خطبة عن فضل الدعاء والاستغفار

خطبة عن فضل الدعاء والاستغفار

غفل الكثيرون عنهما، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهل حان الوقت لتوقِظهم وتُذَكِّرهُم؟! نعم، بواسطة هذه، وهي خطبة عن فضل الدعاء والاستغفار. اجعلها ليوم الجمعة، أو درس عِلم، أو محاضرة فقهيَّة.. المهم أن يصِل محتواها ومقصدها ومرادها للناس.

عناصر الخطبة

  • التوجه إلى الله ﷻ بالدّعاء والاستغفار دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهما من علامات الإيمان.
  • الاستغفار من أعظم أبواب الدعاء، لأنه يرقق القلوب وتصبح قريبة من الله ﷻ، ويبعث في النفس الأمل والرجاء.
  • الدعاء والاستغفار من أسباب مغفرة الذنوب والأوزار.
  • المال الحلال والمطعم الحلال والملبس الحلال من أسباب قبول الدعاء.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

شرعَ الله ﷻ الدّعاء، وجعله قربة من القربات التي تظهر تذلّل الإنسان لله ﷻ وخضوعه وتعظيمه لمن خلقه جلّ شأنه، وجاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تحثّ على الدّعاء، وإنّ من أحسن ما يختم به العبد عامَه هذا أن يكثر من استغفار الله ﷻ عما قصّر فيه من أمور الدين أو الدنيا، ليبدأ صفحة جديدة من حياته مع الله ﷻ، يستقبلها بالعزم على طاعة لله ﷻ وإحسان المعاملة مع الناس والهجرة إليه ﷻ والاقلاع عن الذنب ومفارقة العجز والكسل، والإقبال على العمل والسعي بالتوكل على الله، وليكن شعاره في هذه الحياة «استعن بالله ولا تعجز» صحيح مسلم.

عباد الله: إنّ التوجه إلى الله ﷻ بالدّعاء والاستغفار علامة من علامات الإيمان والرجوع إلى الله، ودليل على رسوخ الإيمان في قلب المؤمن، وذلك لأنّ من طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والمعصية، ولكن المؤمن لا يتمادى في ذنوبه ومعاصيه بل يسارع بالعودة إلى ربه فيتوجّه إليه ﷻ خاضعاً له، محتسباً للأجر عنده، عالماً بأنه مالك الملك ومدبره، فيطلب منه العون والمغفرة، يقول النبي ﷺ «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» سنن أبي داود، والله ﷻ هو الرؤوف بعباده، فهو الذي خلقهم، وهو أعلم بطبائعهم، فمن أتاه مستغفراً غفر له وأنعم عليه بتوبته، يقول النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷻ: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم» صحيح مسلم.

فالدعاء والاستغفار هو أمان من الله ﷻ للناس، لقول الله ﷻ: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ الأنفال: 33.

قال أبو موسى –رضي الله عنه–: “كان لنا أمانان، ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا”.

كما أن الدّعاء والاستغفار من أفعال الملائكة عليهم السلام، فأهمّ وظائفهم التّسبيح والاستغفار والدّعاء للمؤمنين، قال الله ﷻ في ذكر أحوال الملائكة: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ غافر:7.

وأكثر كلام الأنبياء والمرسلين عليهم السلام هو الاستغفار والدعاء الله ﷻ والتوجه إليه، وذلك لمعرفتهم به ﷻ وقربهم منه، فمن كلام سيّدنا نوح عليه السلام عندما دعا قومه أن يستغفروا الله ويرجعوا إليه، فلما لم يستجيبوا وآذوه دعا الله ولجأ إليه، ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ القمر:10، فنصره الله على قومه وأهلكهم بالطوفان.

ودعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أضرمت عليه النيران، فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، فأمر الله النار: ﴿يا نار كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ الأنبياء: 69، ومن دعاء سيدنا أيوب عليه السلام: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ الأنبياء: 83–84، ومن دعاء سيدنا موسى عليه السلام واستغفاره: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأعراف: 151.

وهذا نبينا ﷺ يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» صحيح البخاري.

عباد الله: إن الدعاء والاستغفار والرجوع إلى الله هو لبّ دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنّ في ذلك كمال العبودية لله ﷻ، وإنّ أفضل ما يتقرب به المسلم إلى ربه عند الابتلاءات والمصائب والأمراض هو الدعاء والتعلق بالخالق مع الأخذ بالأسباب المادية والصبر والمجاهدة، والاستغفار من الذنوب والرجوع إلى الله ﷻ، لأن الاستغفار سبب في حصول الخيرات ودفع المصيبات، يُروى بأن رجلاً شكا إلى الحسن البصري جدوبة الأرض: “;فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فقال: ما قلت من عندي شيئاً! إن الله ﷻ يقول في سورة نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ نوح 10– 12”.

إن كثرة الاستغفار والتسبيح تريح النفس وتجلب السكينة والطمأنينة وتدخل على النفس الراحة والسعادة وتزيد صلة المسلم بربه، وتطهر المسلم من ذنبه، كما أنّ الاستغفار يفتح جميع الأبواب المغلقة، كما وتوضح هذه الآية وتبين للمسلم أنّ كثرة الاستغفار يفتح أبواب الرزق، سواء أكان أمولاً أو بنين، كما وترزقه السعادة بالدنيا والآخرة؛ لذلك بجب على المسلم أن يكثر من الاستغفار لله ﷻ ويداوم عليه ويرطب لسانه به، بدلاً من التذمر والخوف من قلة الرزق والأموال وانسداد أبواب الرحمة أمامه.

عباد الله: إن من أهم شروط قبول الدعاء هو إخلاص النية في الدعاء، وأن يُطيب الداعي مأكله بأن يكون من رزق حلال، فالمال الحرام حجاب بين العبد وربّه ومانع من إجابة دعائه، يقول النبي ﷺ: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم﴾ المؤمنون: 51، وقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾ البقرة: 172، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» صحيح مسلم.

ومن الآداب المهمة في دعاء الله ﷻ واستغفاره وطلب الدعاء منه: حضور القلب وخشوعه وكثرة التّضرّع إلى الله ﷻ، لقوله ﷻ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ الأعراف:55، فالله لا يستجيب دعاء من عبدٍ لا يعي عظمة من يدعوه، ولا يقدّر الله حقّ قدره.

ومن هذه الآداب أيضاً التيقن من استجابة الدعاء وحسن الظنّ بالله، والاعتقاد أنّ الله لا يخذل من لجأ إليه، ففي الصحيحين أن النبيّ ﷺ قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي» صحيح البخاري.

وقال ﷺ: «إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت وليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» صحيح البخاري.

وقال ﷺ لا يقل أحدكم إذا دعا: «اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فليعزم المسألة: فإنه لا مكره له» صحيح البخاري.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: ونحن على مشارف عام قد رحل، واستقبال عام جديد، حريٌّ بنا أن نتذكر رحلة الإنسان في هذه الدنيا، وأن نتذكر بأن لكل بداية نهاية، ولكل أجل كتاب، وإن الزمان لا ينتظر أحد:

تفتُّ فؤادك الأيام فتّا
وتنحت جسمك الساعات نحتاً

وتدعوك المنون دعاء صدق
ألا يا صاحِ أنت أريد أنتَ

فحريّ بنا في نهاية العام أن نتذكر دورة الزمان التي لا تتوقف، وأن العمر لا بد أن ينقضي كما انقضى هذا العام، وإننا على موعد مع حياة جديدة، كما هو العام الجديد الذي ننتظره، وقد ورد عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه– أنه كان يدعو الله ﷻ: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ، وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ”، فلا بدّ لنا في هذه الأيام أن نواظب على الاستغفار والدعاء لله ﷻ، أن يتجاوز عمّا قدمنا في عامنا الفائت، وأن يجعل العام القابل عام خير ورحمة وبركة.

وقد علمنا نبينا ﷺ سيّد الاستغفار، فحريّ بنا أن نتعلمه وأن نواظب عليه: فعن شداد بن أوس –رضي الله عنه– عن النَّبي ﷺ قال: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» صحيح البخاري، وهو أفضل الاستغفار؛ لأنَّه يبدأ بالثّناء على الله ﷻ، ثمَّ الاعتراف بالذّنب، ثمَّ سؤال المغفرة منه ﷻ وحده لا شريك له.

والحمد لله ربّ العالمين

المزيد من الخُطَب ذات الصِّلة:

أضف تعليق

error: