خطبة: عشر ذي الحجة فضلها والعمل فيها وكنوز حسناتها

تمت الكتابة بواسطة:

إن اقتناص الوقت من أهم ما يميّز الخطيب الكيّس الفَطِن. وإن من جزيل الخير إلقاء خطبة عن عشر ذي الحجة؛ ومن ثَم بيان فضلها والعمل فيها وكنوز حسناتها التي تنتظر ما يجنيها من المسلم الحريص على اغتنام مواسم الخيرات والطاعات والقربات من رب الأرض والسماوات ﷻ.

نحن هنا في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد نسعى دائِما أن نقدم لكم الخطب المنبريَّة الرائعة المؤثرة التي -نأمل أن- ينتفع بها كل مسلم يستمع إليها أو يقرأها أو يشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي -مثل فيس بوك، واتسآب- أو يساهم في نشرها.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه بلغ الرسالة وأدى الأمانة فصلوات الله وسلامه عليه.

الخطبة الأولى

أما بعد فيا عباد؛ الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا

عباد الله؛ نعلم جميعا فضل هذه الأيام الفاضلة التي قال عنها النبي ﷺ «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» رواه البزار وأبو يعلى وصححه الألباني.

ولا يخفى عليكم الحديث الآخر «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

إذا تأمَّل المسلم يا عباد الله فضل هذه الأيام ثم تأمل فضل الطاعة التي يقوم بها كالصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وبر الوالدين وغيرها ثم تأمل شرف الزمان لا يسعه إلا أن يتجه إلى الرحمن بالشكر والثناء على الله الذي أكرم هذه الأمة المحمدية.

نعم أعمارها قصيرة كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك». لكن أكرمنا ربُنا -جل وعلا- بمواسم للطاعات نسبق بها الأمم السابقة، فهذه الأيام يا عباد الله تضاعف فيها الحسنات.

اجتمع لنا شرف الزمان وهي “عشر ذي الحجة” وشرف المكان وهي مكة حرسها الله، ولا يخفى عليكم أن بعض أهل العلم يرى أن جميع الأعمال بمكة بمئة ألف، وهذا قول عند الحنابلة والشافعية والمالكية. بل يعني أن جميع الطاعات أنها كل حسنة بمائة ألف حسنة.

وإذا تأمل المسلم بهذه الفضائل لا يسعه إلا أن يُقبل على الله -جل وعلا- ويتقرب إلى الله بسائر القربات والطاعات، ويعلم المسلم أن أفضل ما يتقرب به إلى خالقه -جل وعلا- الواجبات كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله ﷺ عن ربه كما جاء في البخاري «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه».

فإذا استعاذ بالله -جل وعلا- وإذا دعا ربه أجاب دعاءه «وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته» فإذا أقبل المسلم على ربه جل وعلا بسائر القربات أحبه الله وأي شرف، وأي منزلة أن الله ﷻ يحبك، فإذا أحبك الله سعدت في الدنيا والآخرة ودخلت جنة عرضها السماوات والأرض، فكلما تقربت إلى الله جل وعلا بطاعة من الطاعات أحبك الخالق ﷻ.

فضل يوم عرفة

واعلموا يا مسلمون أن فضائل الأعمال كثيرة في هذا الشهر، ولكنني سأتحدث عن فضل يوم عظيم في هذه الأيام وهو يوم عرفة.

يوم عرفة يا مسلمون من أحب الأيام إلى الله، وقد ذهب جمع من أهل العلم أنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، ويستحب صيامه فقد سئل النبي ﷺ عن صيام عرفة، قال «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده».

فأقبلوا على الله -جل وعلا- لا سيما في هذا اليوم، ومن كرم الله ومن لطفه أن فضل يوم عرفة ليس لأهل الموقف فقط “ليس خاصا بأهل الموقف” بل لأهل الأمصار.

قال ابن رجب “رحمه الله” ويوم عرفة وفضل يوم عرفة ليس لأهل الموقف بل لجميع أهل الأمصار.

أكثروا من الدعاء في يوم عرفة

فأقبلوا على الله لا سيما في الدعاء، وأكثروا من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

انكسروا بين يدي الله -جل وعلا- فحبيبنا -صلى الله عليه وسلم- يقول «خير الدعاء دعاء يوم عرفة». والله -جل وعلا- يقول ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

تذكروا هذا القرب الرباني من عباده ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ والله -جل وعلا- كريم، يحب السائلين ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ فخيرات الدنيا بيديه ﷻ، فعطائه كلام -جل في علاه-.

تضرعوا بين يدي الله جل وعلا وانكسروا بين يديه ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ لا أحد غيره ﷻ.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول : دعوت ودعوت فلم أره يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».

والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكثروا وتأملوا بحياته وكان -عليه الصلاة والسلام- في يوم عرفة يُصلى الظهر والعصر جمع تقديم، ثم يتضرع لخالقه وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأخذ يدعو حبيبنا ﷺ إلى أن غربت الشمس.

فانقطع في ذلك اليوم يا عباد الله للدعاء والتضرع لله -جل وعلا- فكلنا بحاجة ماسة إلى خالقنا سبحانه وتعالى.

وانكسروا بين يدي الله -جل وعلا- واعلموا أنه أرحم من الوالدة بولدها.

وفي ذلك اليوم يا عباد الله يجمع المسلم بين الرجاء والخوف، يرجو رحمة ربه ويخشى من ذنوبه. ولكن إذا انكسر القلب بين يدي الله وأقبل على طاعة الله فإن الإنسان يُغلِب جانب الرجاء في الإقبال على الله.

أكثروا من النوافل في عشر ذي الحجة

إذا أقبلت النفس على الطاعة فإنه يغلب الرجاء على الخوف من الله ﷻ ثم يا عباد الله أكثروا في هذه الأيام من السنن النوافل؛ صلاة الضحى وصلاة الليل والسنن الرواتب، وكذلك من صلة الأرحام والصدقة والإحسان إلى الغير.

لما سئل النبي ﷺ عن أفضل عمل «قال سرور تُدخله على مسلم» والنبي ﷺ يقول «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وقال حبيبنا ﷺ «و لأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة شهرا».

وأكثروا من قول اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.

فالأنفاس معدودة والآجال محدودة وأنتم ترون الموت يتخطف من حولنا، وكلنا ذاهب إلى الله جل وعلا، كلنا سنرحل عن هذه الدنيا.

يأتي الإنسان ويختبر ويمتحن ثم يرتحل والعمر محدود ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ولا يفوتك أيضًا -إمامنا الفاضِل- الاطلاع على: خطبة عن عشر ذي الحجة ويوم عرفة.. خير أيام الدنيا

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ومن أفضل الأعمال يا عباد الله في هذه الأيام الفاضلة القيام على شؤون الحجيج وعلي شؤون الأمن، وهذه قربة. وكما قال أحد السلف: وددتُ من العلماء من يكون شأنه وهمه النية لا يتحدث إلا بها يذكرها الناس.

أُذكر كل عامٍ في الحج، لا سيما رجال الأمن الذين يتعبون ويقفون في الشوارع الساعات الطوال أذكرهم وأهنئهم بهذا الفضل العظيم، فقد قال حبيبنا ﷺ «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله».

فهذه بشرى رجال الأمن الذين يقومون على أمن هذه البلاد وعلى أمن مكة حرسها الله وعلى أمن الحجاج، فهنيئا لهم هذه الأجور لا سيما في هذه الأيام الفاضلة وهم شرك شركاء للحجاج في الأجر والثواب، وكذلك رجال الصحة.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول «ما من رجلٍ يعودُ مريضًا ممسيًا إلا خرج معه سبعون ألفِ ملكٍ يستغفرون له حتى يصبحَ وكان له خريفُ في الجنةِ ومن أتاه مُصْبِحًا خرج معه سبعون ألفِ ملكٍ يستغفرون له حتى يمسيَ وكان له خريفُ في الجنةِ».

قال العلماء فكيف بمن عالجه؟ كيف بمن سعى في علاجه وأحياها؟ ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾. أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من المقبولين.

الدعاء

  • اللهم بلغنا عشر ذي الحجة ويوم عرفة.
  • اللهم يا حي يا قيوم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك وارزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل.
  • اللهم تولنا وسدد أقوالنا وأعمالنا يا رب العالمين.
  • اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا حي يا قيوم.
  • اللهم اجمعنا بأعلى الجنان مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.
  • اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته، واجعل آخر كلامنا يا رب من هذه الدنيا شهادة التوحيد لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
  • اللهم يا حي يا قيوم نسألك بأسمائك الحسنى أن تجعلنا في هذه الأيام من المقبولين المرحومين الفائزين.
  • كفر سيئاتنا يا رب العالمين وبدلها إلى حسنات.
  • برحمتك يا أرحم الراحمين احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا ووفق ولاة أمرنا وسدد أقوالهم وسدد أعمالهم وبارك في جهودهم يا رب العالمين.
  • اللهم من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده يا رب في نحره، وأدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين.
  • اللهم احفظ رجال الأمن المرابطين على الحدود، أنزل عليهم السكينة والطمأنينة، واعدهم إلى بلادهم سالمين آمنين يا رب العالمين.
  • نسألك يا الله من فضلك العظيم، نسألك من خير ما سألك من محمد ﷺ، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه محمد ﷺ، نسألك يا من ترانا وتسمع كلامنا في هذه الساعة المباركة من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


خطبة عشر ذي الحجة فضلها والعمل فيها

  • ألقاها: فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الفايز -جزاه الله خيرًا-.
  • موضوعها: كما هو واضح من عنوان الخطبة؛ فهي تدول حول فضل العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، بما فيها يوم عرفة. وما يُمكن للمسلم أن يغتنمه من الفضائل واحسنات والأجر العظيم خلال هذه الأيام القلائِل.
  • خطبة مقترحة: رائعة.. خطبة عيد الأضحى قصيرة pdf + مكتوبة

وانتظرونا مع خطب منبريَّة حصرية نسوقها إليكم -مجانا- يتنتفعوا بها جميعا؛ أئمَّة ومأمومين.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: