خطبة (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).. بمناسبة مولد الحبيب ﷺ – مكتوبة

خطبة (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) مكتوبة

عناصر الخطبة

  • حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.
  • الحرص على التخلق بالرأفة والرحمة في جميع أمور الحياة.
  • محاربة الظلم والعدوان والبغي.
  • الرأفة والرحمة.. من صفات النبي ﷺ.

الخطبة الأولى

الحمد لله..

ما نزال نعيش في ظلال شهر ربيع الأول، شهر مولد النبي الحريص على أمته ﷺ، نبي الرأفة والرحمة ﷺ، فقد ختم اللهُ سورةَ التوبة بآيتين كريمتين تضمنتا رسالة إلى العالمين، قال ﷻ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ التوبة: 128–129، لقد أقسم ﷻ في الآية الأولى، بقوله ﷻ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾، فهذه اللام في (لقد) هي جواب قسم محذوف تقديره “والله”، ولذلك يجب علينا أن نتدبر أسرار هاتين الآيتين حق التدبر لنحوز خيراً كثيراً، وننال أجراً عظيماً، وخاصة أن سورة التوبة من أواخر السور التي نزلت هداية للمسلمين والناس أجمعين.

ومن بديع نظم القرآن الكريم، ودلائل إعجازه قول الله ﷻ في وصف رسوله ﷺ (حريصٌ عليكم) في سياق قوله ﷻ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ وهو تعبير يجعل القلوب تطمئن بأن هذا الرسول الكريم ﷺ هو من أمة العرب وسيد أصولها ليقبلوا دعوته ﷺ، ودل قوله ﷻ (حريص عليكم) على حرصه على قومه ليدخلوا في دين الله ﷻ، وقد تحقق ذلك حقاً في قوله ﷻ ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ سورة النصر: 2–3

والحق أن الأدلة على حرصه ﷺ على أمته في الدنيا وفي حياة البرزخ ويوم القيامة كثيرة، أما في الدنيا: فقول الله ﷻ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: 107، وقوله ﷺ فيما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه «أنا حظُّكم من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم» أخرجه ابن حبان في صحيحه.

ومن الأدلة على حرصه ﷺ على امته الدعاء لها بعد كل صلاة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: لما رأيتُ من النبي ﷺ طيب نفس قلتُ: يا رسول الله: ادع الله لي فقال: «اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت» فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله ﷺ: «أيسرك دعائي»؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك؟ فقال ﷺ: «والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة» أخرجه ابن حبان.

ومن حرصه ﷺ على أمته في حياة البرزخ، ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم» قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح.

ومن حرصه ﷺ على أمته يوم القيامة ما رواه جندب بن عبد الله عن النبي ﷺ قوله: «أنا فرطكم على الحوض» أخرجه البخاري في الصحيح، ومعنى الحديث: أي أتقدمكم وأسبقكم إليه، فيكون النبي ﷺ على حوضه، ويأتيه المؤمنون يشربون منه، ومن شرب منه لا يظمأ – وهو العطش – بعد ذلك أبداً.

ومن صور حرصه ﷺ يوم القيامة الشفاعة لأمته فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة – فهي نائلة إن شاء الله، من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً» رواه مسلم

ومن عظيم مرتبة النبي ﷺ عند ربه ﷻ أن الله ﷻ أكرم رسول الله ﷺ باسمين من أسمائه الحسنى وهما “رؤوف” و “رحيم” في قوله ﷻ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ التوبة: 128، وهذان الاسمان الكريمان من خصوصية سيدنا رسول الله ﷺ، قال الحسين بن الفضل رحمه الله ﷻ: لم يجمع الله ﷻ لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلاّ لنبينا محمد ﷺ، فإنه قال: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.

لقد أجاد حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله ﷻ في كتابه النافع: المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى. على الرغم من صِغر حجم الكتاب، فقد أبدع رحمه الله ﷻ في بيان حظ العبد من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وبيّن تخلق العباد من هذه الأسماء الحسنى، ومن هذه الأسماء: اسم (الرحيم) وهو الاسم الثالث في حديث الأسماء الحسنى (بأن لله ﷻ تسعة وتسعين اسماً..) وأما اسم (الرؤوف) فهو الاسم الرابع والثمانون من التسعة والتسعين، فقد وردا معاً في وصف رسول الله ﷺ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، فقد تحققا يقيناً في حياة النبي ﷺ الذي كان خُلقه القرآن في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خلقه ﷺ فقالت: كان خلق نبي الله ﷺ القرآن. رواه مسلم في حديث طويل.

قال الإمام الزجاج رحمه الله ﷻ: يقال إن الرأفة والرحمة واحد، وقد فرقوا بينهما أيضاً وذلك أن الرأفة هي المنزلة الثانية، يقال: فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف.

وأما تفسير (الرحيم) فقال الزجاج رحمه الله ﷻ: (الرحيم) خاص في رحمته لعباده المؤمنين بأن هداهم إلى الإيمان وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع.

إن نبي الرحمة، رسول الله ﷺ استحق هذين الاسمين الكريمين دون الأنبياء والمرسلين؛ لأنه ﷺ (خاتم النبيين)، وهو ﷺ إمامهم جميعاً فأكرمه الله ﷻ بالرأفة والرحمة لتعم رأفته ورحمته العالمين من الإنس والجان بل لتشمل كل المخلوقين.

قال الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله ﷻ في تفسير قوله ﷻ (بالمؤمنين رؤوف رحيم): “استحق ذلك الاسم بفعله، وإنما سمّاه بذلك لأن عمله كان لله، لم يكن عملُه لنفسه شيئاً”.

ومما لا ريب فيه أن رأفته ﷺ بالمؤمنين ورحمته بهم عظيمة لا يختلف فيها اثنان، فإن رسول الله ﷺ رحمة للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنبياء: 107، وقد خصّه ربه ﷻ بالاسمين الكريمين لتحقيق هذه الرحمة في الوجود.

إن التاريخ يشهد بأن هذه الأخلاق الكريمة قد تحققت في حياة الصحابة رضي الله عنهم لتخلقهم باسم (الرؤوف) الذي هو اسم من الأسماء الحسنى، وصفة من صفات رسول الله ﷺ، وكذلك تخلقهم باسم (الرحيم) الذي هو اسم من الأسماء الحسنى، وصفة من صفات رسول الله ﷺ.

وأفاد تقديم (بالمؤمنين) على الاسمين الكريمين (رؤوف رحيم) على اختصاص الرأفة السابغة والرحمة الدائمة بالمؤمنين الذين آمنوا به ﷺ من الصحابة رضي الله عنهم و يشمل كذلك كل المؤمنين في كل عصر ومصر حتى يرث اللهُ الأرض ومنْ عليها.

وأما الأحاديث الشريفة التي نطقت بهذه الرأفة والرحمة فكثيرة، منها أن رسول الله ﷺ قال للأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي ﷺ: “أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة” رواه البخاري ومسلم.

ومن رأفته ﷺ ورحمته بأصحابه أنه كان يتخولهم في الموعظة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كان النبي ﷺ يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا” رواه البخاري ومسلم

عباد الله: يجب أن يكون حظنا معشر المؤمنين من هذين الاسمين أن نتخلق بالرأفة والرحمة في حياتنا مع أنفسنا بحمايتها من الوقوع في الآثام، وحثها على فعل الخيرات في كل الأوقات لنصبح قدوة للناس كحال الصحابة رضي الله عنهم الذين تخلقوا بالرأفة والرحمة ففتحوا قلوب العباد قبل فتح البلاد؛ لأنهم عملوا لله ﷻ ولم يكن هدفهم العلو في الأرض أو الاستكبار حاشاهم رضي الله عنهم.

إننا نرى الفتن والمحن التي أصابت الناس على شاشات التلفزة وغيرها من وسائل التواصل، وإن القلوب لتتفطر من هول ما ترى فلو تخلق الذين يظلمون الناس بالرأفة والرحمة لعاش العالم في أمن واستقرار، وعمت المحبة بين جميع الناس، وبذلك نفقه معنى قول الله ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنبياء: 107 وقوله ﷻ: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ التوبة: 128

ولذلك يجب علينا أن نحافظ على هذا الدين، دين العدل والمساواة، دين العزة والسعادة، لنصبح خير خلف للصحابة رضي الله عنهم الذين نالوا شرف صحبة سيدنا رسول الله ﷺ، ومن أحبَّ قوماً حشر معهم، اللهم احشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم احشرنا مع سيدنا رسول الله ﷺ واحشرنا مع خلفائه الراشدين وصحابته رضي الله عنهم أجمعين. اللهم آمين.

⇐ وهنا: بعنوان «عزيز عليه ما عنتم».. خطبة قصيرة مكتوبة بمناسبة مولد النبي محمد ﷺ

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: 43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».

ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»، وعليكم أيضاً بـ«كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.

والحمد لله ربّ العالمين.

⇐ هذه أيضًا خطبة: دروس تتجدد من المولد النبوي – مكتوبة

أضف تعليق

error: