مُلْهِمة.. خطبة عن العشر الأوائل من ذي الحجة وأفضل الأعمال خلالها

تمت الكتابة بواسطة:

نعم هي خطبة مُلْهِمة. تلك التي أطنَب فيها الخطيب حديثه حول العشر الأوائل من ذي الحجة، وأفضل الأعمال خلالها، وخصَّ بالذِّكر يوم عرفة، فندعوكم الآن لتقتنصوا منها ما شِئتُم.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفيه عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الخطبة الأولى

أما بعد؛ فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

عباد الله؛ ربنا ﷻ يخلق ما يشاء ويختار، ومن كرم الله ومن فضله على عباده أن جعل لهم مواسم يُدركون فيها من الأجور والحسنات ما لا يدركونه في غيرها، فالله ﷻ رحيم بعباده.

الأعمار قصيرة ولكن أعمال هذه الأمة تضاعف، ومنها ما أكرم الله به عباده من مواسم الطاعات.

فضل عشر ذي الحجة

نستقبل أيها المسلمون أيامًا فاضلة هي أفضل الأيام على الإطلاق. أقسم الله بها، قال الله ﷻ ﴿وَالْفَجْرِ | وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.

وهذه الأيام هي أيام عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين من السلف والخلف. قال ابن كثير “رحمه الله” وهو الصحيح، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» أي أيام عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». رواه البخاري.

وقال حبيبنا ﷺ «أفضل أيام الدنيا، أيام العشر»، رواه البزار وأبو يعلى وصححه الألباني.

وهذه الأيام هي الأيام التي ذكرها الله ﷻ في قوله ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾.

الحج عرفة

وفي أيام العشر -عشر ذي الحجة- يوم عرفة، و«الحج عرفة»، وفيها يوم النحر، وقد قال نبينا ﷺ عن يوم النحر «أعظم الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر» رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

أيها المسلمون؛ يجتمع لنا في عشر ذي الحجة شرف الزمان وشرف المكان فيستغل المسلم هذا الموسم بطاعة الله ﷻ، واعلموا يرعاكم الله أن أفضل ما يتقرب به المسلم إلى ربه الواجبات، قال الله -جل وعلا- كما جاء في الحديث القدسي فيما يرويه رسولنا -عليه الصلاة والسلام- عن ربه «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه».

حافظوا على الصلاة في أوقاتها

أيها المسلمون؛ حافظوا على الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين. إذا كان الإنسان يذهب في سائر السنة ويتأخر في الذهاب إلى صلاة الجماعة فعليه بالمبادرة إلى الصلاة، وليحافظ عليها بأوقاتها وبأركانها وشروطها وسنن أقوالها وأفعالها.

ويؤدي السنن الرواتب، وعليه أن يجتهد في سائر النوافل من الصلوات؛ كصلاة الضحى، وصلاة الليل.

فالصلاة عند الله ﷻ عظيمة، ولكنها في أيام العشر أعظم وأفضل، وكذلك سائر النوافل، وأكثروا من ذكر الله ﷻ في هذه الأيام فقد قال حبيبنا ﷺ «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».

فيكثر المسلم من قول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ولو قال ذلك ثلاثًا ثلاثًا. أو قال: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فكل هذا حسن، قد روي عن صحابة رسول الله ﷺ.

أكثروا من الصدقة والإحسان في عشر ذي الحجة

وأكثروا من الصدقة والإحسان، واعلموا أن الصدقة يحبها الله ﷻ، ولكنها في أيام العشر أحب.

أيها المسلمون؛ نرى الناس في رمضان يُقبلون على سائر العبادات من تلاوة للقرآن، ومن صدقة ومن تفقد للفقراء والمساكين، وربما يغفل بعضهم عن هذه الأيام وهي أفضل عند من المحققين، فالصدقة والإحسان والعبادة في هذه العشر أعني -عشر ذي الحجة- أفضل من العشر الأخيرة من رمضان.

عشر ذي الحجة والعشر الأخيرة من رمضان

وما ذهب إليه المحققون من أهل العلم كما قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وشيخنا ابن باز رحمهم الله جميعا أنهم يفرقون بين النهار والليل، فنهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار العشر الأخيرة من رمضان، وليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل من ليالي العشر الأخيرة من ذي الحجة.

فعلى المسلم أن يجتهد في تلاوة كتاب الله، فلو قرأ المسلم ثلاثة أجزاء في كل يوم لختم القرآن في هذه العشر. وعليه أن يكثر من قول: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.

وعلى المسلم أن يراجع نفسه في هذه الأيام الفاضلة، ومن حكمة الله أن جعلها في آخر العام يتفقد المسلم نفسه ويرجع إلى الله ﷻ. وربنا سبحانه يقول ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

يتوب المسلم من تقصيره مع ربه ﷻ، وكل منا يا عباد الله أدرى بتقصيره مع نفسه ومع أمه، ومع أبيه، ومع زوجته وأولاده، وجيرانه، ومع سائر عباد الله من المسلمين.

على المسلم أن يتفقد نفسه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

تمضي الأيام والأعوام يا عباد الله وبعض الناس في غفلة عن هذا، الليالي والأيام مطايا نمتطيها إلى الدار الآخرة، فما من يوم تطلع شمسه إلا وينادي ذلك اليوم ويقول: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاستغلني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

أين من كان معنا في العام الماضي؟ لا تمضي عليك هذه الأيام الفاضلة وأنت في تفريطك يا عبد الله، اعلم أنك متجه إلى الله، اعلم يا مسلم أنك متجه إلى الله ومتجه إلى الدار الآخرة، فعليك بالاستعداد، أعد للوقوف بين يدي الله ﷻ الجواب الصحيح، وذلك بفعل طاعة الله وترك معصيته.

واعلم يا عبد الله أن الله -جل في علاه- تقدست ذاته وأسماؤه وصفاته يعلم سرك ونجواك، يعلم ما في قلبك، يعلم ما في سرك، يعلم عندما تكون في خلوتك ما تعمل.

طهر قلبك من المعاصي والذنوب في عشر ذي الحجة

فعليك يا عبد الله أن تراجع نفسك لا سيما في هذه الفاضلة، وطهر قلبك يا عبد الله من المعاصي والذنوب، فالبعض قد يتفقد ذنوبه بالجوارح ولكنه يغفل عن ذنوب القلوب؛ من الحسد الذي أصيب به بعض الناس﴿يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.

طهر قلبك من كبائر الذنوب، ومن الكبر فلا تتكبر على عباد الله ولا تستعلي على عباد الله، والكبر كبيرة من كبائر الذنوب.

فقد يمتلأ القلب بالأحقاد والضغائن على الأقربين، على الجيران، وربما على الإخوان والأخوات وعلى العمات والخالات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

العفو أحب إلى الله

فالمسلم يعفو في كل حين، لكن في هذه الأيام العفو أحب إلى الله، ومن عفا من أجل الله فقد وقع أجره على الله، والعطية على قدر معطيها.

من عفا عن عباد الله الذين ظلموه باللسان وغير ذلك، عفا من أجل الله فقد وقع أجره على الله والعطية على قدر معطيها، فيعطيه ربنا يوم القيامة عطاءً لا حصر له ولا عد.

اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك، واجعلنا يا كريم في هذه الأيام الفاضلة من المقبولين.

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ولا تفوتكم: خطبة: عشر ذي الحجة فضلها والعمل فيها وكنوز حسناتها

الخطبة الثانية

اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله. لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه.

أما بعد فيا عباد الله ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

خدمة الحجاج من أفضل أعمال عشر ذي الحجة

واعلموا أن من أفضل الأعمال في هذه الأيام القيام على خدمة الحجاج، خدمة ضيوف الرحمن يا من أكرمهم الله واصطفاهم واختارهم أن يقوموا على خدمة ضيوف الرحمن.

أقول لكم اجتمع لكم شرف المكان فأنتم في مكة حرسها الله، واجتمع لكم شرف الزمان، واجتمع لكم شرف الضيف، والله ﷻ يقول ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى﴾. ويقول حبيبنا ﷺ «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». ويقول حبيبنا ﷺ «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه» يا له من فضل عظيم.

يا من أكرمكم الله بخدمة ضيوف الرحمن اشكروا الله بقلوبكم، واشكروا الله بألسنتكم، وإن تقاضى الإنسان مرتبًا معينًا، لكن عليه أن يستحضر النية الطيبة «إنما الأعمال بالنيات».

أُذكر نفسي وأذكر من يقوم على شؤون الحج بالنية الطيبة، فيبشروا بالخير فهم شركاء للحجاج في الأجر والثواب من عند الله لا سيما رجال الأمن بجميع القطاعات الذين يقومون على أمن الحج والحجاج أعانهم الله وسدد أقوالهم وأعمالهم وبارك في جهودهم، فهم لهم أجر عظيم فقد قال حبيبنا ﷺ «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله».

يا من أكرمكم الله في خدمة الحجاج، ويا من سكنتم في مكة استقبلوا الحجاج بالبسمة وحسن التعامل فنبينا ﷺ يقول «تبسمك في وجه أخيك صدقة».

تقربوا إلى الله بهذه الأعمال الجليلة، تقربوا إلى الله ﷻ بالإحسان إليهم، والتقرب إلى الله ﷻ بخدمتهم ومساعدتهم حتى يؤدوا هذه الفريضة على أكمل وجه.

هنا أيضًا: خطبة عن عشر ذي الحجة ويوم عرفة.. خير أيام الدنيا

الدعاء

  • أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا الذي يرانا ويسمع كلامنا ويعلم سرنا ونجوانا أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يحفظهم بحفظه ويرعاهم برعايته.
  • يا حي يا قيوم نسألك أن تُكرمنا جميعا بالقبول والغفران والرحمة يا أرحم الراحمين.
  • اللهم اغفر ذنوبنا كلها، اللهم اغفر ذنوبنا يا حي يا قيوم وعاملنا عفوك ولطفك ورحمتك.
  • اللهم بدل سيئاتنا حسنات، اجعلنا يا كريم من يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته، واعصمنا يا كريم من فتن الشهوات والشبهات، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا أرحم الراحمين.
  • اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأصلح حال المسلمين، واجمع كلمتهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.
  • من أراد بلادنا وسائر بلاد المسلمين، من أراد الحجاج بالسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل يا قوي كيده في نحره، واكفناه بما شئت، اللهم أبطل كيده، اللهم اكشف ستره وأفضحه على رؤوس الإرشاد.
  • اللهم احفظ الحجاج في مكة ومنى وفي سائر المشاعِر، واعدهم إلى بلادهم آمنين سالمين قد غُفرت ذنوبهم، وبُدّلت سيئاتهم إلى حسنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
  • اللهم وفق ولاة أمرنا وسدد أقوالهم، واجزهم عنا وعن الحجاج خير الجزاء وأتمه وأوفاه.
  • اللهم يا حي يا قيوم سدد أقوالهم ووفقهم يا كريم لما تحب وترضى يا رب العالمين.
  • اللهم كما جمعتنا في بيتك، كما جمعتنا في أطهر البقاع وأحب البقاع إليك، اللهم اجمعنا بأعلى الجنان مع حبيبنا -عليه الصلاة والسلام-.
  • اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

خطبة عن العشر الأوائل من ذي الحجة

  • ألقاها: فضيلة الشيخ د.عبدالعزيز الفايز -جزاه الله خيرا-.
  • فحواها: تحدَّث الدكتور “الفايز” عن فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، وأفضل الأعمال التي يُمكن للمسلم أن يقوم بها خلال هذه العشر. ثم؛ أردف الخطيب الحديث عن فضل يوم عرفة. حقًا؛ خطبة ملهمة.
  • لدينا كذلك: رائعة.. خطبة عيد الأضحى قصيرة pdf + مكتوبة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: