خطبة: التحذير من الفساد والمعاصي

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة الجمعة , التحذير من الفساد والمعاصي , خطب مكتوبة

ومع الكثير من الصَّد يجب أن يكون هناك رَدّ. ولذلك نعمل كثيرًا على توفير خُطب جمعة التي تُحذر من الفساد والمعاصي. فهذه واحِدة؛ وفي نهاية هذه الصَّفحة سنوفر لكم المزيد منها. فما رأيكُم بمتابعة الاطلاع؟!

عناصر الخطبة

  • من مقاصد الشريعة الإسلامية نشر الخير والفضيلة والقضاء على الفساد والمعاصي.
  • الإصلاح مهمة الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من عباد الله الصالحين.
  • الآثار الخطيرة لانتشار الفساد والمعاصي في المجتمع.
  • التصدي لمظاهر الفساد والإفساد في المجتمع والتحذير منها.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، نحمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المتقين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ونشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ﷺ أدّى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمّة وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب: 70-71.

الخطبة الأولى

إنّ الله ﷻ أمر بالإصلاح بكل معانيه، وأحب المصلحين ووعدهم بأنْ لا يضيع من أجورهم شيئاً، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾، ونهى الله ﷻ عن الفساد في الأرض بجميع أشكاله وأوصافه، وما ذلك إلا لأجل أنْ تتحقّق العبودية الخالصة لله ﷻ، ويحصل واجب الاستخلاف في الأرض، فلا يتسلّط أحد على رقبة أحد، ولا يظلم أحدٌ أحداً، وقد نهانا الله ﷻ عن الفساد، وبين أنه لا يحب الإفساد ولا المفسدين، قال ﷻ: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، وقال ﷻ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾.

والله ﷻ أرسل رسله صلوات الله عليهم ليقوم الناس بالقسط، فإنّ عمارة الأرض لا تكون إلا بمنهج الإصلاح والعدل، قال الله ﷻ: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، والصالحون من عباد الله هم الوارثون على الحقيقة، ومنهج الصلاح والإصلاح هو الذي ستكون له الغلبة في العاقبة، قال الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.

ومن هنا؛ كان الإصلاح شعاراً للرسالات السماوية جمعاء، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، كما أن الله ﷻ جعل الإصلاح خصيصة من خصائص المؤمنين، وجعل الفساد والإفساد من سمات المنافقين، قال ﷻ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون﴾ .

إخوة الإيمان: إنّ الفساد معصية وكبيرة من الكبائر التي يقترفها المفسدون، وقد بين لنا القرآن الكريم معنى الفساد بأنه التولي عن الطريق القويم والصراط المستقيم، وبين لنا القرآن أن الفساد يحدث ضرراً كبيراً لا يقع على المفسد وحده فقط، بل يقع على المجتمع بأسره، فإنّ الناس كلّهم يتأثرون بالآثار السلبية الناجمة عن الفساد، قال ﷻ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾، فتجد الموظف يتساهل في أداء وظيفته، وترى العامل لا يتقن صنعته، وترى المسؤول يفرط في مسؤوليته، بل ترى رب الأسرة والأم في البيت يتهاونون في ما وجب عليهم من الأمانات المنوطة بهم، ولذلك فإن ضرر الفساد يتجاوز المفسد ويعم المجتمع الإسلامي بأسره، وما أحسن تعبير القرآن الكريم إذ يصرح بأن المفسد يهلك الحرث والنسل، لا أنه يهلك نفسه فقط فانتشار الفساد في البلاد يجعل المجتمع الإسلامي هزيلاً ممزقاً لا يقدر على النهوض بأعباء الحياة اليومية.

قال الحسن البصري: “ما ضربت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بطشت بيدي، ولا نهضت على قدمي، حتى أنظر على طاعة أو على معصية، فإن كانت طاعة تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت” .

عباد الله:

إنّ الفساد يدخل في جوانب متعددة من نواحي الحياة، غير أن من أعظم صور الفساد التي يجب التصدي هي صورة محاربة دين الله ﷻ والاستهزاء بأحكامه ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾، وممّا يتعلّق بهذا الفساد مهاجمة الدعاة والمصلحين والعلماء، وإثارة الإشاعات الباطلة، قال ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.

ومن مظاهر الفساد التي يجب التحذير منها كذلك انتهاك حرمات الله ﷻ، وإشاعة الفوضى والخوف بين الناس، وإرهاب المجتمع بالاعتداء على النفس التي عصمها الله ﷻ، وإزهاق الأرواح بالقتل دون وجه حق، وقد قال ﷻ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ .

ومن أخطر أنواع الفساد أيضاً، الاعتداء على المال العام، ولذلك حذرنا النبي ﷺ من الفساد المالي ورتب عليه العقوبة الشديدة يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فلا يحل لأحد أن يتسلط على المال العام، لأن ذلك يجعل الأمة ضعيفة أمام الأمم، ويخرب عمرانها وبنيانها وحضارتها.

ومن هذا الفساد الاعتداء على الموارد العامة في البلاد، كالاعتداء على الكهرباء والماء وسرقتها، فإنّ ذلك كله يعدّ من الاعتداء على المال العام، وفاعله مرتكب لكبيرة من الكبائر التي لا تحل لمسلم، فإنّ الاستفادة من هذه الخدمات يجب أن يكون بالطرق المشروعة، والرسول ﷺ قال: «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»، والذي يتعامل مع عدادات المياه والكهرباء بغير الطرق المشروعة لا يُحِبُّ أن يطَّلِعَ عليه الناس؛ لأنه يشعر بالإثم في داخله.

ومن الفساد أيضاً؛ استغلال المناصب والوظائف العامة، أو أخذ الرشاوى المحرمة التي نهى عنها النبي ﷺ في قوله: «لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي».

وقد توعّد الله ﷻ المفسدين بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة، فإنّ الفساد في الأمة طريق إلى ضياعها ومحق البركة منها، قال ﷻ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، فإذا ظهر الفساد بسبب ذنوب الناس ومعاصيهم، عاقبهم الله ﷻ بالابتلاءات حتى يؤدبهم فيرجعوا إلى طريق الرشد والصلاح.

كما وعد الله ﷻ عباده المصلحين بالنصر والتمكين، فقال ﷻ: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾، وقال ﷻ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ فالله ﷻ يثيب العبد المصلح فهو ﷻ يعلم من نيته الإفساد ومن قصده الإصلاح، قال ﷻ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾.

الخطبة الثانية

إن الإصلاح يمحق الفساد ويستأصله من المجتمع، وإن ميدان الإصلاح واسع شامل، وهو الوظيفة التي شرف الله بها هذه الأمة، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل خيريتها متعلقة بهذا الفعل العظيم، قال ﷻ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ وقال ﷻ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.

وهذا منهج النبي ﷺ، ومن بعده خلفاؤه الراشدون، ساروا على نهجه، ثم تبعهم من خلفهم من الخلفاء والعلماء على مر العصور، فقد كانوا يسعون إلى الإصلاح في كل باب من أبواب الحياة.

فالإصلاح سبيل النجاة، وهو حصن للأمة من الشرور والفتن، قال ﷻ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾.

ومن مظاهر الإصلاح التي يمكن للإنسان ممارستها:

  1. أولاً: المسارعة إلى التوبة إلى الله ﷻ ورد الحقوق إلى أصحابها، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والله ﷻ يقبل التائبين العائدين إليه ويبدل سيئاتهم حسنات، قال ﷻ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
  2. ثانياً: الاهتمام ببناء المجتمع من أول لبنة من لبناته وهي الأسرة، فالأسرة التي تنشأ على أساس متين من القيم والمبادئ الصحيحة، هي الأسرة التي يمكن التعويل عليها لبناء مجتمع قوي مزدهر، يخدمه أبناؤه بصدق وأمانة، وقد قال النبي صى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته».
  3. ثالثاً: أن يعلم كل فرد من الأفراد أنه مسؤول أمام الله ﷻ عن جميع أعماله وأنه مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وهو أمر يؤدي إلى حفظ الأموال العامة والخاصة من الهدر والضياع، والرشوة والاختلاس.
  4. رابعاً: أن يقوم العلماء بدورهم الريادي في قيادة الأمة نحو الصلاح، وبيان الأحكام الشرعية للناس، ورد الشبهات التي يثيرها بعض الناس، والقيام بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة إلى تعاون أبناء المجتمع على بناء بلدهم ومجتمعهم، قال ﷻ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

والحمد لله رب العالمين..

خُطَب أُخرى من أجلِك

وكما وعدناكم في بداية الصَّفحة، نحن هنا لنفي بها؛ فهذه قائِمة ببعض الُخطَب ذات الصلة بخطبة اليوم:

وفَّقكم الله لكل خير وسداد.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: