خطبة ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا﴾ – تمعُّن في هذه الآية الكريمة

خطبة الجمعة مكتوبة , فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا

وفي رِحاب الآية الكريمة العظيمة من كتاب الله ﴿فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾؛ تدور خطبة الجمعة لهذا الأسبوع. وأعتقد أنكم علمتم فحوى الخطبة قبل أن نبدأها، وهي عن فضل الاستغفار وأهميَّته في تيسير حياة المسلم في الدنيا والثَّواب والأجر الكبير الذي يحصل عليه في الآخرة عند لِقاء ربه ﷻ.

ما رأيكم! دعونا من كثرة الحديث في المُقدِّمات، ولنبدأ الآن، وفورًا، بالاطلاع على الخطبة؛ ولتُخبرونا برأيكم في عنوانها ومحتواها، عبر التعليقات أدناه، نتوق لذلك كثيرًا.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الكبير المُتعال؛ الولي الحميد؛ الحي الذي لا يموت، الدائم الذي لا يفوت. نحمده على هدايته وكفايته، ونشكره على إحسانه ورعايته؛ سبحانه الذي خلق الخلق ورزقهم وعافاهم، وهداهم لما يصلحهم ووقاهم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

الاستغفار طلب المغفرة من الله ﷻ، ومعنى قوله ﷻ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [سورة نوح 10]، أي سلوا ربكم أن يستر عليكم ذنوبكم، ليغفرها لكم ويعيينكم على طاعته، ويحفظكم من المعاصي ظاهراً وباطناً، والأمر بالاستغفار يقتضي الوجوب فعلينا أن نستغفر الله ﷻ من كل ذنب ومعصية، فيقبل توبتنا ويغفر لنا ويعيننا على الصدق فيها، وأن يمحو بفضله ذنوبنا ويرفع عنا وعن المسلمين البلاء ويمن علينا بالعطاء.

لقد ارسل الله ﷻ رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام بالحق لدعوة الناس الى عبادة الله ﷻ وتعظيم أمره والإنابة والرجوع إليه، قال ﷻ: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [سورة هود: 90]، فإذا وقعنا في الخطأ والذنب كبيراً كان أم صغيراً، فان أبوابَ رحمة الله ﷻ وفضله مشرعةٌ لعباده الذين يهرعون الى رحاب رحمته الواسعة بالتوبة والاستغفار والندم والاعتذار.

قال الشافعي رحمه الله:

وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما

تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ
بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما

فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل
تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما

فما أعظم الاستغفار وما أجل رتبته وما أوسع أبواب الخير والعطاء التي يفتحها الاستغفار؛ فمن أراد المغفرة فعليه بالاستغفار، ومن أراد الغيث فعليه بالاستغفار، ومن أراد السعة في الرزق فعليه بالاستغفار، ومن أراد الولد والذرية الصالحة فعليه بالاستغفار، ومن أراد خيرات الدنيا والاخرة والسعادة فيهما فعليه بالاستغفار، قال ﷻ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [سورة نوح:10،11،12].

وقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله ﷻ أن رجلاً شكا إليه الجدب، فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر وقلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع بن صبيح : اتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فتلا قوله ﷻ: ﴿فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [سورة نوح: 10].

ومما لا ريب فيه أن أقرب الناس لرحمة الله ﷻ ومغفرته أكثرهم استغفاراً وهذا دأب الانبياء عليهم الصلاة والسلام مع علو قدْرهم وعصمتهم من الذنوب والآثام ودأب الصالحين من عباد الله ﷻ ، وإن الناظر في سيرة الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان سيجدُ الاستغفار حاضراً في دعائهم واستسقائهم وفي كل شؤونهم، قال ﷺ: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً» — رواه ابن ماجه والنسائي.

وهذه أيضًا يا أحباب: خطبة عن الاستغفار «مكتوبة جاهزة»

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

إن الاستغفار ينقي القلب مما علق به من شوائب الذنوب والمعاصي، والمؤمن حريص على تحلية نفسه بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، مع شعوره بالافتقار والاستسلام والحاجة الى الله ﷻ الذي يدبر أمور العباد، ويرزقهم من السماء والأرض.

لقد أرشدنا النبي ﷺ الى سيّد الاستغفار وهو الدعاء الذي من قاله في الصباح موقناً به فمات دخل الجنة، ومن قاله في المساء موقناً به فمات دخل الجنة، وهو: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» — صحيح البخاري.

فنسأل الله ﷻ أن يفتح علينا من بركات السماء والارض، وأن يغيث قلوبنا وأرواحنا وبلادنا، بسقي عطائه وسحائب فضله وانعامه إنه هو الجواد الكريم.

ولا تنسوا قول النبي ﷺ: «خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» — رواه الترمذي.

وقال ﷺ: «من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح» — رواه أبو داود.

وصَلّ اللهُم على نبينا محمد، النبي المختار، وعلى آله وصحابته الأبرار، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

الآن، أستطيع القول أنني قد فرغت من خطبة اليوم؛ والتي كانت في رِحاب الآية الكريمة ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا﴾. والتي تناولنا من خلالها من جاء فيها من إرشاد بليغ إلى مدى الفضل والثواب والأجر الذي يناله المسلم من استغفاره ربه ﷻ.

أضف تعليق

error: