خطبة عن موت الصالحين

وجدنا أن بعض الإخوة الخطباء يريدونها؛ فقررنا المساعدة. هذه خطبة عن موت الصالحين؛ وهي مُتمِّمة لسلسلة الخُطَب السابقة -لمن تابَع معنا- والتي تتحدَّث عن هذا الموضوع من جوانب أُخرى؛ وهو الموت.

فقد قدَّمنا سابقًا مجموعة خطب متميّزة؛ سوف نجعلها تتخلَّل هذه الخطبة؛ لتجدوا فيها ومنها ما يُكمِل محتواكم المنشود في تحضيركم لخُطَب الجمعة.

خطبة عن موت الصالحين

مقدمة الخطبة

الحمد لله، الحمد لله المتفرد بالعزة والبقاء، والعظمة والكبرياء، له الكمال المطلق في الذات والصفات والأسماء.

نحمده ﷻ ونشكره على تتابع النعم والعطاء، سبحانه هو مزيل الكرب، وكاشف البلاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ | ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ | ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ | ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ﴾.

فسبحانه وتعالى ما أعزه وأقدره، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيانا وعظيمنا وقائدنا محمدًا عبده ورسوله، أنذر وبشر، وبلغ وصبر.

صل اللهم عليه وعلى آله الأتقياء، وصحابته الأوفياء، وسلم تسليمًا كثيرًا ما دامت الأرض والسماء.

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

يا أيها الذين آمنوا اعلموا أن الأعمار محدودة، وأن الأنفاس معدودة، ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾.

موت الصالحين من أشراط الساعة

أيها الأحبة من أشراط الساعة موت الصالحين، ومصداقه في قول النبي الكريم «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم».

الأمم والشعوب لا ترقى، ولا ترتفع، ولا تنال الدرجات إلا بعظمائها.

وعظماء أمة الإسلام هم أهل الصلاح والإصلاح، الذين يتركون في الناس الذكر الحسن في حياتهم وبعد مماتهم.

هؤلاء هم البركة الحقيقية، قال خير البرية -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- «يذهب الصالحون الأول فالأول وتبقى حُفالة كحفالة الشعير والتمر»، والحفالة هي؛ ما يسقط من قشر الشعير بعد الغربلة، ومن التمر بعد الأكل.

قال «لا يباليهم الله ﷻ بالة»، أي لا يرفع الله ﷻ لهم قدرا، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا.

فقد الصالحين خسارة كبيرة

ففقد الصالحين أيها الإخوة، خسارة كبيرة عظيمة مأساوية فادحة.

لكن سنة الله ﷻ لا بد من أن تجري على جميع خلقه، وكل مفارق حبيبه يوما، لا بد أن يُفارق الحبيب حبيبه يوما ما.

ولذلك يعمل المؤمن الصالح للآخرة أكثر مما يعمل للدنيا، يعمل لآخرته أكثر مما يعمل لدنياه، لأنه يكمل بلقاء الأحبة، لأنه ينتظر ما أعده الله ﷻ له في الجنة «مما لا عين ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».

يأمل بلقاء الأحبة بعد الفراق، ولقاء الأحبة يكون في الجنة التي أعدها الله ﷻ للمؤمنين ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾.

الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- عندما خير بين البقاء في الدنيا أو الموت قال «بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى».

وعلى دربه سار الصحابة الكرام، على دربه سار السادة الكرام صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه-.

موت بلال مؤذن الرسول ﷺ

هذا بلال مؤذن الرسول ﷺ عندما حانت الساعة، عندما أتاه الموت قالت له زوجه: واكرباه عليك يا بلالاه، واحزناه عليك يا بلالاه.

فقال بلال: لا تقولي واحزناه عليك يا بلال، بل قولي: واترباه عليك يا بلال، وافرحتاه عليك يا بلال، غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه.

هؤلاء ينتظرون اللقاء مع الحبيب ﷺ، هؤلاء سيشربون من عين كان مزاجها كافورا، هؤلاء الذين قال الله ﷻ عنهم ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾.

هؤلاء ينتظرون الجنة، هؤلاء ينتظرون لقاء رسول الله على حوض رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه- ومع ذلك هم يخافون من خشية الله ﷻ.

الصالحون من خشية ربهم مشفقون، وبآياته يؤمنون، وهو القائل سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ | وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ | وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ | وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ | أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾.

ما بعد الموت

يا ليتنا أيها الأحبة نتذكر ما بعد الموت، أهوال ثم أهوال، ليتنا نتذكر القبر المحفور، والنفخ في الصور، ليتنا نتذكر البعث والنشور، والسماء يوم تمور، ليتنا نتذكر الصراط حين يمد للعبور، فهذا ناجٍ وهذا مكدس مأسور.

نسأل الله ﷻ السلامة. وقف سيد الخلق وحبيب الحق محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على قبر وجفا، واستعبد وبكى ثم التفت إلى أصحابه وقال «يا إخواني لمثل هذا فأعدوا».

هناك نزول، هناك موت وبعث ونشور ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

لم يقل ربنا ﷻ تزودوا بالمال، ولم يقل تزودوا من الطعام، ولم يقل تزودوا من متاع الدنيا لكن أمرنا قال ﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾ وأعطانا ما هو الخير في الزاد، قال ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾. تقوى الله ﷻ.

موت الصحابي معاذ بن جبل -رضي الله عنه-

وفي آخر الليل ونهاية السحر تنزل المنية بالصحابي العالم البحر معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وأرضاه، فقال لابنه: انظر هل طلع الفجر؟

فقال له ابنه: لا، لم يطلع الفجر.

ثم قال له بعدها: انظر هل طلع الفجر.

فقال: نعم.

فقال معاذ -رضي الله عنه-: اللهم إني أعوذ بك من ليلة صباحها إلى النار، اللهم إني أعوذ بك من ليلة صباحها إلى النار.

الصحابة الكرام الصالحون كانوا من خشية ربهم مشفقون.

موت الصحابة الكرام

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- عندما مرض بكى واشتد بكاؤه فسئل: لم تبكي؟

فقال -رضي الله عنه- لا أبكي على دنياكم هذه، لكن على ماذا تبكي؟ قال: ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، ولكني أبكي على بعد سفري بعد الموت، السفر طويل.

حياة البرزخ طويلة، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار، ولا أدري إلى أيهما يؤخذ بي.

الله أكبر، لا تصل حينها عن الحسرات، لا تصل حينها عن السكرات، وتمنى الرجوع للدنيا لعمل الصالحات الباقيات.

لكن لا رجوع هنا ولا توبة ولا عملا ولا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا قربات.

سكرات الموت

تبدأ بعدها عملية نزع الروح بكربها ومرها، فلا إله إلا الله «إن للموت لسكرات» قالها حبيبكم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-،  وقالها حبيب رب العالمين.

في ذلك الحين يعرق الجبين ويظهر الأنين، ويشتد الحنين. في ذلك الحين يتغير اللون، وييأس اللسان، وتتشنج الأصابع، ويقف شعر الجلد، ويتحشرج الصدر، ويشخص البصر.

في ذلك الحين يتوقف كل شيء، انتهى كل شيء عند الإنسان، انتهت الدنيا بآمالها، بببهارجها، بمياهها، بمتاعها انتهت، تركها ورحل.

فلا قلب، ولا عرق ينبض، ولا عقل يدبر ويفكر، سكن الجسد المسجى، فلا حس بعدها ولا خبر ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ | إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾.

سيأتي أجلي، وسيأتي أجلك أيها الإنسان، إذا جاء أجلك أيها الإنسان اغمضوك، وغسلوك وكفنوك، وحنطوك، وللصلاة قدموك، وعلى الأكتاف حملوك، ثم في قاع اللحد دفنوك كأنك لم تكن شيئا على وجه الأرض.

اللهم أحْسِن خاتمتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا

وهنا يا إخواني؛ خطبة عن الموت مكتوبة وكاملة ومختتمة بدعاء مؤثر

الخطبة الثانية

الحمد لله؛ وصلاة وسلامًا على رسول الله…

عباد الله؛ يقول الحق ﷻ في كتابه العزيز ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾.

عاش فلان أكثر من ستين عاما، لكن قبل الستين عاما أين كان؟ في عالم البرد، لم يكن شيئا موجودا على ظهر الأرض.

وبعد الموت انتهى، ذهب إلى عالم البرزخ، لم يكن موجودا، كأنه لم يكن موجودا على وجه الأرض.

إذا جاء أجلك أيها الإنسان بُكي عليك، وترحم عليك لكن قُسمت أموالك، وسكنت ديارك، ووسعت أموالك، ونُسيت أطلالك، ومحيت آثارك، وبقيت أنت مجندرا في قبرك مع أمانيك، مرتهنا بعملك الذي عملت في ماضيك، ليس لك إلا ما سعيت ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى | وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى | ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى﴾.

نسأل الله ﷻ أن يجازينا ويجازيكم الفردوس الأعلى.

وهنا نكون قد وصلنا إلى ختام صفحتنا هذه، والتي وفَّرنا لكم خلالها خطبة عن موت الصالحين. ألقاها الشيخ علي بيطار. وهذه أيضًا خطبة عن هادم اللذات. نسأل الله الحليم الكريم ﷻ أن تنتفعوا بكل ما جاء فيها.

أضف تعليق

error: