خطبة عزاء مكتوبة – محتوى مؤثر وكلمات بليغة

خطبة عزاء مكتوبة

مُقدمة مؤثّرة

الحمد لله الذي علِم ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو أراد أن يطيعوه جميعا لأطاعوه. سَل أم موسى لما خافت على ولدها أن يأخذوه، فقال الله ﴿لا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إنّا رادُّوهُ﴾، لكن بعد أن يأخذه جنود فرعون ويحملوه، وينفقوا عليه من ماله ويطعموه. ولو علموا حقيقة الأمر ما فعلوه. فسبحان من لا يعلم الغيب إلا هو.

وسَل إخوة يوسف لما أخذوه وفي البئر ألقوه، وقالوا أكله الذئب وقال الذئب هم قتلوه، وحمله السيارة وبخُبثٍ منهم باعوه، فعاش شريفا عفيفا وبالفاحشة طالبوه، فقال ربِّ السجن أحب إلى مما يطلبوه، وبرغم براءته سجنوه، فأحوجهم الله إليه فمن السجن أخرجوه، وبأيديهم على كُرسيّ العرش وضعوه، وجاء إخوته وأمه وأبوه؛ فقلَّب بصره في مُلكه فقال هذا كله من فضل ربي فوحّدوه.

وأشهد أن لا إله إلا الله، صاحب العزة القائمة، والمملكة الدائمة، ينادي على الدنيا بعد انتهاء الدنيا، ينادي على الناس بعد موت الناس، يا دنيا، أين عُمَّارك؟ أين أشجارك؟ أين أنهارك؟ أين الذين أكلوا خيري وعبدوا غيري؟ ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ فلا أنيس ولا مجيب، فالكل تحت أطباق الثرى.

فهذه الشمس قد كورت، وهذه النجوم تناثرت، وهذه السماء تشققت، وهذه الأرض تبدَّلت. فيجيب الله بنفسه على نفسه ﴿الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.

يا فاعِل الخير إن الخير مُدَّخرٌ
لا تقصرن فإن المجزي الله

ويا فاعل الشر إن الشر مُنتكَس
لا تبغين فإن القاهر الله

الله أعطاك دنيا، لا لمضيعةٍ
لا تلهونّ فإن السائل الله

الله أعطاك مالا، لا لتكنِزه
لا تبخلنّ فإن المُخلف الله

الله أعطاك جاها، لا لتعديةٍ
لا تظلمن فإن القادر الله

هلّا تذكرت يوما، فيه محكمةٌ
تدعى إليها وأن الحاكم الله

وانظر؛ فكم توَّجت دنياك من دولٍ
زالت بمُلاكها وكان المالك الله.

واشهد أن محمدا عبده ورسوله، الله أرسله، في نون بشَّره، والملك خيَّره، لما دعا ولقي. جاء بالتحريم والحِل أمته، وفي الطلاق من الدنيا لمنطلق، وفي التغابن تجار به ربحوا، إذ المنافقون في خُسر وفي نفق. يا صاحب الجمعة الغراء يا أملي، في الصف عند امتحاني أخاف من خطأي، وأنت في الحشر عوني في مجادلتي، عسى أن تزيل حديد النَّار من عنقي، وعند واقعةٍ قد كان بي خطأ فاشفع لي عند ربك الرحمن خطئي، الله أعطاك دون الرَّسل قاطبة فقال اشفع فلن أرد شفاعة أكرم الخلق.

اللهم صل وسلم وبارك عليك سيدي يا رسول الله.

محتوى الخطبة

ثم أما بعد أيها الأحباب، حقيقة استمعنا إلى تلاوة هزَّت القلوب والأجساد، فكم رأيتُ رجلا مع التلاوة يُحرك شفتاه، اسأل الله للقارئ جمالا في صوته وحُسنا في الأداء.

بدأت التلاوة بآية، اسمع معي ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ﴾ هل لي أن أسألك سؤال: أوقامت القيامة؟ ستقول لا، سأسألك ثانية: إذًا، فكيف أُدْخِلَ؟ والقيامة لم تقم بعْد.. ستكون الإجابة من غلام صغير، لكنه تربّى في حجر رسول الله ﷺ. إنه سيدنا عبد الله بن عمر؛ كان يجلس مع الصحابة وأبوه موجود معه؛ بينما الجميع يجلس، إذ سأل رسول الله سؤالا، فقال «من منكم رأى الجنة؟» الجميع في وضع السكون والسكوت. لكن سيدنا عبد عبد الله بن عمر؛ قال: أنا يا رسول الله.. فكرَّر النبي وأعاد سؤالا آخر، فقال «من منكم رأى أشجار الجنة؟».. أيضًا سكت الجميع، وعبد عبد الله بن عمر يرفع يده ويقول: أنا يا رسول الله. «من منكم رأى انهار الجنة.. قصور الجنة.. نعيم الجنة؟» وهو يقول: أنا يا رسول الله.

ثم نطق الولد بكلمة، قال: رأيتهم بعيني رسول الله.

ألَم يدخل النبي الجنة! ألم يرى أنهار الجنة! ألم يرى أشجار وقصور الجنة! وإني مُصدق النبي.

من منا لديه يقين كيقين عبد الله بن عمر وهو في سن السابعة! من منا لديه ثِقة في كل كلمة قالها رسول الله!

تريد إجابة أُخرى؟ تريد ثِقة أُخرى؟ النبي ﷺ بعد صلاة الفجر كان يمشي في طرقات المدينة؛ فقابله غلام [إثنى عشر سنة] من مثله اليوم لا يعرف الوضوء، من مثله اليوم لا يعرف سنن الوضوء ولا فرائض الصلاة.. لكن النبي عندما رآه وجده مبتسمًا، رغم فقده أباه، وذاهب للعمل ليرتزق؛ يريد الكفاف لنفسه وأمه. فالنبي قابله وقال له «كيف أصبحت يا حارثة؟» فلم يقُل له: لا مال لدينا، وأبي مات وتركنا.. لكنه قال له: أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله.

فالنبي قال له «ما علامة إيمانك؟» لكل قولٍ الحقيقة، ليس مجرَّد كلام. فقال له: أصبحت أرى عرش ربي بارزا، وأرى أهل الجنة في الجنة يُنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، كيف؟.. حتى بعد انتهاء هذا الحوار. الصحابة يسألوه، كيف؟ كيف رأيت العرش؟ كيف رأيت الجنة؟ كيف رأيت النار؟ قال: رأيتهم بعيني رسول الله.

أرأيت كيف كان أطفال الصحابة؟ نحن لا نتحدث عن الصحابة ولا عن أكابر الصحابة؛ بل صغارهم من الأطفال والغلمان.

لذلك ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ﴾ متى دخلوا؟ أتدري متى؟ لأن الكون بأسره، منذ بداية الخلق إلى نهايته، وبعد قيام الساعة وبعد دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ صفحة واحدة أمام ربنا. فالله ﷻ ليس لديه ماضٍ، ولا حاضر، ولا مستقبل. لديه كل الأحداث كما هي، ما حدث وما لم يحدث.

لذلك؛ فالآية التي قبلها تقول ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ وأسألك نفس السؤال: أوقُضي الأمر، أوقامت القيامة؟ لا، لكن كي تعيش في الصورة. قال أهل الجنة دخلوا الجنة.

عِش مع الجنة يا أخي، واترك الدنيا، اترك الدنيا وتعبها، الناس يعيشون في غيبوبة، اسمها غيبوبة الرزق.

يؤذَّن للظهر يا أخي.. يقول لك: سأنتهي من هذا ثم سأُصلي.. سأنهي هذا العمل ثم سأذهب للصلاة ..

يا أخي لا تؤخر الصلاة، لا تؤخر الصلاة، طوال اليوم في شغل وعمل، وعند الصلاة لا تجد وقتًا؟ غيبوبة الرزق تأكل وقته.

أتدري! أغنى أغنياء العالم، مليارات من الدولارات، أكوام من سبائك الذهب.. عندما يموت لن يأخذ شيئًا معه.

وانظر؛ فقد جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ، يقول له: يا رسول الله، الله سمّى المال في القرآن خير، فقال ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ والخير يعني المال. اسمع السؤال: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ «إن الخير لا يأتي إلا بخير، أو خير هو، إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا، أو يلم، إلا آكلة الخضر، أكلت، حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس، ثلطت، أو بالت، ثم اجترت، فعادت فأكلت فمن يأخذ مالا بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالا بغير حقه فمثله، كمثل الذي يأكل ولا يشبع».

والمقصود بالربيع هنا ليس فصل الربيع، الربيع هنا هو جدول الماء، وما حوله أرض منزرعة.

والمعنى: أي أن هذا الجدول من الماء ينبت حوله نباتات، حشائش، في وسط النباتات نباتات ضارة، سامَّة. فيأتي الراعي ويترك أغنامه وماشيته تأكل؛ فتأكل من هذه النباتات الضارة؛ فتُحدِث انتفاخًا للماشية.. فيأتي الراعي ويطرق على بطنها، فيظن أنها قد شبعت، ويستبشر بكثير من اللبن؛ لكنه ليس كذلك.. فيعود الراعي، ويهم أن يحلبها فلا يجد بها قطرة لبن واحدة، لماذا؟..

فلا تظن أن الحرام نعمة، بل هو مرض، نقمة. هكذا أخبرنا رسول الله.

فالمكان الحلال الطيب هو أوسع وأجمل من غيره من القصور الحرام؛ وانظر إلى الثلاثة الذين تخلَّفوا عن النبي في غزوة تبوك. قال عليهم الله ﷻ ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت﴾. والله لو كنت تعيش في قصر، ولم يكن في قلبك الرضا فستشعر أنك مخنوق، ضيق النَّفس.. فتش عن علاقتك بالله، فتش في حياتك؛ هل تصلي؟ هل تؤدي الزكاة؟ هل تصل الرحم؟

طيّب قلبك، ونقّه من أمراضه؛ وتذكَّر ما حدث وما نشب في القلوب في قصة قابيل وهابيل، وقصة سيدنا يوسف وإخوته.. خُذ العبرة والعِظة.

⬛️ وهنا أيضًا: خطبة عن الموت مكتوبة وكاملة ومختتمة بدعاء مؤثر

خاتمة ودعاء

لو كنت تبقى
غير ألا بقاء للإنسان

لم أرى فيك من عيبٍ
كان في الناس غير أنَّك فاني

وكل ما في الدنيا سوف يفنى
ولا يبقى إلا الواحد الديان

وأسأل الله جل وعلا أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته. اللهم أسكنه فسيح جناتك، وألهم أهله الصبر والسلوان، أنزل عليهم السكينة والإيمان، اجعل الليلة خير لياليه، اجعل الليلة خير لياليه، اجعل الليلة خير لياليه.

لا تحرمنا أجره، لا تفتنا بعده، اغفر لنا وله. وصل اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

error: