فتاة مثقفة تبحث عن شريك حياتها: هل يجب أن يكون أكثر تفوقًا؟

فتاة مثقفة تبحث عن شريك حياتها: هل يجب أن يكون أكثر تفوقًا؟

«سلمى» تسأل: أنا فتاة في الـ (25 من عمري)، أسكن في الغرب مع أسرتي معتزة بعروبتي وديني، محافظة عليه باطلاع واقتناع، حققت الكثير من طموحاتي العملية، وأعمل منذ بضع سنين في منصب ممتاز بعد تخرجي في سن صغيرة نسبيًّا، حياتي الاجتماعية جيدة، ولي من الأصدقاء والمعارف عدد لا بأس به، بالإضافة إلى أن لي نشاطات مع الجالية، أقود بعضها لإيماني بأهميتها في هذه البلاد….

يتقدم لي بين الحين والآخر من يريد الزواج، ولكني لم أقتنع بأحد، والأسباب متفاوتة، وإني لا أشجع تلميح أحد إذا لم يكن لدي قبول مبدئي ؛ لأني أكره أن أحرج الناس أو أضللهم، إن لي ثقافة تفوق أغلب أترابي، واهتماماتي تضم الشعر والأدب والفلسفة والسياسة والدين، وأعمل في مجال علمي، وأمارس الرياضة، وأتابع حتى الأسواق المالية والموسيقى والتلفاز، وأنا أجيد الحديث والنقاش في الموضوعات الجادة، وأيضا في الأمور الصغيرة، وأستمتع بالمزاح، وأحب الناس، وعواطفي قوية خاصة تجاه وطني وعائلتي.

أنا على قدر جيد جدا من الجمال، واهتمامي بالعلم والعمل لا يتنافى مع أنوثتي، ولست مغرورة في السر أو العلن. أنا أدرك تماما أن الله قد أنعم عليَّ، وأعطاني مواهب عديدة، وهذه نعمة ربي علي يهبها وينزعها حين يشاء، والحمد لله والشكر، وآتي إلى السؤال، وهو بخصوص ارتضائي لزوج المستقبل فقلما أجد من يفوقني في مجموعة من المجالات، والمجتمع يميل إلى أن يكون الزوج أكثر تفوقا ولو بقليل ؛ فيترسب هذا في النفس ولعلها الفطرة، ولا أخفي أني أتمنى أن أتزوج من أستطيع التعلم منه، أذكر هنا أن أبويَّ متعلمان وعاملان، إلا أن أبي أوسع ثقافة من أمي.

ما رأيكم في أهمية هذا الموضوع ؟ أي الثقافة المتميزة إذا توفر التكافؤ العلمي والاجتماعي، لقد حددت بعض الأولويات، وبالذات حددت السلبيات التي لا يمكنني التعايش معها بناء على نصيحتكم في هذه الصفحة، وأهمها:

إني لا أقبل سوء خلق أو استهانة بكبائر الذنوب أو تركا لأحد الأركان، ويهمني أن يكون الشكل مقبولا، ودرجة ذكاء جيدة…

هذا.. بشكل عام. وأما بشكل خاص فهناك شاب يبدي اهتماما بي، وهو على خلق عالٍ جدا، وصاحب دين، وهو جميل الشكل، متعلم، ولكن ثقافته عادية فلا يقرأ كثيرا، هل أعطيه أملا أم أقصيه؟

وأرجو النصح بشكل عام أيضا، ولكم الشكر.

الإجابـة

صديقتي: كم أنا فخورة بوجود فتاة مثلك بين فتيات الجالية المسلمة، فأنت -بفضل الله- تتمتعين بقدر كبير من عمق الوعي، وتكنين لنفسك درجة عالية من احترام الذات، وقد عبرت عن نفسك بوضوح تستحقين الشكر والثناء عليه…

وأكثر ما أعجبني في وصفك لنفسك جملتان:

  1. “إني لا أشجع تلميح أحد إذا لم يكن لدي قبول مبدئي؛ لأني أكره أن أحرج الناس أو أن أضللهم”.. هذه الجملة التي تدل على مدى صدقك مع نفسك، وبالتالي صدقك مع الآخرين.
  2. “إن الله أعطاني مواهب عديدة، وهذه نعمة ربي عليّ يهبها متى يشاء وينزعها حين يشاء”.. وهذه تدل على تبصر كبير بالنفس وقدرة على التفريق بين الثقة والغرور.

ولا أعتقد أن من كان عنده القدرة على تقييم نفسه بهذا الشكل الذي قيمت به نفسك، سيخطئ في تقييمه للآخرين أو سيطلق أحكامه جزافا عليهم؛ لأن من عرف قدر نفسه عرف قدر غيره.

أنا معك في فكرة عدم ارتباطك بشخص تعتقدين أنه أقل منك؛ لأن التكافؤ شرط من شروط الزواج، ومعك أيضا أن المرأة غالبا ما تحب أن يكون زوجها أفضل منها، وتحب أن تتعلم منه أكثر مما يتعلم منها، لكن ذلك لا ينفي أن الزواج الناجح هو تبادل للخبرات، واكتساب لخبرات جديدة معا.

أما سؤالك عن موضوع الثقافة المتميزة إن كان عائقا أمام نجاح الزواج أم لا؟ فاعتقادي أن ذلك متوقف على المفاهيم التي نشأ عليها كل من الزوجين، فأكثر الرجال يشعرون بالنقص حيال تفوق زوجاتهم العلمي أو الأدبي، كما أن الكثيرات من النساء يحسبن أنهن يستطعن الاستغناء عن الرجال إذا تفوقن عليهم معنويا أو ماديا، ولكل قاعدة استثناء بالطبع.

ما أحب أن أوضحه لك هو أن الثقافة لا تُكتسب فقط من الكتب والتعليم بل تُكتسب من الخبرة والتجارب، وأبسط مثال هو ما تلاحظينه من الفرق بين معلوماتك قبل التخرج وبين خبرتك المكتسبة بعده، فما تعلمته أثناء ممارستك لتخصصك ومن تجاربك الشخصية في عملك يفوق بأثره ما تعلمته من الكتب، وهكذا كل ما نتعلمه في مدرسة الحياة؛ لأن الثقافة ليست فقط علما يدرس بل هي الوعي في التعامل مع الناس والفن في ممارسة الحياة، وإذا كان للاستعداد الوراثي والعامل البيئي دور كبير فيها، فإن للتجارب الدور الأكبر؛ لأنها وحدها هي التي تصقل شخصية الإنسان وتجعله متميزا عن غيره، وبالأخص عن أبويه ليضيف إلى الحياة التنوع المطلوب لإغنائها….

وأذكر قولا ينسب إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عندما سئل: متى يكمل عقل المرء؟ قال: “في السابعة والعشرين إلا التجارب”. إضافة إلى أنه من الصعب أن يرث الأبناء خبرات الآباء الحياتية؛ فالحكمة لا تُنقل نقلا، إنما هي هبة من الله ونعمة “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِي خَيْرا كَثِيرا”.

ما أريد أن أقوله: إنه علينا ألا نستهين بأحد ولو لم يكن في مستوانا العلمي واطلاعنا الفكري؛ فلعل تجاربه منحته بُعد النظر والقدرة على تخطي كثير من العقبات، وما أكثرها بعد الزواج، وإذا كنتِ ترين في نفسك التفوق في مجالات كثيرة فلعلك تلتقين بالشخص الذي يفوقك في مجالات كثيرة أخرى، وإن كنتُ لا أنصحك أن تبحثي عمن يفوقك بل عمن يكملك أو من تتقبلينه بعيوبه، ومن منا بلا عيوب؟!

ورغم تقديري لما ذكرته عن هواياتك ونشاطاتك واستغلالك لوقتك كاملا، فإنني أصارحك –ولا أريدك أن تشعري بأي إحباط مما أقول– لن تبقى حياتك ملكا لك وحدك بعد الزواج، بل سيكون لديك زوج يجب عليك الاهتمام به، وملاطفته وإظهار الود له، وقد تجدين نفسك بعد تسعة أشهر من الزواج تحملين بين يديك كائنا حيا جديدا، يحتاجك أنت أكثر مما يحتاجك أي شخص آخر، لا بد من تغذيته وتدفئته وتغيير”حفاضاته” وملابسه، ولا بد في النهاية من تنشئته وتعليمه وتربيته، ومهما استعنت بأحد لمساعدتك فإن مهمتك الأولى والأخيرة هي الأمومة، وما أقدسها من مهمة! وما أجملها رغم عنائها! فالمرأة خلقت لتكون أما قبل أن تكون أي شيء آخر. وإن إحدى خطوات المرء المهمة نحو الكمال الإنساني أن يلتحم بشخص آخر عن طريق رباط الزواج المقدس، ثم أن يرتقي بمدارج هذا الكمال عندما يبذل نفسه لتحيا نفس جديدة أخرى.

بالنسبة لهذا الشاب الذي يبدو من كلامك أنك تتقبلينه نوعا ما، وإلا لما كنت وثقت بنا وكتبت تسأليننا النصح، فقد ذكرت عيبا واحدا له أمام ميزات كثيرة من خلق ودين وجمال وعلم، وهذا العيب الذي ذكرته ليس عيبا في التكوين بقدر ما هو عيب في التعود، والتخلي عن العادة أسهل بكثير من التخلي عن الطبع، ولربما أمكنه تكوين عادة جديدة بالنسبة له وهي القراءة والمطالعة، ولكن صارحي نفسك إن كانت حسناته تغفر له تلك السيئة عندك فيما لو لم يكن مستعدا للتغيير، وأنت التي ستقررين وستتحملين مسؤولية قرارك، ثم إنك ذكرت لنا كل حسناتك، ولكن بينك وبين نفسك ألا يوجد لك عيوب؟ كذلك تبصري بنفسك أكثر، وصارحي نفسك بالجواب.

طبعا لا بد من التكافؤ العائلي؛ لأن الزواج صلة بين عائلتين، خاصة أنك ممن يحمل عاطفة كبيرة لعائلته، وكذلك التكافؤ المادي؛ لأننا بشر خلقنا الله من حفنة تراب، وإن كان –سبحانه- قد رفعنا بنفحة الروح.

الشيء الأهم الذي نسيته، أو لعلك تناسيته هو عواطفك تجاهه؛ إذ لا يتفق أن من كانت هواياته في الشعر والموسيقى أن ينسى أهمية الحب في إنجاح الزواج، فهل تجدين في نفسك شعورا مختلفا تجاهه؟ يا صديقتي كما تعطين العقل حقه الكامل في التفكير امنحي قلبك حقه أيضا لتري إن كان يحمل شيئا من المودة لهذا الشخص، وأنت تعيشين في بلد منفتح إضافة إلى أنك واعية عقلا ودينا، ولا مانع حتى من الخطبة إذا كانت هي الطريق الأفضل لمعرفته جيدا، وهي ليست عقدا ملزما، ولكنها خطوة تمهيدية للزواج الذي قد يتم وقد لا يتم، وأذكرك بأن الخيار الأفضل في الزواج هو مزيج من الرومانسية والواقعية….

وازني دائما بين العقل والقلب ورحم الله القائل: “ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف”، شكرا لك على ثقتك ووفقك الله في اختيارك.

⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:

⇐ أجابتها: ليلي أحمد الأحدب

أضف تعليق

error: