خطبة ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ مكتوبة

خطبة ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ مكتوبة

عناصر الخطبة

  • المسلم بريء الذمة أمام الله ﷻ وأمام الناس من كل عمل لا يد له فيه، فلا يتحمل وزرَ أو إثمَ غيره.
  • إن من تعاليم هذا الدين نبذُ العصبية الجاهلية من القلوب والنفوس، وإقامة العدل بين الناس ونشر الخير.
  • إن من منتهى العدل بين الناس عدم ظلمهم والاعتداء عليهم بجريرة غيرهم، مادياً كان أو معنوياً، وعدم زعزعة الأمن وترويع الأهالي والمجتمعات.
  • الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فهو يلين القلوب ويؤلف بينها.

الخطبة الأولى

من رحمة الله ﷻ بالعباد أنه يعاملهم بفضله ورحمته فيثيب المحسنين منهم  ويضاعف لهم في الأجور ويمهل المسيئين ليعودا إليه فيتوبوا ويتجاوز عنهم، كما إنه سبحانه جعل أجور المؤمنين تتعدى إلى غيرهم من الناس فتعمهم وتشملهم، فالمُحسن يشفع للمسيء، والمؤمن يرفع درجة أهله وأصحابه، والشهيد يشفع لأهل بيته، وكل ذلك من فضل الله ﷻ ورحمته على الناس، قال ﷻ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور:21، فالعلاقة بين المؤمنين هي علاقة تراحم وإحسان، وشفاعة، وتعميم للنفع بينهم في الدنيا والآخرة لتسود أجواء المحبة والتعاون والوئام في المجتمع.

وأما السيئات والمعاصي، فإن الإنسان لا يتحمل جريرة ولا خطيئة غيره ما لم يكن له يد فيها، أو تسبب بإشاعتها بين الناس، فإن مثل هؤلاء ينطبق عليهم قول النبي ﷺ: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

فالأصل في المسلم أنه بريء الذمة من كل عمل لا يد له فيه، فلا يتحمل وزره أو إثمه، يقول الله ﷻ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) الزمر: 7، وقد أكّد الله ﷻ هذه الحقيقة في خمسة مواضع في القرآن الكريم، وعبّر سبحانه عن هذه المسؤولية بلفظ (الوزر) ومعناه الحمل الثقيل الذي يأتي به صاحبه يوم القيامة فيُسأل عنه ويحاسب عليه، فلا يجوز تحميل إنسان حمل غيره من الأثقال، أو ذنباً هو لم يرتكبه.

وقد فضح الله ﷻ كذب المشركين الذين أرادوا التمويه وخداع المؤمنين بأنهم سيتحملون خطاياهم وأوزارهم عنهم إن هم تركوا الإسلام، وانقلبوا على أعقابهم، وبين أنهم أعجز من تحمل أوزار غيرهم، وأضعف من احتمال أثرها، وهم مع ذلك سيتحملون عقوبة إضلالهم للناس ودعوتهم إلى الكفر والكذب على الله، فقال الله ﷻ فيهم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) العنكبوت: 12.

هذا هو المنهج الرباني الذي يأمر الناس أن لا تحمل بعضها أوزار بعض فلا يتحمل الإنسان ذنباً ارتكبه قريبه أو أخوه، أي أحد أفراد عائلته أو عشيرته، فإن الجناية التي يرتكبها الإنسان لا تقع إلا عليه، وقد كان من آخر ما أوصى به النبي ﷺ في حجة الوداع أن قال: «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكُم حرامٌ كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكُم هذَا، في شَهرِكم هذا، ألا لا يجني جانٍ إلَّا على نفسِهِ، ولا يَجني والِدٌ على ولدِه، ولا ولدٌ على والدِه، ألا إنَّ المسلِمَ أخو المسلِمِ» ← سنن الترمذي.

ففي هذه الوصية النبوية الجامعة يبين النبي ﷺ أنه لا يحلِّ لأحد من المسلمين التعامل مع الناس بمنطق الانتقام والعصبية الجاهلية في تشتيت أمر الأمة والاحتكام إلى البطش بالآخرين من خلال الجناية على من لا ذنب له حتى وإن كان ولده أو أباه، فإن الجزاء لا يقع إلا على الجاني وحده، وقد أكد النبي ﷺ هذا الحكم الشرعي في أكثر من موضع، وشدّد عليه خاصة أن الناس في الجاهلية كانوا يحتكمون إلى الثأر فيما بينهم، ويعتدون على أموال بعضهم ودمائهم وأعراضهم، فجاء الإسلام ليزيل أثار العصبية الجاهلية من القلوب والنفوس، ويقيم العدل بين الناس وينشر الخير والتسامح.

فعن أبي رمثة رضي الله عنه قال: انطلقتُ معَ أبي نحوَ النَّبيِّ ﷺ ثمَّ إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لأبي ابنُكَ هذا؟ قالَ: إي وربِّ الكعبةِ. قالَ: حقًّا؟ قالَ: أشهَدُ بِهِ، قالَ: فتبسَّمَ رسولُ اللَّهِ ﷺ ضاحِكًا من ثبتِ شبَهي في أبي ومن حلِفِ أبي عليَّ ثمَّ قالَ: أما إنَّهُ لا يَجني عليكَ ولا تَجني عليهِ، وقرأَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} سنن أبي داود.

فأراد النبي ﷺ تأكيد صلة القرابة بين أبي رمثة وابنه مع وضوحها لشدة الشبه بينهما، ليس تكذيباً لأبي رمثة رضي الله عنه، ولكن للوصول إلى النتيجة التي يريدها النبي ﷺ وهي أن صلة القربى وارتباط الدم، والشكل واللون، لا يبيح الاعتداء على الناس لأنه من الظّلم الذي نهى عنه الله ﷻ وحرمه بين الناس، وقد ضرب الله ﷻ لنا مثلاً من قصة سيدنا يوسف عليه السلام حين طلب إخوته أن يُسجن أحدهم مكان من وجد صواع الملك في رحله، فقالوا كما ذكر الله ﷻ: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف: 78، فكانت الإجابة من سيدنا يوسف عليه السلام بالامتناع عن ذلك والإعراض عنه، لأنه نوع من الظلم الذي سيقع على إنسان بريء لم يرتكب ذنباً ولا إثماً، قال ﷻ: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ) يوسف: 79.

ولذا فقد نهى الإسلام عن معاقبة غير الجاني بإخراجه من مسكنه بما يسمى بالجلوة العشائرية والاعتداء عليه أو ترويعه او هدم بيته او حرقه، فكل ذلك ليس من الإسلام في شيء، لما يترتب على ذلك من آثار سلبية على المجتمع كله وعلى الأطفال على وجه الخصوص.

⬛️ وهنا خطبة: طاعة وليّ الأمر – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: إن حكم الله ﷻ بعدم ظلم العباد والاعتداء عليهم بجريرة غيرهم لهو منتهى العدل بين الناس شامل لجميع تعاملاتهم، بل إنه يتعدى ذلك ليشمل جميع مكونات الحياة وعناصرها التي سخرها للإنسان، فحتى النملة الصغيرة، تلك الحشرة التي لا قيمة لها في ميزان كثير من البشر، ولكنها عند الله ﷻ ذات شأن لأنها خلق من خلقه وصنعه الحكيم سبحانه وتعال، فالله ﷻ يعاتب نبياً من أنبيائه لأنه عاقب قرية من النمل بفعل واحدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: « نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فأمَرَ بجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِن تَحْتِهَا، ثُمَّ أمَرَ ببَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بالنَّارِ، فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً واحِدَةً » ← متفق عليه.

فإن كان هذا العتاب من الله ﷻ لنبي من أنبياءه في نملة صغيرة، فكيف بمن يعتدي على الإنسان البريء الذي كرمه الله ﷻ ورفع قدره وشأنه دون مراعاة لتلك الحرمة الإنسانية، أو الالتزام بالأوامر الإلهية.

فيجدر بالمسلم الحرص على أمن وطنه وأهله ومجتمعه، من خلال الأمر بالمعروف، والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى، والنهي عن المنكر والظلم، وقد قال ﷻ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل: 90.

الحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: