خطبة عن محبة الله لعباده – مكتوبة

خطبة عن محبة الله لعباده , خطب مكتوبة

عناصر الخطبة

  • الله ﷻ هو الخالق الكريم الذي خلقنا في أحسن تقويم وأكرمنا بنعم لا تعد ولا تحصى وهو دليل على محبة الله ﷻ لعباده وتكريمه لهم.
  • بمحبة الله ﷻ نرتقي الدرجات العلى لأنه سبحانه يحب التوابين والمتطهرين والمتقين والمحسنين والمتوكلين، بمعنى أن محبته ﷻ تجعلنا نتصف بكل الصفات الحميدة الكريمة.
  • من علامات محبة الله ﷻ محبة لقائه والاستعداد لهذا اللقاء بالطاعات المتتابعات بالأقوال والأفعال وجميع الأحوال.
  • من أسباب تحقيق محبة الله ﷻ محبة رسوله ﷺ واتباع نهجه وسنته والاقتداء به في كل شؤون حياتنا.
  • المواظبة على دعاء يونس عليه السلام ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، حتى ننال رضى الله ﷻ ومحبته.

الخطبة الأولى

محبةُ اللهِ ﷻ هي الغاية القصوى التي يسعى إليها كلّ مؤمن، فهي التي تبعث في القلب الطمأنينة وتعين على تحقيق العبودية لله ﷻ ومحبة الله ﷻ لعباده المؤمنين حُقَّ لهم أن يفتخروا بها، قال ﷻ: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ المائدة:54، ذلك أن الله ﷻ اذا أحب عبداً من عباده قرّبه، وأمر الملائكة بحبه، ثم يضعُ له القَبول في الأرض، ففي الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ» ← متفق عليه.

ومن رحمة الله ﷻ ولطفه بعباده، أنَّ بيّنَ لهم المظاهرَ الدالّةَ على محبّتهِ ﷻ لهم، وجعل لها علامات ليتلمس المؤمن مدى رحمة الله ﷻ به، وليعلم بعظيم منزلته عند الله ﷻ، فمن ذلك أن الله ﷻ أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام تكريماً له ولذريتِهِ من بعدِهِ، قال ﷻ: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُون، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين﴾ [الحِجر: 28-29].

ثم اصطفى الله ﷻ آدم عليه السلام وجعله خليفة له في الأرض وسخّر جميعَ ما في الكونِ للإنسان، ليكونَ عونًا له على طاعتِهِ وهَجْر معصيتِهِ، يقول ﷻ: ﴿اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَار، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار، وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار﴾ [إبراهيم: 32-34].

ومِنْ أعظمِ المظاهر الدالةِ على محبّةِ اللِه لأوليائه المؤمنين؛ تأييده ﷻ ونصرته لهم، وهي رتبة لا ينالُها من العباد إلا مَنْ تفضَّلَ اللهُ عليه بهذا الفضل العظيم، وهي خاصة بمن يُحبّهم ﷻ، ففي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» ← صحيح البخاري.

قال ابن رجب رحمه الله ﷻ: “فمن أحبّه الله، رزقه محبته وطاعته، والاشتغال بذكره وخدمته، فأوجب له ذلك القُرب منه، والزُّلفى لديه، والحظوة عنده”.

ولما كانَتْ محبةُ الله لعبادِهِ غايةَ الامنيات التي يتمناها كل مؤمن ويسعى إليها، فقد أرشدنا ربّنا إلى سُبل تحصيل هذه المحبة وأسبابها، وهذه الأسباب ميسرة لكل عبدٍ من عباده، إِنْ صدَقَ اللهَ في سعيِهِ، وشمّر عن ساعد الجِدّ، وبذل وِسْعه في تحصيل محبة الله له، وضابط هذا:

أن يتحلى العبد بالفضائل وأن يتخلى عن الرذائل، فالإحسان مثلاً صفة من صفات الفضائل التي يحبها الله ﷻ ويقرب أصحابها ويرفع منزلتهم، قال ﷻ: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾ [البقرة: 195]، فالإحسان منزلة رفيعة، يبلغها المؤمن بالصبر والمصابرة، وهي استشعار مراقبة الله ﷻ وتحقيق مرتبة أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، ومنها صفة التقوى قال ﷻ: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين﴾ [التوبة: 4].

والتقوى هي مخالفة الهَوى، ومحبة المولَى، وهي الهادية للعبد ليمتثِلَ بما أُمِر، ويمتنعَ عما نُهِيَ عنه، فالمتقون يجعلون بينهم وبين محارمِ اللهِ وقايةً، يتقونَ بها مزالقَ الشهواتِ والشُّبهات. وهذا يحتاج الى التوبة والتطهير قال ﷻ: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين﴾ [البقرة: 222]، يحبُّ التَّوابين الذين يسارعون بالتوبة والإنابة إلى الله ويداومون عليها، لا سيما إن زلّت أقدامُهُم في أوحالِ المعاصي، كما يحب الله المتطهرين من الأحداث والأنجاس، والمتنزّهين عن الآثام والرذائل؛ وهذا يحتاج الى ان يتحلى العبد بالصبر قال ﷻ: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين﴾ [آل عمران: 146].

فما أجمل الصبر وأعظمه إذا شمِلَ جميعَ نواحي الحياة! صبرٌ على المأمور من الطاعات، وصبرٌ على المحظور من المحرمات، وصبرٌ على المقدور من المصائب والابتلاءات، فكُنْ من الصابرين، تنعَمْ بمحبّة رب العالمين، والصبرُ يقود إلى منقبة أخرى تستجلب محبّة الله، ألا وهي التوكّل عليه ﷻ، والثقة واليقين برحمته؛ وأنَّه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، كما قال ﷻ: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾ آل عمران: 159.

ومن أسباب نيل محبة الله ﷻ: تعظيم النبي ﷺ والاقتداء به، فهذا النبيُّ الكريمُ ﷺ المحبُّ لأمتِهِ، الحريصُ على هدايتِهم ونجاتِهم في الدنيا والآخرة؛ تركهم على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغُ عنها إلا هالك، لذلك أمرنا اللهُ ﷻ باتباع نبيِّه، والتأسِّي به، وجعل هذا الاتباع سببًا لتحصيلِ محبّةِ اللهِ للعبد. قال ﷻ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾ آل عمران: 31.

ومن الأسباب الموجبة لمحبة الله ﷻ: الإكثارُ من النوافل، والمحافظة على أداء الفرائض، فمن أتى بالفرائض نجا بها من عذابِ النار، وفاز بنعيم الجنّة، ومن أكثر من النوافلِ من صلاةٍ وصدقةٍ، وصيامٍ، وذكرٍ وغيرها، نالَ بذلك محبة الله ﷻ، يقول النبي ﷺ في الحديث القدسي الذي يرويهِ عن ربّه ﷻ، أنَّه قال: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» ← صحيح البخاري.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

إن في الإخلاص خلاصاً من كل ما يصيبنا والمخلصون الصادقون المخبتون هم الذين يستحقون الدرجات عند ربهم ، وعمادُ هذهِ المحبةِ هو العملِ الصالحِ على أحسنِ وجهٍ مع إخلاص النية لله ﷻ وحده، والحذر من التسويف وطول الأمل، وأن ندعو الله ﷻ الثبات في القول والعمل، قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» ← المعجم الكبير للطبراني.

ومن محبة الله ﷻ الإكثار من الاستغفار وليكن دعاء سيدنا يونس عليه السلام الذي نال به محبة الله ﷻ ورضاه، وبدوامه على ذكره، فقال الله ﷻ حكاية عنه: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء: 87، فكانت النتيجة النجاة والمغفرة والرضوان من الله ﷻ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 88.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: