خطبة جمعة عن التوبة وفضائلها – قصيرة

نعم؛ نعلَم أننا قدَّمنا خُطبًا من قبل لنفس الموضوع؛ لكِنه على قدر بالِغ الأهمية؛ ولعلكم تُدرِكون ذلك. هنا نزيدكم بخطبة جمعة عن التوبة وفضائلها. نعم؛ الخطبة قصيرة لكنها مكتوبة، مؤثرة. ستكون بمثابة جُرعة إضافيّة قوية لما قدَّمناه سابقًا.

خطبتنا اليوم، ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلملين-.

خطبة جمعة قصيرة عن التوبة وفضائلها

الخطبة الأولى

الحمد لله؛ غافر الذنب قابل التوب، شديد العقاب الغفور الرحيم، نحمده سبحانه وبه ﷻ نستعين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يحب التوابين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام التائبين، ﷺ وعلى آله وصحبه طُرًا ومن اتبعهم بعدهم إحسانًا وطاعةً وبرًا.

أيها المؤمنون! اتقوا الله؛ فإنها وصيته للأولين والآخرين.

قال الله ﷻ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا} [سورة النساء: الآية 131].

وقال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران].

وقال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب].

أما بعد: أيها المؤمنون! إن الله خالقٌ وأحدنا مخلوقٌ، وإن الله ربٌّ وأحدنا عبدٌ، وقد يتصرف المخلوق في ملك خالقه بما لا يحب، وقد يجري مع العبد مع ربه ما لا ينبغي.

وقد هيأ الله ﷻ لنا من أسباب الرجوع إليه ما يستكن به المرء في رحمة الله ﷻ بالفزع إلى ربه منيبًا خائفًا، وأعظم ذلك: مقام التوبة؛ الذي حقيقته: رجوع العبد إذا أساء مع ربه ﷻ، وثوب المخلوق إلى خالقه إذ قصر في حقه.

فمقام التوبة مقامٌ عظيمٌ، وقد أمرنا الله ﷻ به في آيتين جامعيتين اشتملتا على معانٍ جليلةٍ:

  • فقال الله ﷻ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: الآية 31].
  • وقال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة التحريم: الآية 8].

فهاتان الآيتان اشتملتا على أصولٍ ثلاثة تتعلق بالأمر بالتوبة:

  1. أحدها: أن الله ﷻ خاطب به عباده بأشرف اسمٍ لهم، وهو اسم (المؤمنين)؛ فقال ﷻ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [سورة النور: الآية 31]، وقال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [سورة التحريم: الآية 8]. والنداء بأشرف الأسماء إشارةٌ إلى محبة المنادي لمن ناداه، وإن الله ﷻ يحب التائبين؛ كما قال ﷻ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: 222]. فنداؤه لنا بأشرف الأسماء لنا- وهو اسم (الإيمان) – إغراءٌ بالتوبة إليه ﷻ.
  2. وثانيها: أن الله ﷻ لما نادى هذا الجنس من البشر – الذين هم أشرفهم رتبةً وأعلاهم مقامًا – عمم نداؤه لهم جميعًا؛ فهي توبةً يؤمر بها كل واحدٍ منهم؛ كما قال ﷻ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [سورة النور: الآية 31]؛ فلا تتعلق التوبة بواحدٍ منهم دون آخر؛ فالمؤمنون كلهم مأمورون بأن يتوبوا إلى الله ﷻ.
  3. وثالثها: أن الله ﷻ علق فلاحنا عليها؛ إذ قال في الآية الأولى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور: الآية 31] أي في دنياكم وأُخراكم، ثم بين أنواعًا من ذلك الفلاح في قوله ﷻ: يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة التحريم: الآية 8].

فهذه المعاني الجليلة المذكورة في الآيتين الشريفتين المتعلقتين بالأمر بالتوبة: فيهما حضٌّ شديدٌ وحثٌّ عظيمٌ على دوام التوبة إلى الله ﷻ؛ فيتوب العبد من تركه الحسنات، ويتوب من فعله المعاصي.

ويستغرق ذلك أحواله كلها؛ فإن العبد محتاجٌ إلى التوبة إلى الله ﷻ في كل حينٍ وآن.

وقد حذرنا الله ﷻ من شؤم عاقبة عدم التوبة إليه؛ فقال ﷻ: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الحجرات: الآية 11] أي إن المقيمين على ترك حسناتهم أو مواقعة سيئاتهم ولا يتوبون إلى الله ﷻ فإنهم ظالمون؛ فإنهم يظلمون أنفسهم تارةً، ويظلمون أنفسهم وغيرهم تارةً أخرى.

فإذا كان ترك التوبة مشتملًا على وقوع الظلم من العبد؛ كان الأمر به أعظم وأعظم، وإذا انضم إلى ذلك تلك المعاني الجليلة المذكورة في الآيتين الآمرتين بالتوبة؛ علم العبد قدر ما ينبغي الاعتناء به من دوام التوبة إلى الله ﷻ.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

وخُذ مُقترَح: خطبة عن التوبة الصادقة النصوح وفضائلها «مؤثرة — مكتوبة»

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر له توايًا وتترًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له معبودًا حقًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صدقًا.

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.

أما بعد: أيها المؤمنون! إن التوبة جسرٌ موصلٌ إلى محبة الله ﷻ؛ فيها ينال العبد محبة ربه؛ كما قال ﷻ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة: الآية 222] أي يحب عباده الذين يكثرون من التوبة؛ فيتوبون مرةً بعد مرةٍ.

فمهما اعترى أحدهم ذنبٌ أو تقصيرٌ فزع إلى ربه ﷻ بالتوبة.

فالعبد مفتقرٌ في كل حينٍ وآنٍ إلى التوبة إلى الله ﷻ، ومهما عظمت حسناته وكثرت طاعاته فإنه شديد الافتقار إلى التوبة إلى الله؛ لما في حقيقتها من الرجوع إليه محبةً ورجاءً وخوفًا؛ فيعمر الإنسان قلبه برجوعه إلى الله ﷻ محبة له، وخوفًا منه، ورجاءً له ﷻ.

وتلك كانت حال النبي ﷺ؛ فقد حدث آمرًا بالتوبة فقال: «يا أيها الناس؛ توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرةٍ» ~ أخرجه مسلمٌ – من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

فإذا كانت هذه حال الطاهر المطهر الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإن حاجتنا إلى دوام التوبة إلى الله ﷻ أعظم وأعظم.

فأديموا توبتكم إلى ربكم والزموها، وأكثروا منها في يومكم وليلتكم تائبين إلى الله راجعين إليه.

فمهما كثرت حسناتكم وحسنت أحوالكم، فإن أحدكم مفتقرٌ إلى التوبة؛ تثبيتًا لنفسه وإقامةً لها على الصراط المستقيم.

اللهم اجعلنا من عبادك التائبين، اللهم اجعلنا من عبادك التائبين، اللهم اجعلنا من عبادك التائبين.

اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.

اللهم آميـن..

وبعد؛ فقد قدَّمنا لكم -يا إخواني- خطبة جمعة قصيرة عن التوبة وفضائلها للشيخ صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلملين-. وهذه أيضًا خطبة مكتوبة عن التوبة قبل رمضان واستقباله بفرحة واستبشار. نسأل الله ﷻ -الحليم الكريم- أن ينتفع كل من قرأ هذه الخطبة وألقاها ونشرها.

أضف تعليق

error: