خطبة: اليقين برحمة الله ﷻ – مكتوبة

خطبة: اليقين برحمة الله ﷻ – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • اليقين هو الإيمان، وبثبات اليقين يثبت الإيمان، وبزواله يزول، وباليقين بالله ﷻ يطمئن قلب المؤمن فيصبح إيمانه راسخاً لا يتزعزع أبداً.
  • الله هو الرحمن الرحيم، رحمته ﷻ عظيمة دائمة لا تنقطع، ولذلك وصف نفسه ﷻ بهاتين الصفتين في (بسم الله الرحمن الرحيم) ليظل يقين المسلم برحمة الله ﷻ متمكناً في قلبه ظاهراً وباطناً، في السراء والضراء.
  • المسلم بحاجة لرحمة ربه ﷻ في الدارين، وبرحمة الله ﷻ يدخل الجنة. فالواجب علينا أن نلجأ إلى ربنا بالدعاء ليرحمنا برحمته فيكشف الغمة عن هذه الأمة، ومن باب اليقين والتوكل على الله ﷻ الاخذ بالاحتياطات والتدابير الصحية والتباعد ولبس الكمامات.
  • من علامات محبة الله ﷻ لعباده أنه يبتليهم ليذكروه ﷻ في كل حال، ومن هذا الذكر دعاء يونس عليه السلام (لا إله إلاّ انت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإن محبة يونس عليه السلام لربه أنه لجأ إليه وهو في ظلمات ثلاث.

الخطبة الأولى

من أهم ميزات شخصية المسلم أنه إنسان مؤمن واثق بربه ﷻ، مستسلم لإرادته، راضٍ بقضائه، فهو ﷻ القاهر فوق عباده، يقدّر الأمور بحكمته، بيده ملكوت السموات والأرض، ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ سبأ:3–4.

لذلك نرى المؤمن مطمئن البال، يُحسن الظن بربه ﷻ، لأنه يعلم أن كل أمر من الله إنما هو لتربيته وتقويمه، فإن الربّ هو المُربي للنفس والروح والبدن، لذلك فإن كل ما يأتي به الله ﷻ خير، سواء أكان ظاهراً أم باطناً، فنرى المؤمن الحق إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وليس ذلك إلاّ للمؤمن، يقول النبي ﷺ: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» ← صحيح مسلم.

وما أحوجنا في هذه الأيام أن نستشعر ضعفنا وحاجتنا إلى الله ﷻ فنتواضع لعظمته ﷻ، ونتذلل على أعتاب رحمته حتى يكشف عنا البلاء والغلاء، يقول ﷻ ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ يونس107.

فاللجوء إلى الله ﷻ هو من مظاهر حسن الظنّ بالله ﷻ، وعطاء من عطائه العميم، ورحمته التي وسعت كلّ شيء، يقول النبي ﷺ: «إن الله يقول أنا عند ظن عبدى بي وأنا معه إذا دعاني» ← صحيح مسلم.

وكان من دعاء النبي ﷺ حين رجع من الطائف وقد لاقى من أهلها من الأذى العظيم حتى سالت الدماء من وجه الكريم وقدميه الشريفتين، مناجياً ربه ﷻ: «إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو تحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك» ← السيرة النبوية لابن هشام.

فالله ﷻ هو الرحمن الرحيم الذي ينجي عباده من الهم وينقذهم من الغم، قال ﷻ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ النمل: 62.

يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنفرِجٌ
أبْشِر بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ

إذا بُليتَ فثِقْ باللهِ وارضَ بهِ
إنّ الذي يكشفُ البلْوى هوَ اللهُ

اليأسُ يقطعُ أحياناً بصاحِبِه
لا تيأسنَّ فإنَّ الفارجَ اللهُ

اللهُ حَسْبُكَ مِمَّا عُذْتَ منهُ بهِ
وأين أمنعُ مِمَّن حسبه اللهُ؟!

اللهُ يُحْدِثُ بعْدَ العُسْرِ مَيسرةً
لا تجزعنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ

واللهِ مالكَ غيرُ اللهِ من أحدٍ
فحَسْبُكَ اللهُ في كُلٍّ لكَ اللهُ

إن ثقتنا برحمة الله ﷻ كبيرة عظيمة أن يكشف عنا هذا الغلاء والبلاء، كيف لا وهو ﷻ أرحم من الأم على وليدها، وقد قُدِم رسول الله ﷺ بسبي في غزوة حنين، فإذا امرأة وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله ﷺ: «أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟، قلنا: لا والله، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها» ← متفق عليه.

ولنعلم عباد الله بأن الابتلاء سنة من سنن الله ﷻ في الكون، يواجهه المؤمن بالصبر والثبات والأخذ بالأسباب، وهو من علامات رحمة الله ﷻ بالمؤمنين، يقول النبي ﷺ: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ← صحيح البخاري، ويقول ﷺ: «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُصِبْ منه» ← صحيح البخاري.

فالبلاء على المؤمنين واقع ليكشف قوة إيمانهم ويزيد تعلقهم بخالقهم، فيلجؤون له ﷻ ويظهرون عبوديتهم الخالصة له، ويستشعر المؤمنون مقدار ضعفهم وحاجتهم إلى خالقهم ﷻ ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ الملك: 2.

وهذا سيدنا أيوب عليه السلام حين أحاطت به الخطوب، وعصفت به رياح الأمراض والبلايا، لم يفقد ثقته برحمة الله ﷻ بل كان قلبه عامراً بالإيمان، متسلحاً بالثقة وحسن الظن بمولاه، قال ﷻ: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ الأنبياء: 83– 84.

وسيدنا يونس عليه السلام حين التقمه الحوت في ظلمات البحر، توجه إلى الله ﷻ بالدعاء ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فكانت النتيجة هي النجاة من الغم والكرب الذي وقع به، يقول الله ﷻ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 88.

⬛️ وهنا خطبة: الثقة بالله ﷻ.. شعار المؤمنين

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وبعد:

ينبغي للمؤمن مع كامل ثقته برحمة الله ﷻ، أن يأخذ بالأسباب المادية لدفع الضرر عنه، وألّا يستسلم، وأن يسأل الله المعافاة في دينه وبدنه.

دخل النبي ﷺ على رجل أصابه مرض حتى صار كالفرخ صِغرًا ووهنًا وضعفًا فقال له النبي ﷺ: هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيّاهُ؟ قالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيا فقال ﷺ: «سُبْحانَ اللهِ لا تُطِيقُهُ –أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ– أَفلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ!» قالَ: فَدَعا اللَّهَ له، فَشَفاهُ. صحيح ابن حبان.

فيجب على كل واحد منا الأخذ بكل الأسباب المادية والتدابير الصحية من التباعد ولبس الكمامة وغسل اليدين باستمرار فإن ذلك تعاونا على البر والتقوى.

سائلين الله ﷻ أن يرفع عن أمتنا وعن العالم أجمع شرّ البلاء والغلاء وأن يقينا سيء الأسقام.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: