خطبة: معركة مؤتة – دروس وعبر

خطبة: معركة مؤتة – دروس وعبر

عناصر الخطبة

  • معركة مؤتة في جنوب المملكة قادها ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم، رتّبَ النبي ﷺ قيادتهم : زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فقد نالوا شرف القيادة والترتيب من سيدنا رسول الله ﷺ.
  • من معجزات رسول الله ﷺ أنهم استشهدوا على نفس الترتيب، بعد أن أبلى كل واحد منهم بلاء حسناً في سبيل الله ﷻ، وقد تشرف ثرى الأردن بأجسادهم الطاهرة في موقع المعركة العظيمة.
  • اصطلح الصحابة رضي الله عنهم على سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه ليقود المعركة حتى أضحى اسمه خالداً في الكليات العسكرية العالمية لحنكته في تكتك المعركة، وهذا الاختيار دليل على فقه الصحابة رضي الله عنهم.
  • دلّت معركة مؤتة على وجوب حماية السفراء والقناصل من الاعتداء، تكريماً للإنسان والإنسانية، لأن الإسلام دين الهداية والإنسانية، ودين القوة والعزة.
  • ينبغي الحفاظ على دعاء سيدنا عليه يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) وخاصة في هذه الأيام التي يعاني فيها العالم من وباء يتطلب من الجميع الإكثار من الاستغفار، ومنه دعاء سيدنا يونس عليه السلام.

الخطبة الأولى

بحلول شهر جمادى الأولى من كل عام هجري يستذكر المسلون معركة مؤتة العظيمة التي سطّر أحداثها الصحابة الكرام رضي الله عنهم على أرض الأردن المبارك فخلدها التاريخ بأحرف من نور.

هذه المعركة قادها ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم، رتّبَ النبي ﷺ قيادتهم : زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فقد نالوا شرف القيادة والترتيب من سيدنا رسول الله ﷺ.

ومن اليقين أن هذا الترتيب من معجزات رسول الله ﷺ فقد استشهدوا على نفس الترتيب، بعد أن أبلى كل واحد منهم بلاء حسناً في سبيل الله ﷻ، وقد تشرف ثرى الأردن بأجسادهم الطاهرة في موقع المعركة العظيمة.

وبعد استشهادهم رضي الله عنهم اصطلح الصحابة رضي الله عنهم على سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه ليقود المعركة حتى أضحى اسمه خالداً في الكليات العسكرية العالمية لحنكته في تكتك المعركة، وهذا الاختيار دليل على فقه الصحابة رضي الله عنهم.

لقد جاءت هذه المعركة انتصاراً لمقتل سفير النبي ﷺ الصحابي الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه الذي يتشرف ثرى بلدة بصيرا في محافظة الطفيلة جنوب المملكة بجسده الطاهر، أرسله رسول الله ﷺ إلى هرقل فقتله عامل هرقل على بصرى الشام، شرحبيل بن عمرو الغساني، مما دعا النبي ﷺ إلى أن يجهز جيش مؤتة الأغر حفاظاً على هيبة الدولة من الاعتداء على كرامة مواطنيها، وحمايةً لهم من أن تنالهم يد العدو، فدماءُ المسلمين غالية، وقتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، فكان لا بد من إجراء يعيد الحق لأصحابه ويُشعر بهيبة المسلمين، فلم يكن الدافع وراء غزوة مؤتة الهيمنة والقتل والطمع فيما لدى الآخرين، وإنما من أجل الدفاع عن المبادئ والأخلاق الفاضلة.

دلّت معركة مؤتة على وجوب حماية السفراء والقناصل من الاعتداء، تكريماً للإنسان والإنسانية، لأن الإسلام دين الهداية والإنسانية، ودين القوة والعزة وقد طوى المسلمون المسافات الشاسعة، والقفار القاحلة، لتحقيق هذه الغاية النبيلة، حتى حطت رحال الجيش في منطقة مؤتة التي تروت تربتها بدماء الشهداء من الصحابة الكرام وكان عددهم ثلاثة آلاف مقاتل وهو عدد لم يجتمع للمسلمين من قبل، غير أن هذا العدد الكبير بالنسبة للمسلمين، كان أشبه ما يكون بساقية ماء صغيرة أمام بحر خضم متلاطم الأمواج من جيوش الروم، حيث بلغ عدد مقاتليهم وأتباعهم من العرب ما يقرب من مائتي ألف مقاتل، ولكن جيش المسلمين الذي تربى في مدرسة النبي ﷺ، وخاض الحروب والمعارك، يعلم أن النصر يكون مع الصبر، قال ﷻ: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة: 249.

فتسلح المؤمنون بالصبر، وهم يستشعرون الشهادة، وقد سمعوا من الرسول الكريم ﷺ قوله: «عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرُ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ← مسند الإمام أحمد.

وكانت المهمة أن تطأ خيل المسلمين المكان الذي قُتِل فيه الصحابي الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه فيحفظ المسلمون كرامتهم وترفع معنوياتهم، ولا يتجرأ أحد من الناس عليهم، التقى الجمعان، وقاتل الأمراء الثلاثة حتى استشهدوا جميعاً مقبلين غير مدبرين وحالهم يقول وهو يهتف:

يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا
طَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا

وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا
عَلَيَّ إِنْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ “أَنَّ النَّبِي ﷺ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاس قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ-، حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» ← صحيح البخاري.

إنهم الشهداء الذين نعاهم الرسول الكريم على منبره ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه قال ﷻ: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ الأحزاب: 23.

وظل النبي الكريم ﷺ يراقب هذا المشهد البطولي، حيث استلم الراية سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، فاشتد القتال بين المسلمين والروم، فقال عليه الصلاة والسلام: «الآن حمي الوطيس»، وبسبب حنكة خالد بن الوليد رضي الله عنه، وخبرته العسكرية والتعبوية استطاع أن يعيد تنظيم الجيش، فكانت النجاة لجيش المسلمين رغم كثرة عدد جيش العدو وعتادهم، وهكذا عاد بجيش المسلمين إلى المدينة المنورة، حيث استقبلهم الرسول ﷺ بقوله: «بَلْ هُمْ الْكُرّارُ إن شاء الله» رداً على الذين قالوا: الفرار، وهذا الثناء من النبي ﷺ منقبة لهم تضاف إلى مناقب الصحابة الذين قاتلوا في معركة مؤتة.

⬛️ هنا أيضًا خطبة: قوة الإرادة وثبات العزيمة من مقومات النجاح — دروس من معركة مؤتة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.

بعد استشهاد الصحابة الثلاثة رضي الله عنهم في مؤتة العزة، استشهد كوكبة من الصحابة الاجلاء على تراب الأردن منهم: أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه أمين الأمة، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أعلم الصحابة بالحلال والحرام وشرحبيل وضرار رضي الله عنهما وغيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ الذين ضحوا بدمائهم في سبيل الله ﷻ، لنشر الحق والعدل في الأرض، وإنَّ وجود مقاماتهم في الأردن يشكل حافزاً يدفعنا لبذل المزيد من الجهد للمحافظة على هذا الوطن وأمنه واستقراره، والتضحية لأجله وتحمل المشاق لنظل في برّ الأمان، فلا بد أن نقتفي أثرهم ونهتدي بهديهم وأن نبذل جهدنا وطاقتنا في سبيل نهضة وطننا الغالي، متجاوزين جميع العقبات والمصاعب، من خلال الصبر والثبات والثقة بالله ﷻ.

ومن الثبات والثقة بما عند الله ﷻ ينبغي الحفاظ على دعاء سيدنا عليه يونس عليه السلام: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) وخاصة في هذه الأيام التي يعاني فيها العالم من وباء يتطلب من الجميع الإكثار من الاستغفار، ومنه دعاء سيدنا يونس عليه السلام.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: