خطبة حول عناية الإسلام بالوالدين وحُسن البرّ بهما – مكتوبة

خطبة حول عناية الإسلام بالوالدين وحُسن البرّ بهما – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • أمرنا الله ﷻ ببرّ الوالدين وعدّ ذلك من أعظم القربات، التي يتقرب بها المسلم بعد عبادة الله ﷻ وحده.
  • من أعظم مظاهر البرّ بالوالدين وأداء الشكر لهما وتكريمهما هو الحفاظ على حياتهما وتجنيبهما التعرض للمخاطر.
  • من البر بالوالدين الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) لما يحمله هذا الدعاء من تليين قلوب الوالدين نحو أولادهم.

الخطبة الأولى

أمر الله ﷻ الأولاد بإكرام الوالدين والإحسان إليهما وبرّهما، وقد ربط الله ﷻ شكره بشكر الوالدين فقال ﷻ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ لقمان:14.

فالولدان هما سبب وجود الأولاد في هذه الحياة الدنيا، يرعيان أطفالهم حتى يكبروا ويشتد عودهم، ليقبلوا على الحياة ويواجهوا تحدياتها، وقد أمر القرآن الكريم التوصية بالوالدين والإحسان إليهما بعد أن يكبرا وتضعف قوتهما، ويصبحان بحاجة إلى العون والمساعدة، فيرد لهما الأولاد جزءاً يسيراً من المعروف قال ﷻ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء: 23–24.

وَلَمَّا كَانِ لِلأَبَوَيْنِ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيْمُ فَإِنَ رَسُولً اللهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ عَدَّ بِرَّهُما في مَرتَبَةٍ عَالِيةٍ، وَجَعَلَهُ قُربةً إلى الله ﷻ بَعْدَ الصَّلاةِ وَقَبْلَ الْجِهادِ، يَقُولُ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «سألْتُ رَسُول َ الله ﷺ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُ إِلى اللهِ تَعالى؟ قال: الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها، قُلتْ ثُمَ أَيَّ؟ قال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَ أَيَّ؟ قال: الْجِهادُ فِي سَبيلٍ اللهِ» ← متفق عليه.

وبِرُّ الْوَالِدَيْنِ إنما هُو خُلُقُ الْأَنْبِياءِ عَلَيْهُمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَهَذا نوحٌ عَليِهِ السَّلامِ، يَرْفَعُ يَدَيهِ إلى السَّماءِ دَاعِيًا فَيَقُولُ: ﴿ربِّ اغْفِر لِي وَلِوالديَّ﴾ نوح: 28، وعِيسى عَلَيْهِ السَّلامِ يَقُولُ: ﴿وبَرَّاً بِوالدتي وَلَمْ يَجْعلْنيِ جَبَّارًا شَقِيًا﴾ مريم:32، وَإسْماعيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ لِأَبِيْهِ: ﴿يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤمَرُ﴾ الصافات:102.

والحق أن من أعظم أنواع البرّ بالآباء والأمهات في زماننا إنما يكون بالحرص على عدم إلحاق الأذى بهم، وتعريضهم لمخاطر الأوبئة والأمراض التي انتشرت في العالم، فإذا كان الإنسان مؤتمناً ومسؤولاً عما استرعاه الله ﷻ، فكيف بالوالدين وبرهما، يقول النبي ﷺ: «ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← متفق عليه.

ولا ريب أن العالم اليوم يتسابق بكل ما أوتي من قوة ليحافظ على أبنائه من كل المكائِد والمخاطِر، وإن أهم وسائل الانتصار على كل هذا هو المحافظة على آبائنا وأمهاتنا وكبار السنّ لأنهم من صُلب قوام المجتمع، فإن ذلك من أعظم أنواع التكريم لهم، قال الله ﷻ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ النساء: 36.

فمن صور تكريم الوالدين، والحفاظ على حياتهم وتوجيههم ومساعدتهم الأخذ بالأسباب التي تحميهم من الأمراض، وتحافظ على صحتهم وسلامتهم وصحة المجتمع وسلامته من انتشار الأمراض والأوبئة، فإن الشفاء من الداء يحتاج إلى دواء وقد قال ﷺ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِنْ أَصَابَ الدَّاءَ الدَّوَاءُ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ← المستدرك على الصحيحين.

ومن الواجب علينا أن نؤدي جزءاً من حقوق آبائنا وأمهاتنا وكبار السنّ فينا، أولئك الذين سهروا الليالي الطوال على رعايتنا صغاراً، فهذه الأمّ الحنون التي حملت وليدها كُرها ووضعته كرهاً وعانت آلام مخاض الولادة، ثم هي لا تنام إن مرض طفلها بل إن شعورها بألم طفلها أعظم من ألمه بمرضه.

وأما الوالد الحاني الذي بذل وافنى حياته في العطاء والتربية فهو كالوالدة شفقة ورحمة بأولاده؛ لأنهم قد خرجوا من صلبه، ولذلك يحبهم حتى لو ظهر منهم عقوق، لأن الولد جزء وقطعة من أبيه، فيحن للجزء منه.

إنّ حقّهم علينا تجنيبهم التعرض للعدوى بالأمراض أو الإصابة بها إن كان بالإمكان ذلك ويكون ذلك بالمحافظة عليهم وتوفير أسباب الرعاية والعلاج المناسب وأسباب الوقاية والمناعة، قال ﷻ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأحقاف: 15.

وهذا دليل على حسن الصحبة والمعاشرة الطيبة بين الأولاد ووالديهم، التي أمرنا بها النبي ﷺ، وقد سُئل النبي ﷺ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» ← متفق عليه.

وقال رجل لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا طلقة من طلقاتها.

⬛️ وهنا أيضًا: خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة ومعززة بما يلزم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

إنَّ برّ المسلم بوالديه، هو انعكاس لحسن التربية التي نشأ عليها الأولاد في ضوء التربية القرآنية، والتوجيهات النبوية الشريفة، حيث قرن النبي ﷺ بين تعظيم الله ﷻ وإجلاله، وبين إجلال وتعظيم كبار السنّ، لما لهم من مكانة عظيمة، وبركة عميمة، وعدّ التقصير في إجلال كبار السنّ تقصير في أداء الكمال الذي يطلبه الله ﷻ من الإنسان. وقد قال ﷺ: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم» ← سنن أبي داود.

إنّ الواجب يقتضي علينا أن نؤدي جزءاً من حق آبائنا وأمهاتنا وكبار السنّ فينا، من خلال تجنيبهم التعرض لآلام المتاعِب الأمراض، أو الإصابة بها، وهو دليل على حسن الصحبة والمعاشرة الطيبة بين الآباء والأبناء، التي أمرنا بها النبي ﷺ. كما قال ﷺ: «من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا فليس منا» ← سنن أبي داود، فحقوق كبار السنّ علينا أمر عظيم، ولا بدّ أن نراعيها في تعاملنا معهم.

ولا تنسوْا ملازمة الاستغفار، قال ﷺ: «من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ← سنن أبي داود، وخاصة الالتزام بسيد الاستغفار ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء: 87.

والحمد لله رب العالمين..

⬛️ وختامًا؛ هنا: خطبة جمعة قصيرة عن الإحسان إلى الوالدين «مكتوبة وجاهزة»

أضف تعليق

error: