حب في رحلة الإيمان: كيف أوازن بين مشاعري والتزمتي الديني؟

حب في رحلة الإيمان: كيف أوازن بين مشاعري والتزمتي الديني؟

«محمود» يسأل: أنا شاب في العشرين من عمري، وطالب في إحدى الكليات العملية المرموقة، أحاول كل جهدي الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، نشأت في أسرة ملتزمة جدَّا، وكل أصدقائي والحمد لله من الملتزمين والدعاة، وقضيت عدة سنوات من حياتي في إحدى الدول العربية المحافظة، وكل ذلك طيب.

ولكن المشكلة أنني في العام الدراسي السابق أحسست بشعور غريب لإحدى زميلاتي في الكلية، وهي من المتدينات في الدفعة، وأحسست في البداية أنه شعور طارئ سيزول قريبا، وانتهى العام الدراسي وبدأت الإجازة وانتهت، ولا أكتمكم سرا أنني فكرت في هذه الفتاة في الإجازة، ولكنني كنت أجاهد نفسي بشدة لأطرد هذا التفكير.. وبدأ العام الدراسي الجديد وأحسست أنني أفكر فيها بشدة، وبصراحة حاولت البحث عنها بعيني، بل وأحسست منها شيئا نحوي، وسؤالي يتركز في عدة نقاط:

أولا: هل هذا حب حقيقي يصلح أن يكون أساسا لتكوين أسرة مسلمة، أم هو حب مراهقين ستزول أعراضه؟

ثانيا: إن كان حبا حقيقيا مشروعا؛ فأنا وبصراحة أريد أن أخطو خطوة الخطبة، ولكن كيف أفاتح أهلي في ذلك؟ فأبي يعتبر الكلام في هذه المواضيع هو الضياع ذاته!.

وأقول لكم مثالا بأنه في بداية مرحلة بلوغي كان أبي يرفض بشدة الكلام في صفات المرحلة ومتطلباتها، مثل قواعد الطهارة، ولم يكن لي ملجأ (من بعد الله) إلا إخواني في المسجد يعلمونني ويدرسون لي فجزاهم الله خيرا، فكيف سأواجه أبا بهذا الشكل بموضوع كهذا؟.. ربما ستنصحونني باللجوء إلى أحد الأقارب، ولكن البيت يحكمه شعار أبي “مواضيع البيت لا تخرج عن نطاق البيت”.

ثالثا: وهي نقطة مهمة وتتعلق بالفتاة ذاتها، فأنا عرفت عنها منطقة سكنها تقريبا ومستواها الاجتماعي والمادي وهما مرضيان، ولكني أريد أن أعلمها بما أشعر وأتأكد من شعورها نحوي، وأريد أن أعرف أكثر، فكيف ذلك؟ خاصة أني ذلك الشاب الملتزم الذي يقرأ القرآن كل يوم في المدرج، ويُذِّكر الطلبة بالله وكم قلت للطلبة: إن الاختلاط بين الشبان والشابات حرام لا يرضاه الله، فكيف أمارس اليوم اختلاطا منضبطا يحفظ عليَّ وعلى الفتاة ديننا والسمعة الحسنة بين الطلبة من جهة وبين إخواننا من جهة أخرى.. الآن أنتظر إجابتكم.

الإجابـة

الأخ الكريم مرحبا بك صديقا لنا.

أولا ربما لا يكون من الدقة أن نقسم الحب إلى نوعين: حب حقيقي، وحب مراهقين، ولكن الأفضل تقسيمه بشكل آخر وهو حب تساعده الظروف، ويحافظ عليه صاحبه، وحب تعارضه الظروف أو يقتله صاحبه.

بمعنى أن الحب مثل النبات إذا زرع في أرض طيبة وإذا تعهده صاحبه فإنه يكبر وينمو، وإذا كانت الأرض مالحة أو كان صاحبه غير ناضج فإنه يُقتَل ويموت.

وكم سمعنا عن قصص من الحب الهادئ التقليدي البسيط الذي كبر ونما، وكم سمعنا عن قصص حب حقيقي وقوي ولكنه مات ودفن، الأساس إذن هو الظروف أو العوامل الأخرى مع قدرتك أنت على المحافظة على حبك.

بالنسبة للظروف إذا كان هناك تقارب في المستوى الخلقي والاجتماعي والنفسي الذي لا يمكن تحديده إلا بعد لقاء أو أكثر ولا يكفي فيه النظرات عن بعد، إذا كان هذا متوافرا فهذه نقطة لصالحك، تشير إلى أن هذا النبات الوليد سينشأ في بيئة مناسبة تجعله ينمو وينضج، وهذا ما نشير إليه دائما بقولنا جناح العقل الذي لا يغني عنه جناح العاطفة.

بالنسبة لك أنت، هل أنت قادر على المحافظة على هذا الحب؟ هل تستطيع أن تفتح بيتا وتكون مسئولا عن امرأة في حياتك؛ فتلبي لها طلباتها المادية والنفسية، وهذا ما أشار إليه الرسول ﷺ بكلمة “الباءة”؛ حيث قال: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج”.

إذا كان العنصران السابقان في صالحك، وهما جناح العقل والباءة؛ فهذا الحب الوليد سيكتب له الحياة بإذن الله، أما إذا لم يتوافرا فلا ننصحك بالإقدام.

ثانيا: كيف تفاتح أهلك في الموضوع؟

ليست المشكلة هي كيف تفاتحهم، ولكن المهم أن تمتلك العنصرين السابقين فيصبح لديك تصور واضح عن مستقبل علاقتك بالفتاة، كيف ستستعد ماديا للزواج. ومن أين ستنفق عليها بعد الزواج، وهل يوجد مسكن مناسب.

إذا كان لديك عرض محدود منطقي تقدمه لأبيك، فإن الرجل لن يرفض، وإذا رفض فإنك ستستطيع الضغط عليه بوسائل مختلفة كثيرة جدا؛ فأنت رجل ولست طفلا.

ولكن هل فعلا لديك تصور محدد تقدمه لأبيك، أم أنك ستقول للرجل: أريد هذه كما لو كنت تطلب قطعة من الحلوى.. هذا زواج، مشروع ضخم وليس نزهة.

المشكلة إذن ليست في كيفية طرح الموضوع، وإنما في وجود تصور واضح ومنطقي تطرحه لكي يحترمه الآخرون.

ثالثا: الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامك الآن للتعرف على الفتاة هي دخول البيت من بابه بعد موافقة مبدئية من أهلك وأهلها، والسبب ليس لأنك تتحرج أن تحدثها بين زملائك فيخالف قولك فعلك، ولكن السبب شيء آخر، وهو ما الداعي أن تكلم البنت فيتعلق قلبها بك ويزداد تعلقك أنت بها، ثم يأتي الرفض من الأهل مع عدم وضوح تصور لمستقبلك معها، فيصبح الفراق صعبا والجرح عميقا.

الأخ الكريم، لديَّ تعليق أخير ربما لا يتعلق بصلب الموضوع، وهو أنك كم ذكرت تقول لطلبة: “إن الاختلاط بين الشبان والشابات حرام” الجملة الصحيحة هي: “إن الاختلاط في الإسلام حلال، ولكن له ضوابط، وهذه الضوابط تزداد في سن الشباب؛ حيث الجوع العاطفي الشديد مع قلة الخبرة وهو ما يجعل الانفصال بينهما في التعامل أفضل، مع وجود هامش ضئيل من التعاون، وفق الضوابط المحددة”..

⇐ ويمكنك الاطلاع على استشارات سابقة.. منها:

⇐ أجابتها: فيروز عمر

وأخيرا نتمنى لك حياة سعيدة بإذن الله.

أضف تعليق

error: