خطبة عن رمضان — شهر الصبر والنصر

خطبة عن رمضان — شهر الصبر والنصر

كيف يتناول الخطباء في كافَّة الأقطار العربية والإسلامية خطبة عن رمضان دون أن يتطرَّقوا إلى الجوانب العظيمة في هذا الشَّهر! –فضلا عن الصَّوم والبركات– ألا وإن من بينها الصبر والنصر.

الآن، وهُنا، سنسوق إليهم –هؤلاء الأئمة والخطباء– خطبة مكتوبة رائِعة؛ بهذا العنوان لهذا الموضوع.

عناصر الخطبة

  • رمضان شهر الصبر، كما سماه النبي ﷺ، لأنه مدرسة يتربى فيها المؤمنون على الصبر ومجاهدة النفس وهو مفتاح من مفاتيح الفرج والنصر والتضحية في سبيل الله ﷻ.
  • العلاقة بين الجهاد والصيام ومجاهدة النفس؛ علاقة راسخة، لأن الإعداد للجهاد هو إعداد للنفس أولاً، وإعداد للجسد، وبالتالي تدريب على الصبر والنصر في ميادين الحياة لذلك كان للصائمين مثل أجر المجاهدين في سبيل الله.
  • وقعت الأحداث العظيمة الفارقة في تاريخ الإسلام في شهر رمضان المبارك كغزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة عين جالوت، لنعلم سر العلاقة بين النصر المحرز في رمضان بشكل خاص وبين الصبر، وأن ذلك لا يتحقق إلّا بالتربية الجهاديّة للنفس وكفها عن الهوى والشيطان، وامتثال أمر الله ﷻ وطاعته.
  • التمسك بدعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ الأنبياء: 87، وترديده أربعين مرة في اليوم أو الليلة.

الخطبة الأولى

صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ودعامة من دعائمه الأساسية، وهو مدرسة يتربى فيها المؤمنون على الصبر ومجاهدة النفس، وقوة الإرادة والعزيمة، لذلك سمى النبي ﷺ شهر رمضان المبارك باسم شهر الصبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ» — مسند الإمام أحمد.

وأمرنا الله ﷻ أن نستعين بالصيام وبين أنه مفتاح من مفاتيح الفرج والنصر، وكنى عنه باسم الصبر في القرآن الكريم، فقال ﷻ: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) البقرة: 45.

قال الإمام الطبري: إن معنى الصبر في هذا الموضع: الصوم، والصوم بعض معاني الصبر، وأصل الصبر: منع النفس محابَّها، وكفها عن هواها، ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الجزع، وقيل لشهر رمضان” شهر الصبر”، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا”.

فرمضان هو مدرسة الصبر على طاعة الله من صلاة وذكر وقراءة قرآن، وصبرٍ عن ارتكاب المعاصي والشهوات، وصبرٍ على ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، لذلك يقول النبي ﷺ مبيناً فضيلة الصيام في تعليم معاني الصبر: «وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالْوُضُوءُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» — مسند الإمام أحمد.

وقد فهم الصحابة والمؤمنون رسالة شهر الصوم في مجاهدة النفس والاستعلاء على شهواتها، والتضحية في سبيل الله ﷻ، فأثمرت معاني الصيام في نفوسهم عزةً وشموخاً استطاعوا بها الانتصار على الأعداء، والصبر على تحمل المشاق، فكان شهر رمضان المبارك هو عنوان النصر، وإعلاء كلمة الله ﷻ، فكان شعارهم في هذه المعارك من تاريخ أمتنا امتثال حديث النبي ﷺ: قال ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» — مسند الإمام أحمد.

فيستذكر المسلمون في شهر رمضان بطولاتهم وجهادهم في سبيل الله ﷻ، وثباتهم لنصرة المقدسات، والفتوحات الإلهية في تحرير الأرض والإنسان، وقد اتصلت آيات الصيام في سورة البقرة بآيات الجهاد، فنقرأ في كتاب ربنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ البقرة: 183، لتتصل هذه الآيات العظيمة بآيات الجهاد في سبيل الله، يقول ﷻ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].

فالعلاقة هنا واضحة بين الجهاد والصيام ومجاهدة النفس؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس أولاً، وإعداد للجسد، وبالتالي لن ينال فضيلة الصبر والنصر في ميادين الحياة إلا من تدرب على مجاهدة النفس من خلال الصيام، وكم من الأحاديث التي جمعت بين أجر الصائم الذي لا يفطر مع المجاهد الذي لا يفتر عن القتال والمصابرة، يقول الرسول ﷺ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى» — متفق عليه.

وقد تجسدت هذه المعاني الجليلة من الصبر في شهر رمضان المبارك في غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة حيث جاءت للدفاع عن المبادئ الإسلامية الراسخة والتي انتهت بالنّصر المبين للمسلمين، فقد غيَّرت هذه الغزوة مجرى التاريخ؛ لذلك سماها الله ﷻ يوم الفرقان، وجعلها في شهر رمضان؛ من أجل أن نتفكر دائماً في قيمة الصبر في هذا الشهر وأنه هو الذي يحقق ثمرة شهر رمضان بتقوى الله ﷻ، وهو كذلك عنوان النصر على الأعداء فقال ﷻ تعظيماً لهذا النصر المبين: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ آل عمران: 123–126.

فغزوة بدر الكبرى تمثل فيها النصر الحاسم والفرقان بين الحقّ والباطل، وفيها معنى انتصار الحقّ على أعدائه المدجّجين بالسلاح المزوّدين بكلّ زاد، وهي قصة انتصار القلوب حين تتصل بالله ﷻ، وقصة الصبر في الجهاد، والصدق عند لقاء الأعداء.

وتستمر قصة النصر في رمضان حتى أتى اليوم الموعود والفتح المبين، فتح مكة في العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة بعد أن غدر المشركون بعهدهم مع النبي ﷺ الذي عاهدوه في صلح الحديبية، فجاء ذلك الفتح الذي تجلت فيه كل معاني العزة والقوة المقرونة بالرحمة والعفو والتسامح، فبالترتيب الدقيق واتخاذ كافة الأسباب الممكنة وتوفيق الله ﷻ تمكن النبي ﷺ من تحقيق النصر في هذه المعركة دون أن تراق الدماء، وبقيت مكة المكرمة حرم الله الآمن في الأرض.

كما تجلى في هذا الفتح العظيم، أبهى صور العفو والعدل والرحمة عندما عفا ﷺ عن قُريشٍ العدو الألد، التي ما انفكت تؤذي رسول الله، وتحارب الإسلام بشتى الوسائل وبكل ما أُتوا من قوة، فلما دان أهل مكة لرسول الله ﷺ، وجمعهم الرسول ﷺ وها هو يقول لهم:”ما تظنون أني فاعل بكم؟، فيقولون: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فيقول لهم الرسول ﷺ: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» — سنن البيهقي، فماذا كانت النتيجة؟ لقد دخل الناس في دين الله أفواجاً.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102.

عباد الله: إن سر العلاقة بين النصر المحرز في رمضان بشكل خاص وبين الصبر، هو أن النصر لا يتحقق إلّا بالتربية للنفس وكفها عن الهوى والشيطان.

فلم يكن رمضان بالنسبة للصحابة رضوان الله عليهم شهر ترفيه إنما شهر توجيه، ولم يكن شهر تسلية إنما شهر توعية.

ومن هنا لا بد من التأكيد على ربط جميع المسلمين بمقدساتهم ومبادئهم الراسخة وتذكيرهم بها حتى لا يتم طيها ونسيانها، وعلى جميع المسلمين في عموم العالم الإسلامي أن يتآزروا في الحفاظ على الهوية الإسلامية وخاصة الحفاظ على المقدسات في المسجد الأقصى والقدس الشريف سواء في جانب التعريف والتثقيف، أو في جانب التمويل والدعم لرباط المقدسيين والمشاريع المتعلقة بالإعمار الحسي والمعنوي، والصيانة الدائمة واللازمة لمقدساتنا، والتأكيد على الدور الإسلامي الهاشمي في الوصاية دولياً وعالمياً على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية.

كما نذكر بالتمسك بدعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ الأنبياء: 87، وترديده أربعين مرة في اليوم أو ليلة، خاصة في ليالي شهر رمضان المبارك التي يستجاب فيها الدعاء.

والحمد لله رب العالمين..

هنا أيضًا خطب منبرية جاهزة عن شهر رمضان

وكما تعوَّدنا بالمقترحات، مجموعة متميزة بانتظاركم.. فلننظر ماذا لدينا!

بالتوفيق لجميع الأئمة والخطباء.

أضف تعليق

error: