خطبة: دروس تتجدد من المولد النبوي – مكتوبة

خطبة: دروس تتجدد من المولد النبوي

عناصر الخطبة

  • ذكرى مولد النبي ﷺ: الإشارة إلى أهمية هذه الذكرى وكيف أحيا الله ﷻ به البشرية.
  • وضع العالم قبل النبوة: الظلم والغلبة للقوي على الضعيف وانحطاط الإنسانية.
  • دور النبوة: الرحمة التي جاء بها النبي ﷺ للإنسانية وتأكيد القرآن لهذا الدور.
  • الدروس من مولد النبي ﷺ: كيف يمكن أن تكون هذه الذكرى ملهمة للأمة ودرسًا في الأمل والثبات!
  • التحديات التي واجهها النبي ﷺ: ما واجهه ﷺ من تحديات وعقبات أثناء دعوته.
  • نهج المرسلين السابقين: كيف كانوا يواجهون المحن والشدائد بصبر.
  • الإيمان كأساس للنصر والتمكين: الدور المحوري للإيمان في بناء الأمة وتحقيق النصر.
  • حب النبي ﷺ: وصف الخلق العظيم للنبي وكيف يجب أن يتمثل حب المسلمين له.
  • ترجمة حب النبي ﷺ إلى أعمال: الدعوة لتحويل محبة المسلمين للنبي ﷺ إلى أعمال تطبيقية في حياتهم اليومية.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أبان للناس معالم الحق المبين، وجعل لهم ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾، فأرسل منهم محمدا ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ولد النور بمولده، وبعثت الإنسانية من ضياعها بمبعثه، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

الخطبة الأولى

إخوة الإيمان – اعلموا أنه تمر على العالم المسلم في هذه الأيام ذكرى مولد البشير النذير، والسراج المنير، محمد بن عبد الله، وإنها لذكرى والله عظيمة؛ فمولده –بأبي هو وأمي– كان مولدا عظيما متميزا لأثره ونتيجته، فلقد أحيا الله به البشرية بعد امتهانها، وانتشل به الإنسانية من انحطاطها.

ولد محمد بن عبد الله والإنسان يصرعه ظلم الإنسان، يعدو القوي على الضعيف متسلطا، ويعلو الغني على الفقير مستعبدا، وئدت الإنسانية في نفوس أبنائها، وهدت منظومة الأخلاق من أركانها، فأراد الله بالإنسانية رحمة بمولد هذا الرسول الأمين ومبعثه، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، يقول سبحانه مبينا منته على عباده: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾، إن مولد الرسول الكريم ليحوي دروسا جليلة، حق لها أن تدرس وتدرس، وحق للناس أفرادا ومجتمعا أن يأخذوا لأنفسهم منها مربيا ومهذبا، ولمستقبلهم موجها.

أيها المسلمون: إن المولد النبوي يعطينا درسا في الأمل والثقة بالله؛ فظلام الجهل والجهالة، والانحلال والضلالة، مهما اشتد ففجر من الله آت، ومهما ضاقت بالأمة الكروب وتضافرت عليها الخطوب، فالفتح منها قريب، ولها من النصر نصيب، كما أن ذكرى المولد النبوي تلهمنا دروسا في الثبات على الحق، ورسوخ المبدأ؛ إذ تذكرنا بسير دعوة رسول الله، لقد بدأ المصطفى بدعوة الحق وحيدا يوم أن بعثه الله في مجتمع يعج بالمتناقضات، وتموج فيه الفتن، فكان ثابتا على مبادئ الدين، صادحا بالحق رغم إغراء الجاهلين، شامخا رغم تهديد المجرمين، لقد خرج من عنده الوليد بن المغيرة خائب الرجاء بعد أن جاءه متحدثا بلسان قومه عارضا عليه الدنيا وواضعا عند قدميه المغريات على أن يترك الدعوة، فلما رأى من ثبات صاحب الرسالة، وسمع من وحي الكتاب، أدرك فشل مهمته، وعلم الحق لكنه جحده، فكان بعناده مهينا، ومعتديا أثيما.

يقول الله ﷻ موجها رسوله الكريم إلى الثبات، لعظم الأمانة، مع قوة المعارضة، وشدة المعاناة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾، وما كان رسول الله في ذلك الثبات بدعا من الرسل قبله؛ فكلهم واجهوا المحن والشدائد، فثبتوا وصبروا، فكان الله معهم حافظا وناصرا، يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾.

وعلى نهج المرسلين سار المؤمنون الصادقون، فكانوا ثابتين على إيمانهم، لا شك عندهم ولا امتراء، راسخين بمبادئهم، لا تنازل ولا تخاذل، فجبال إيمانهم لا تهزها المغريات، وأرض ثباتهم لا تزلزلها الشدائد والويلات.

أيها المسلمون: نتعلم من ذكرى مولد المصطفى درسا عظيما فحواه أن الإيمان أهم سبب للنصر والتمكين، لقد كان مولد المصطفى في حقيقته مولدا لأمة جديدة، أمة خرجت من العدم فحازت الخيرية بين الأمم.

إن الناظر إلى حال العرب قبل ولادة أمة الإسلام فيهم ليرى أن بناء حضارة بهم ضرب من الخيال، فصلاتهم ممزقة، وضلالاتهم كثيرة، لكنهم بعد أن بزغ فيهم نور الإيمان وارتفعت فيهم راية التوحيد، كونوا في سنوات قليلة دولة راسخة الأركان، وبنوا بعد ذلك حضارة متينة البنيان، فأي أسباب الحضارة حازوا؟ وبأي عوامل الرقي فازوا، ليكون لهم ذلك النصر والتمكين؟ إنه الإيمان الصادق –عباد الله–، الإيمان الذي يريده الله ﷻ من عباده، إيمان به راسخ، ووقوف عند أمره ونهيه، إنه الإيمان الذي يمزق حجب الضلالات، ويقوي في المجتمع الصلات، الإيمان الذي ينقي القلوب من الضغائن، ويدفع الهمم إلى البناء، ويحرك في العقول الملكات، ويفجر في النفوس الطاقات، فهو عامل أساسي تتحرك معه وبه العوامل اللازمة لمجتمع صالح، ونهضة راقية، وحضارة قوية.

لقد وعد الله ﷻ وعدا صادقا أن مع الإيمان الحق نصرا وفتحا وتمكينا، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، فالنصر حليف الإيمان، والعزة قرينة له.

فقووا –أيها الكرام– بإيمانكم وحدتكم، وعززوا في الله إخاءكم، اجعلوا الإيمان منطلقكم إلى الرفعة والعزة، والوحدة سبيلكم إلى البناء والتمكين، فالأمم لا تقوم والحضارات لا تؤسس إلا بتماسك أفرادها واتحاد أبنائها، وهذا ما كان عليه حال الرعيل الأول في أول مجتمع مسلم يضمهم. يقول الله ﷻ عنهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

⇐ وهنا.. خطبة: مولد النبي ﷺ دروس الماضي ورؤى المستقبل – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فاعلموا –عباد الله– أن النفوس قد جبلت على حب من أسدى إليها معروفا، كما طبعت على حب من اتصف بالشمائل الحميدة والأخلاق النبيلة، وهذان السببان الدافعان إلى المحبة قد وجدا في أكمل صورة في الحبيب المصطفى، فقد أنفق عمره كله داعيا ومبشرا ونذيرا، واجه في سبيل ذلك الصعاب، وتكبد لأجله الملمات والشدائد، فكانت سيرته بأكملها تضحية لأجل تبليغ الرسالة وتحقيق الهداية، وإنقاذ الناس من الظلم والظلمات، ومن الغواية والضلالات، فكان نعمة من الله للبشرية قاطبة، ورحمة منه للعالمين، يقول سبحانه ممتنا به على المؤمنين: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.

ولقد كان رسولنا الكريم مع ذلك متصفا بالخلق العظيم، يكفيه في ذلك وصف ربه ﷻ له قائلا، ومؤكدا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، فقد كان أجود الناس كفا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، فكان حبه في قلوب المؤمنين حبا عظيما، ومكانته في نفوسهم لا تدانيها مكانة غيره من البشر.

إن محبته في قلوب المؤمنين –عباد الله– ليست محبة عاطفية مجردة، تدفعها فورة، وتخمدها نزوة، بل محبته عقيدة ودين، وتأس واتباع، يقول موجها: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»، ويقول: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».

فلنترجم –أيها المؤمنون– حبنا لرسولنا الكريم اتباعا وعملا، فلا يصدق حبنا له إلا بذلك، واجعلوا من سيرته منهجا لكم وقدوة، علموها أولادكم، وعطروا بها مجالسكم، عسى أن نكون بذلك ممن أحب فصدق، وتأسى ففاز ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: