خطبة عن الكسب الحلال وتجنب الحرام

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة عن الكسب الحلال وتجنب الحرام

إنّ إلقاء خطبة عن الكسب الحلال وتجنب الحرام في هذا الزمان لهو من أوجَب الواجبات؛ كيف لا وقد تغيَّرت كثيرٌ من الضمائِر، وتهاون الكثير من الناس -إلا ما رحم ربي- في قضية تحصيل الرزق، ولا يهتمون من حرام أم من حلال. وهذه كارثة كبيرة يجب أن يكون للخطباء وأهل العِلم فيها خطب جمعة كثيرة ودروس علم وذِكر ومحاضرات.

نحن هنا؛ في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد نوفر لكم خطبة جمعة مكتوبة رائِعة حول الكسب الحلال وتجنب الحرام للشيخ محمود الفقي -جزاه الله خيرا-.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، وصاحب الشفاعة العظمى بإذن رب العالمين يوم الدين.

أرسله ربه رحمة للعالمين وهداية للناس أجمعين، ففتح به القلوب وأنار به العقول، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد عباد الله فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بالعروة الوثقى وتجنبوا أسباب سخط الجبار، فإن أجسادكم على النار لا تقوى.

أيها الإخوة الكرام، يقول الله ﷻ في الآية الثامنة والستين بعد المئة من سورة البقرة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ | إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً

لقد ورد في هذه الآية نداء من الله ﷻ للناس كلهم، نداء يشمل الجميع المؤمن والكافر، الطائع والعاصي، يشمل الإنسانية كلها، ثم يرد بعد هذا النداء أمر ونهي، أمر بأكل الطيبات ونهي عن اتباع خطوات الشيطان.

فأما أمر باكل الطيبات فهو قوله ﴿كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا﴾، إنه مقام امتنان من الله ﷻ على خلقه، حيث أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض حال كونه حلالا من الله ﷻ، وحال كونه طيبا، أي مستطابا لا يضر بالأبدان ولا بالعقول.

وقد ورد الأمر باكل الطيبات في القرآن مكررًا بقول الله ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.

فيجب على كل مسلم عباد الله أن يهتم بمسألة الكسب ليكون كسبه حلالا وليكون ماله حلالا.

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

ولقد اهتم النبي ﷺ بألا يدخل في جوفه شيئا فيه شبهة، فهو الذي قال «إني لأدخل بيتي أجد التمرة ملقاة على الأرض، أو أجد التمر ملقاة على فراشي ولا أدري أمن تمر الصدقة أم من تمر بيتي فأدعها».

يتركها رسول الله ﷺ ولا يتناولها «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، فهذا حرص من النبي ﷺ على ذلك بأن الأنبياء والرسل كلهم مأمورون الحلال.

اسمع لهذا الحديث وهو حديث عمدة في هذا الباب، رواه الإمام مسلم في صحيحة عن أبي هريرة -رضي الله ﷻ عنه- قال: قال رسول الله  ﷺ «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» فقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.

وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.

ثم ذكر «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأني لذلك؟»

أنى يستجاب لمثل هذا لمن أكل حرامًا وشرب حرامًا ولبس من الحرام، وتغذى ونبت جسده من حرام ومن سحب، أنى يستجاب لذلك؟

كيف يستجيب الله ﷻ لمن أكل حراما؟

فالرسل كلهم وكذلك أممهم مأمورون بأكل الحلال؟ لأن قبول العمل متوقف عليه، وقبول الدعاء متوقف عليه فكيف يستجيب الله ﷻ لمن أكل حراما.

وكيف يقبل الصدقة من رجل تصدق من كسب حرام، روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة -رضي الله ﷻ عنه- أن رسول الله  ﷺ قال «لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون كالجبل أو أعظم».

الله أكبر، صدقة يسيرة من كسب طيب تكون عند الله ﷻ كالجبل أو أعظم إن كان قد اكتسبها العبد من حلال.

عقوبة أكل الحرام في الدنيا والآخرة

قال أبو عبد الله الناجي، وهو زاهد عابد ورع تقي، قال -رحمه الله-: خمس خصال بها تمام العمل؛ معرفة الله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة وأكل الحلال فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل.

قال متمما كلامه: وذلك أنك إذا عرفت الله ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإذا عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع.

وإذا عرفت الله وعرفت الحق، ولم تخلص العمل لله لم تنتفع، وإذا عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن عملك على السنة، لم تنتفع.

وإذا تمت الأربع، ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع بذلك كله.

عبد يعرف الله ويتقرب إلى الله ويتعبد ﷻ بكل ما استطاع وهو على علم بذلك، وأخلص العمل لله وعمل على السنة ولكن أكله من حرام لم يرفع عمله إلى الله ﷻ.

وكما أن الله ﷻ أمر باكل الحلال نهى عن أكل الحرام فقال ﷻ ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

فمن الناس من همه أن يجمع المال من أي طريق من حلال أو من حرام، المهم أن يحصل على المال وأمثال هؤلاء أخبر عنهم رسول الله  ﷺ كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه  ﷺ قال «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام؟».

لا يبالي بذلك، المهم أن يزداد ماله، المهم أن يغتني، المهم أن تزداد ثروته، المهم أن تزداد أملاكه في هذه الدنيا من حلال أو من حرام.

وإذا دققنا النظر في مجتمعنا، وفي أيامنا وأزماننا التي نحياها، لوجدنا بعض الناس يتعامل بالرشوة، ويتعامل بالربا، ويأكل مال اليتيم، ويأخذ حقا من الميراث ليس من حقه، أما علم هؤلاء أنه «لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟».

لعن الله الراشي والمرتشي

واسمع إلى تحذير النبي ﷺ للمرتشين في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي حميد الساعدي -رضي الله ﷻ عنه- قال: استعمل رسول الله ﷺ رجلا من الأزد على الصدقة يقال له ابن اللتبية، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، هذا مال الصدقة وهذا المال أهدي لي.

فقام رسول الله ﷺ على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال «ما بال عامل ابعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وفي بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تعير ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه»، ثم قال «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت».

إنه تحذير شديد اللهجة من رسول الله ﷺ للراشي والمرتشي، وجاء في السنن أن النبي ﷺ لعن الراشي والمرتشي، وكذلك لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال «هم سواء».

السبع الموبقات

وعد النبي ﷺ الربا من السبع الموبقات، وقال الله عز وجل عن المرابين ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ | يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾.

يا من تتحايل على شرع الله ﷻ… احذر غضب الله

فيا من تتعامل ربا، يا من تبيع للناس بالآجل وكلما تأخر المشتري في السداد أضفت عليه زيادة لأنه تأخر في السداد.

ويا من تقرض الناس على أن يُرد المال إليك بزيادة، ويا من تقترض على أن ترد أنت المال بزيادة.

ويا من تتحايل على شرع الله ﷻ هل ترى نفسك في زيادة من الله ﷻ في مالك.

إن كنت كذلك فاعلم أنه استدراج من الله ﷻ، وإمهال منه سبحانه وسيتحقق وعده ولو بعد حين ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾.

حاسب نفسك قبل أن تحاسب

فقف مع نفسك وقفة، وقفة محاسبة، وعلينا جميعا أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة، وأن نعود إلى ربنا ﷻ قبل أن يضيع منا كل شيء.

قال الله ﷻ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ | فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.

إنها حرب من الله لا هوادة فيها، من يقدر على حرب الله ﷻ له، إنه القوي، إنه العزيز، إنه الجبار، إنه المنتقم، لا يقدر أحد على حربه، ﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».

فليحذر كل امرئ تعامل بالربا، أقرض أو اقترض، باع أو اشترى بطريقة ربوية، الحذر كل الحذر من الحرب التي أعلنها الله عليهم.

الحلال بين والحرام بين

ويا عبد الله قبل أن تتعامل بأي معاملة من المعاملات التي تظهر حديثا في مجتمعاتنا وأزماننا اذهب للجنة الفتوى، واعرض صورة المعاملة كاملة بصدق فلن يُخرج الشيخ إلا بناء على كلامك أنت.

فاعرض المعاملة بصدق وإخلاص لتعرف حكمها في شرع الله، فإن كانت حلالا استعن بالله، وإن كانت حراما اجتنبها، وإن كان الأمر غامضا، فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس.

فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وتذكر دوما قول الله ﷻ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ | وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ | وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

وتذكر أيضا هذا الوعيد الشديد الذي جاء في الحديث الذي رواه الشيخان، واللفظ للبخاري عن سمرة بن جندب -رضي الله ﷻ عنه- قال: كان رسول الله ﷺ يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم رؤيا؟

قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وأنه قال ذات غداة هو رسول الله الذي رأى رؤيا فيقصها.

قال: وإنه قال ذات غداة «إنه أتاني الليلة آتيان».

الحديث طويل لكني أخذ الشاهد منه فقط، قال «وإنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما».

قال: فأتينا على نهر، قال الراوي: حسبت أنه يقول أحمر مثل الدم.

قال: فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا.

قال: فقلت لهما ما هذان؟ ما هذان الرجلان؟ ما هذا العذاب الشديد؟ الذي أراه، فقال لي: انطلق انطلق، فانطلقنا.

في نهاية الحديث لما فسر هذان الآتيان لرسول الله ﷺ ما رأى في هذه الجولة الطويلة قال عن هذا الرجل «وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا».

أسأل الله ﷻ أن يرزقني وإياكم الحلال الطيب، وأن يجنبنا الحرام، وأن يباعد بيننا وبينه كما باعد بين السماء والأرض إنه سميع مجيب.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

وهنا يا أحباب.. خطبة: أخلاقيات البيع والشراء وآدابه

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

لا تأكلوا أموال اليتامى

أما بعد فيقول الله ﷻ مبينا صورة أخرى من صور أكل الحرام ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾.

فيا من جعلك الله ﷻ وصيا على يتيم وعلى ماله اجعل هذه الآية دائما نصب عينيك ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾.

وفي سنن أبي داود وغيره عن ابن عباس -رضي الله ﷻ عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه.

ذهب إلى بيته وعزل أهل بيته عن طعام اليتيم، وعزل شراب أهل بيته عن شراب اليتيم، قال: فجعل يفضل من طعامه، يعني؛ يفضل من طعام اليتيم فيحبس له حتى يأكله أو يفسد.

يأكل من مال نفسه، وربما يفسد طعام اليتيم ويرمى.

قال: فاشتد ذلك على الصحابة -رضي الله عنهم- فذكروا ذلك لرسول الله  ﷺ.

أنظر إلى حرص الصحابة، لما نزلت الآية خافوا أن يدخل في طعامهم ذرة من طعام اليتيم فلما اشتد ذلك عليهم ويفسد طعام اليتيم ويرمى ذكروا ذلك للنبي  ﷺ فأنزل الله قوله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾.

فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.

حقوق اليتامى في الميراث

ثم الجدير بالذكر أن نختم بهذه الصورة، أو أن ننبه على أداء حقوق الورثة إليهم، وعدم انتقاصهم حقهم أو بخسهم إياه، فهي حقوق مقسومة في كتاب الله ﷻ لا يتدخل أحد فيها على الإطلاق، وهي من حدود الله ﷻ التي ينبغي أن تقام.

ولك أن تتأمل أيها الأخ الكريم، لك أن تتأمل ذلك من خلال آيتين ذكرهما الله ﷻ عقب ذكره لآيتين من آيات المواريث، قال سبحانه ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ | وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.

فنحن بحاجة لوقفة مع أنفسنا، ليكون كل واحد منا حريصًا على ألا يُدخل بيته قنطارا من الحرام فذلك سببٌ لعدم قبول الطاعة، وسبب لرد الدعاء وعدم قبوله.

فها نحن في أيامنا وأزماننا ندعو الله ﷻ في كل صباح وفي كل مساء ولا يستجيب الله ﷻ لنا، إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك خللا فيما نكتسبه من المال.

وإنما يدل على أن هناك معاملات كثيرة في مجتمعاتنا لا يرضاها رب ﷻ.

ثم ذكر الرجل وقد ذكرت الحديث من قبل واختم به، ثم ذكر «الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب لذلك».

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.

وهنا -أيضًا- خطبة عن الرزق وأسبابه ومفاتيحه

الدعاء

  • اللهم إنا نسألك أن تُجنبنا الحرام وما قرب إليه، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بين السماء والأرض.
  • اللهم ارزقنا الحلال الطيب يا رب العالمين.
  • اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
  • اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا رب العالمين.
  • اللهم اجعلنا من أكثر عبادك نصيبا في كل خير تقسمه أو نعمة تنشرها أو بلاء ترفعه أو شر تدفعه.
  • اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
  • اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا، وقواتنا أبدا ما أحييتنا، واجعله الوارث واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.
  • اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا أخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
  • اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تشفي بها صدورنا، وتغفر بها ذنوبنا، وتلم بها شعثنا، وتجمع بها فرقتنا، وتؤلف بها بين قلوبنا يا رب العالمين.
  • يا رب اجعل أعمالنا كلها صالحة ولوجهك خالصة ولا تجعل لأحد فيها حظا ولا نصيبا يا رب العالمين.

هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: