهما.

فلقد أردت أن أخفف عنها الصدمة، وبدأ هو يتقرب إلى قليلا قليلا ويكلمني بحنان وحب، وحيث إنني عديمة الخبرة ومحرومة من الحنان استجبت له بسهوله؛ فلقد كنت طعما سهلا جدا له، وحيث إنه متعود على أن يزني فلقد كانت له الخبرة لكي يوقعني في شباكه.

المهم بعد فترة ذهبت إلى أبي، وأخبرته بما حدث بيني وبين هذا الشاب، فانفعل أبي علي وأمي وأخي، ومن يومها لا أستطيع النوم.

أنا والحمد لله تبت عما فعلت، ولقد تم عقد قراني على هذا الشاب، ولكن المشكلة أنه يعاملني معاملة قاسية جدا، ولا يخاف الله ﷻ، وأنا أصبحت أخاف الله ﷻ، وأبغي أن أعيش حياة مليئة بالإيمان، ولكن لو اقترنت بهذا الشاب فلن أنجو منه أبدا، أعرف أنها غلطتي، ولكن الله يقبل التوبة.

وسؤالي هو: هل من الممكن أن أطلَّق من زوجي هذا -حيث إن الناس كلهم لا يعرفون أنه دخل بي.. كل الذي يعرفونه أنه تم عقد قراننا- وأتزوج من رجل آخر، وأخفي سري معي، والله تواب غفور؟

الإجابـة

الأخت الكريمة.. رسالتك حيرتني وشغلتني؛ لأنها تثير العديد من القضايا التي تنخر كالسوس في جذور مجتمعاتنا، وتحتاج منا لجهد شاق دائم ودؤوب لتغيرها حتى لا نأثم بسكوتنا عليها، ولأننا لا نملك إلا الكلمات فإننا ندعو الله أن يبث فيها القوة اللازمة على إحداث هذا التغيير:

* الأمر الأول هو تفضيل الأبناء الذكور على الإناث، وأعتقد أن هذا من بقايا الجاهلية الأولى التي كانت تدفن البنات أحياء، فجاء الإسلام وأعزنا الله به، ونهانا عن فعل الجاهلية المذموم هذا، ولكننا صرنا نفضل البنين على البنات، وكأننا انتهينا عن وأد البنات ماديا، ولكننا قمنا بوأدهن معنويا.

* الأمر الثاني هو إغلاق الأبواب على البنات، ونحن نتصور أننا نحميهن من الوقوع في براثن الخطيئة، بينما نترك الحبل على الغارب للفتيان؛ فلا حرج عليهم!! وهذا المفهوم شائع حتى بين أوساط المتدينين أو “الملتزمين” حتى إنني سمعت أن إحدى الأسر المتدينة لم تهتم عندما وجدت الكثير من الصور الفاضحة والمواقع الجنسية على الكمبيوتر على اعتبار أن الابن هو من يدخل لهذه المواقع، وأن هذا الأمر طبيعي بالنسبة للولد، ولكنهم ثاروا وانفعلوا بشدة عندما تبين لهم أن البنات هن من أدمن ارتياد هذه المواقع.

وأتساءل وكلى حسرة: كيف لنا أن نتمسك بتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان؟ وكيف نحول مفهوم العفة والشرف إلى مجرد غشاء يجب أن تحافظ عليه الفتاة فقط؛ فنغلق الأبواب دونها ؟ هل قصر الله حد الزنا على الزانية فقط دون الزاني، أم جعل العقوبة لكلا الطرفين؟ ما هو الصواب إذن؟ الصواب أن نعلم الأبناء (ذكورا كانوا أو إناثا) أمور دينهم، وأن نحسن تربيتهم، وأن نقوي فيهم معنى مراقبة الله -عز وجل-، وأن نعلمهم معنى الحرية المسئولة؛ لأن هذا هو الذي سيعصمهم من الوقوع في الزلل، وبعد ذلك نترك لهم الحرية ونحن نتابع ونوجه بدون فرض قيود أو بناء حواجز وسدود، وهذا بالطبع أفضل مما فعله معك أبواك؛ حيث غلقوا دونك الأبواب، وبعد ذلك ألقوا بك في البحر وأنت لا تعلمين فنون السباحة؛ فكنت صيدا سهلا لأول صياد ماهر.

* الأمر الثالث متعلق بك أنت؛ حيث لاحظت أنك -وأنت الفتاة الناضجة الراشدة وخريجة الجامعة- تُلقين وتتوجهين باللوم لكل من حولك إلا أنت؛ فظروف تنشئتك جعلتك فريسة سهلة، والصياد كان ماهرا في نسج شباكه حول الضحية، ولكن أين كنت أنت؟ هذه الأمور قد تكون مبررا لفتاة ساذجة لم تتعدَّ سنوات المراهقة، ولكنها أبدا لا تكون مبررا لفتاة ناضجة ومتعلمة مثلك؛ فلماذا لم تردعيه؟ ولماذا سمحت له أن يخلو بك أصلا؟ ولا أتصور طبعا أن ما حدث قد حدث في وجود أخته التي تواجدتِ معها بحجة الخوف عليها؟ ولماذا لم تنتهي عن زيارتها عندما وجدت منه هذه التصرفات الصبيانية؟

المبرر الوحيد أمامي أنك طربت لكلمات الغزل والحب الذي أغرقك فيه، فقدمت ما قدمت قربانا للحب. ومعذرة يا أختي فأنا والله لا أريد أن أقسو عليك بدافع القسوة، ولكن خوفي عليك -وعلى كل من هم مثلك- يجعلني أؤكد لك أن مسئوليتك كاملة عما حدث؛ لأن الإنسان الناضج هو من لا يسمح لظروف التنشئة أن توهنه أو تضعف من عزيمته، ولا يسمح لها أن تكون طرقات على رأسه تدفع به إلى الهاوية؛ ويبرر دائما لنفسه أن السبب في سقوطه ما أحاط به من ظروف؛ بل عليه أن يطوعها لتكون دافعا له إلى الأمام وإلى معالي الأمور.

وأرجو منك ألا تفهمي من كلامي هذا أنني أريد منك أن تجلدي نفسك كمدا وحنقا عليها. ولكن ما أردت أن أؤكد عليه أن البداية تكون بصدق الندم عما مضى، والعزم على عدم العودة له، والإكثار من استغفار المولى -عز وجل-؛ لأن هذا هو الإصلاح الحقيقي للخطأ؛ قفي بين يديه وأنت تعلمين أنك مسئولة عما حدث، ولا تحاولي تبرير خطئك، واسأليه العفو والغفران؛ فهو سبحانه غفار الذنوب جميعها، عليك أيضا أن تكفي عن التماس الأعذار لنفسك، وأن تنسي ظروف تنشئتك، وأن تعملي على إنضاج شخصيتك من كل الجوانب -وبخاصة الجوانب الاجتماعية- بكل الوسائل الممكنة، وقد يفيدك في هذا أن تداومي الاطلاع على المشاكل المعروضة على صفحتنا هذه وحلولها.

* الأمر الرابع، وهو اعتبار أن منتهى أمل كل فتاة -اغتصبها ذئب غادر أو غرر بها شاب مخادع- أن يحن عليها، وأن يتنازل، ويقبل الارتباط بها، وليفعل بها بعد ذلك ما يحلو له؛ فيقسو عليها، ويهينها، ويذيقها العذاب ألوانا.. هل كان الخطأ فرديا أم أنه يحمل من الإثم مثلما تحمل أو ربما أكثر؟ أفلا يتقي الله فيها وينوي بارتباطه بها توبة نصوحا؟ على المجتمعات أن تقنع بأن الوحدة قد تكون خيرا من جليس السوء هذا.

نأتي بعد ذلك للورطة التي وجدت نفسك فيها؛ حيث إنك أصبحت مضطرة للارتباط بهذا الشاب، كما وجد هو أيضا نفسه مجبرا على قبولك زوجة له؛ فكان ما كان من قسوته عليك؛ مما جعل نفورك منه يزداد، ودخلتم في دائرة مفرغة، وأصبحتم كالأقطاب المتنافرة، فجئت تستشيريننا في أمر تركه. وطبعا يمكن لك أن تمضي قدما في هذا الأمر، ولكن عليك أن تحسبي أمورك جيدا؛ فالعريس الجديد لا يقف منتظرا على الأبواب، فمن أدراك متى يأتي؟ فهل ستتحملين سنوات من الوحدة ؟

إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تحاولين أن تتقربي لزوجك هذا، وأن تعطيه مهلة لبعض الوقت، وأن تكفي عن إشعاره بنفورك منه ؟ حاولي أن تستعيدي بعضا من حبك له الذي جعلك تسلمين له نفسك راضية، اسأليه بهذا الحب أن يكف عن إيذائك، وأن يكف عن قسوته عليك.. أقيمي جسور الود بينكما لتنتشليه من مستنقع الخطيئة الذي اعتاد على الغوص فيه.. حدثيه عن حب الله واستشعار مراقبته وعن عظيم ثوابه للتائبين على ألا ترتدي ثياب الواعظين أو اللائمين.

افعلي هذا وأنت تتضرعين إلى الله أن ينعم عليه بالهداية، لتكون هدايته خيرًا لك من حمر النعم كما أخبرنا رسولنا الكريم، وعليك طبعا أن تؤجلي إتمام زواجك منه حتى تتبيني رد فعله على محاولاتك هذه، ويمكنك أيضا أن تستعيني عليه -إذا لم يستجِب- بوالديك ليضغطا عليه حتى يخفف من إيذائك.

أختي الحبيبة.. رجاء أخير أن تكوني على صلة دائمة بنا، وأن تعلمينا بالتطورات أولا بأول، وخصوصا إذا فشلت جهودك لإصلاحه حتى نتمكن من معاونتك، وأن نسدي لك النصح بناءً على ما استجد من تطورات في قصتك.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

أجابتها: سحر طلعت

أضف تعليق

error: