خطبة في توقيت هام.. بعنوان: حسن الظن بالله في وقت الأزمات والشدائد

خطبة في توقيت هام.. بعنوان: حسن الظن بالله في وقت الأزمات والشدائد

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، محقق وعده لعباده المؤمنين، ومجيب دعوة الداعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العزة جميعا والنصر والتمكين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسخ الناس في الإيمان وأعظمهم في اليقين، وعلى آله وصحبه وأتباعه المؤمنين الصادقين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-؛ فمن اتقاه أعطاه، وإذا استكفاه كفاه، وكان في جيرة نبيه ومصطفاه، وإن من بشارات ربكم لكم قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن هناك علاقة عظيمة بين عباد الله وربهم، تلك العلاقة هي أعظم العلاقات، وأجل العهود والصلات، فإذا حسنت تلك العلاقة حسن كل شيء، ونزلت على المخلوق السكينة، وغشيته الرحمة، وحفته الملائكة، وكان عند الله من المذكورين، وفي السماء من المعروفين، وفي الأرض من المقبولين، وإن ربنا تبارك وتعالى قد جعل الحياة الدنيا قائمة على تغير الأحوال، فلا تدوم على حال، ولا تستقيم هذه الحياة إلا بالانتقال من حال إلى حال، بين شدة ورخاء، وسراء وضراء، وصحة ومرض، وغنى وفقر، وطفولة وشباب وكهولة وشيبة، وسلم وحرب، ولولا هذه الشدائد والمحن لما استطاع الإنسان أن يتعلم ويتجاوز تلك الأزمات، فالمرض هو الذي جعل الإنسان يخترع الدواء.

والفقر هو الذي يجعل الإنسان يعمل ويكدح ويجد ويجتهد حتى يستغني، وبذلك يعمر هذه الأرض، وإذا استغنى تذكر الحال التي كان عليها في فقره، وتذكر حاجته فكان في عون المحتاج، وهذه الأنواء وما تخلفه تجعل الإنسان يبتكر ما يعينه على مواجهتها وتقليل أضرارها، وهذه الحروب مع ما فيها من مآس وشدائد تجعل المسلم يتضامن مع أخيه المسلم ويعينه بما استطاع من مال وطعام وشراب وعلاج وتخفيف الضغط عنه ومناصرته بالقول، وعندها يتحرك شعور الأخوة في الدين والإنسانية الذي قد يضعف أحيانا، فتقويه مثل هذه الشدائد.

ولذلك قال القرآن في مثل هذه الشدائد: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، وقال جل جلاله : (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).

فإن إعراض العبد -عباد الله- يكون معه إعراض المعبود، وعندها ترتفع السكينة، وتذهب الطمأنينة، ويفوت طيب الحياة الذي يكون مع الإيمان والعمل الصالح، ويتلاشى الرضا، وإذا تلاشى الرضا حل مكانه السخط من كل شيء ولو كانت أسباب السعادة الظاهرة موجودة، ليكون ما أخبر عنه الحق تبارك وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، وميزان تلك العلاقة التي تكون بين العباد ومعبودهم حسن الظن بالله، وهو رأس كل خير، فمن ظن بالله خيرا وجد خيرا، وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي عن ربه: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي))، فإذا استغفر غفر الله له، وإذا دعا أجابه، وإذا استكفاه كفاه، وإذا سأله أعطاه.

أيها المؤمنون: إن القنوط ليس من الإيمان في شيء، بل إن القنوط من أحوال الضالين، ومن صفات الكافرين؛ فقد قال الحق جل جلاله على لسان إبراهيم عليه السلام: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)، وقال على لسان يعقوب عليه السلام: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، وأما المؤمن فخلقه حسن الظن بالله، واليقين بتحقيق وعد الله، والذي يبدأ من القلب، ويظهر في العمل.

ومن حسن الظن بالله في هذه الأحداث التي تقع بأرض الإسراء الوقوف مع إخواننا في تلك الأرض المباركة بالتخفيف عنهم، ومواساتهم بما نستطيع من أموالنا؛ فإن الضائقة التي تمر بهم في غاية الشدة، وفي مثل هذه المواضع يكون التعاون، وقد أمرنا ربنا فقال لنا: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى)، ومن حقهم علينا الدعاء لهم بالنصر والتمكين وحفظهم وحفظ أولادهم وأموالهم وديارهم؛ فإن الدعاء باب عظيم من أبواب البر والإحسان.

ومن حسن الظن بالله إيماننا بنصر الله، وأن الله يريد بذلك خيرا كثيرا لهذه الأمة، وأن هذه الحال لن تدوم؛ فالعسر يعقبه يسر، والضراء تأتي بعدها السراء، والشدة وراءها الرخاء، ولن يكون إلا ما أراده الله (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)، وكيف لعبد أن يسيء الظن بالله وهو يسمع قول ربه له: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⇐ وهذه أيضًا خطبة مكتوبة عن موضوع: حسن الظن بالله «تعالى».. صوره وقيمته

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وعلى آله وصحبه وأتباعه الراشدين المحسنين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن من حسن الظن بربنا يقيننا بتحقيق وعده لنا بالاستخلاف في الأرض، وتمكين ديننا الذي ارتضاه لنا، وتبديله بالخوف أمنا وبالبلاء عافية، وتأييده بالنصر المبين لعباده المؤمنين، تحقيقا لقوله وهو أصدق القائلين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وقد يرى المؤمنون من قوة عدوهم الظاهرة وبطشهم وظلمهم ما يجعل اليأس يتسلل إلى بعض القلوب من أن النصر بعيد أو قد لا يأتي، فجاء بعد آية الوعد ما يقطع هذه الوساوس ويشتت تلك الظنون، فقال الله ﷻ: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

وما أحوج الأمة في هذه الأيام إلى تعميق حسن الظن بالله، والتذكير بهذه العبادة الجليلة، وما أشد احتياجنا إلى زيادة اليقين بتحقيق وعد الله والأمة تمر بما تمر به في أرض الإسراء وغيرها من البقاع، حيث يؤذى المسلمون وينال منهم، ويقتل من يقتل منهم من غير تفريق بين محارب ومسالم، وصغير وكبير، ورجل وامرأة، فكانت إبادة جماعية من المحتلين الغاشمين وأعوانهم على ظلمهم وعدوانهم.

وإن مما يسري عن النفس ويخفف عنها قول الله ﷻ: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ)، والنصر من عند الله، وحق على من عنده النصر أن يجعله لعباده (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: