خطبة عن المحبة والوئام.. مقصد من مقاصد الإسلام – مكتوبة

خطبة عن المحبة والوئام.. مقصد من مقاصد الإسلام – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • لقد كرّمَ اللهُ ﷻ رسلَه عليهم الصلاة والسلام من سيدنا آدم أبي البشر حتى خاتم النبيين سيدنا محمد ﷺ، فكلهم أخوة في دين الإسلام على الرغم من تنوع شرائعهم.
  • نال بنو آدم التكريم من ربهم؛ لأن أباهم آدم عليه السلام (ولقد كرمنا بني آدم)، ومن تكريمه سبحانه لهم أن الإنسانَ في أحسن تقويم ليعرف ربه فيستقيم (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه).
  • رضي الله ﷻ لنا الإسلام ديناً، لأنه دين الرحمة والأمن والأمان لكل من آمن به أو احترم أتباعه من المسلمين، ونظر إليهم بعين التكريم والمحبة والوئام بعيداً عن الكراهية والإقصاء في المجتمع؛ لأن دعوة الإسلام قائمة على اللطف ونبذ العنف.
  • الدعاء زاد السالكين، وغذاء العارفين، ودعاء سيدنا يونس عليه السلام فيه شفاء للعليل من ران الذنوب على القلوب، فلنجعله وِرْداً لنا في الصباح والمساء، وتلهج ألسنتنا بـ (لا إله إلاّ انت سبحانك إني كنت من الظالمين).

الخطبة الأولى

لقد كرّمَ اللهُ ﷻ رسلَه عليهم الصلاة والسلام من سيدنا آدم أبي البشر حتى خاتم النبيين سيدنا محمد ﷺ، فكلهم أخوة في دين الإسلام على الرغم من تنوع شرائعهم، وقد خلق الله ﷻ الانسان وكرمه باعتبار انسانيته، فقال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء: 70، فكان لزاماً أن يؤدي بنو آدم شكر هذا التكريم بأن يكرموا بعضهم بعضاً كما كرمهم الله ﷻ بسبب أبيهم آدم عليه السلام، وبذلك يسود هذا العالم روح المحبة والإخاء والتعاون بين الناس، فقد خلقهم الله ﷻ، وأمرهم ببثّ هذه الروح الطيبة بينهم، فقال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات: 13.

لقد خاطبهم ربهم سبحانه بلفظ (الناس) ليجمع تحت هذا النداء مختلف الأجناس، وكان منهج الرسل عليهم السلام في دعوتهم للمخالفين استعمال الأخوة في المخاطبة لترتاح النفوس، وتقبل دعوة الله ﷻ، فقال ﷻ: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ الشعراء: 106، وقال ﷻ: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ الشعراء: 124، وقال ﷻ: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ الشعراء: 142، وقال ﷻ: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ الشعراء: 161.

إن كلمة أخ ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم مائة مرة، مما يدل على تقدير هذه الأخوة في نظر القرآن، لما لها من أثر إيجابي في الدعوة؛ لأن الإسلام جاء لعمارة الأرض وبناء الحضارات ليعم الخير في المعمورة، وقد ختم دعوة الأنبياء بخاتم النبيين رسولنا العظيم ﷺ الذي جاء رحمة للعالمين، فقال ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء:107.

وصدق القائل: “ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين” لأنهم أتباع الرحمة المهداة للعالمين، والعالمون هم كل ما سوى الله ﷻ، فيدخل فيه عالم الأنس وعالم الجن، وعالم الحيوانات، وعالم النباتات، وكل مخلوق في الوجود، فكان رسول الله ﷺ هو الرحمة لكل الموجودات.

إنَّ الإنسان في الإسلام مكرّم دون النظر إلى عرقه أو أصله أو دينه يقول الإمام علي رضي الله عنه: “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظيرك في الخلق”، وقد أطلقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بوضوح وصراحة في وجه من يحاول الاعتداء على كرامة الإنسان والمواطن على اختلاف ديانته أو ثقافته أو منهجه بقوله: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”.

إنّ الأخوة الإيمانية تدعو إلى التعاون والتآلف بين المؤمنين لبناء مجتمعهم، والأخوة الإنسانية تدعو إلى التعاون والتآلف بين بني البشر لبناء المجتمع الإنساني القائم على الحق والعدل لإنقاذ البشرية من مهاوي التردي والضياع وظلم الإنسان لأخيه الإنسان وهو أبشع ما تعاني منه المجتمعات الإنسانية اليوم.

فالمطلوب من البشر الالتقاء على أساس من الوئام والمحبة والتعاون ومهما اختلفت لغاتهم وأعراقهم وأديانهم فإنّ أصل الإنسان واحد، وينبّهنا الله ﷻ على وحدة الأصل والمنشأ للبشر جميعا بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ النساء: 1.

ويؤكّد رسول الله ﷺ هذه الحقيقة بقوله: «يا أيها الناسُ، إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى» ← رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح.

ولا بدّ للمسلم أن يتعامل مع هذه الحقيقة معاملة التكريم والاحترام للناس جميعاً باعتبارهم مخلوقين من أصل واحد مُكرم عند الله ﷻ.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

إنَّ سيرة نبينا وسيّدنا محمد ﷺ العطرة قد عطّرت الآفاق بنماذج من الرحمة المهداة مع البشر، فقد شملت رحمة النبي ﷺ ودعوته جميع أفراد المجتمع في وثيقته ﷺ لأهل المدينة المنورة التي تعدّ أصلاً من أصول الرحمة في الوجود، وقد تألقت رحمته ﷺ مع كفار قريش الذين ظفر النبي ﷺ بالنصر عليهم عند فتح مكة المكرمة، فلمّا دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا منتصرًا قال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ».

إنَّ الإسلام قد وضع الضوابط الشرعية في التعامل مع الناس كافة ليميز أصحاب المحبة والوئام، من أصحاب البغض والخصام، قال ﷻ: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة: 8.

راجين من الله العلي القدير ان تسود المحبة والمودة بيننا في هذا البلد المرابط.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: