خطبة: كيف نستقبل شهر رمضان – مكتوبة

خطبة الجمعة , كيف نستقبل شهر رمضان , خطب مكتوبة

كيف نستقبل شهر رمضان! حقًا، إنه أحد أهم الأسئلة التي يطرحها المسلم على نفسه وعلى العلماء في عامِه. ولذلك أتيناكم بهذه الخطبة.

فالمُسلم الكيّس الفَطِن هو الذي يسعى لأن يغتنم مواسم الطاعات والبركات والنفحات.

مقدمة الخطبة

الحمد لله الواحد القهار، سبحانه الواحد الذي يقلب الله الليل والنهار.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة، ومنه الخير وزيادة، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله خاتم النبيين، وإمام المتقين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

إن من فضل الله ﷻ على عباده أن شرع لهم من العبادات والطاعات ما يقرب العباد الى خالقهم ومولاهم ﷻ، ونحن اليوم على أعتاب استقبال شهر رمضان المبارك، الذي تتضاعف فيه الأجور والحسنات، الفريضة فيه بسبعين فريضة والنافلة بأجر الفريضة، تُغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان، وتصفد فيه الشياطين، وقد كان النبي ﷺ يهنئ أصحابه بقوله: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله ﷻّ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم» رواه النسائي.

فَحُقَّ لنا معاشر المسلمين أن نفرح بهذا الزائر الكريم قال الله ﷻ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ يونس: 58.

وقد كان من هدي النبي ﷺ إذا أهل هلال رمضان يقول:«اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ» رواه الترمذي.

فيستحب للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء إذا رأى هلال شهر رمضان لما فيه من الخير والبركة.

وهذه العبادات تحتاج من المسلم الى التفقه بأحكام الصيام، حتى تؤدى العبادات على وجهها الصحيح، ليتحصل المسلم على الاجر الكامل لعبادته وطاعته، فالصوم عبادة وطاعة فرضها الله ﷻ بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183.

فالصيام عبادة وسلوك، فأما العبادة فهي أن يمسك الصائم عن الطعام والشراب من طلوع الفجر الصادق وحتى غروب الشمس، وهذه العبادة لها شروط وواجبات وسنن ومبطلات، فينبغي للمسلم أن يتعلم هذه الأحكام قبل الشروع في العبادة، حتى يحافظ المسلم على صحة صومه، ولا يقع في مبطلٍ من مبطلات الصوم، قال ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رواه الشيخان.

فهذا العلم فرض عين لصحة العبادة.

وكلُّ من بغير علم يعمل
أعماله مردودة لا تقبل

وأما السلوك فهو أن تصوم الجوارح عن كل ما حرم الله، فتصوم العين عن النظر الى الحرام، وتتبع عورات المسلمين، وتصوم الأذنان عن الاستماع الى الغيبة والنميمة، ويصوم اللسان عن النطق بشهادة الزور والكذب، وتصوم اليد أن تمتد الى الرشوة والغش والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، قال ﷺ: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» رواه ابن ماجه.

وقال ﷺ: «مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ» رواه البخاري.

والمفلس عندنا من ليس عنده مال، ومن قلّ ماله، ولكنّ حقيقة المفلس كما قال ﷺ: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم.

هذه هي حقيقة المفلس كما وردت في الحديث فهو الهالك والمعدوم، فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا لم يبقى له حسنات أُخذ من سيئاتهم فوضع عليه، ثم ألقي في النار، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه.

وينبغي على المسلمين في شهر رمضان، أن يستشعروا حال الفقراء والمساكين، ويتلمسوا حاجاتهم، قال ﷻ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة: 2. أي ليعن بعضكم بعضاً على البرّ وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال، قال ﷻ: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ آل عمران:92.

وقال ﷺ: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» رواه الشيخان

فقضاء الحوائج وصناعة المعروف من أجل الاعمال وأرفعها عند الله ﷻ، لأنها تدخل الفرح والسرور على قلوب هذه الفئة من أصحاب الحاجة والمعوزين، قال ﷺ: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ» اخرجه الطبراني.

اقضِ الحوائجَ ما استطعتَ
وكُنْ لهَمِّ أخيكَ فارِجْ

فَلَخيرُ أيَّامِ الفَتى يَومٌ
قَضى فِيهِ الحَوائجْ

إن شهر رمضان شهر تجارة رابحة مع الله ﷻ، ولذا ينبغي على إخواننا التجار مراعاة حاجات الناس، وعدم رفع الأسعار، والصدق والأمانة، وليتذكر التاجر أنه اذا صدق في بيعه بورك له في تجارته، وحشر مع الأنبياء والصديقين والشهداء يوم القيامة، قال ﷺ: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء» رواه الترمذي.

فهذه تجارة رابحة مع الله ﷻ، لا تقبل الخسارة، فهنيئاً لمن وفقه الله ﷻ لتفريج الكربات وقضاء حوائج الناس، والتجاوز عن المعسرين من المدينين، قال ﷻ: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 280.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رجلٌ يدايِنُ الناسَ، فكان يقولُ لفتَاهُ: إذا أتيتَ مُعْسِرًا فتجاوزْ عنه، لعلَّ اللهَ أنْ يتجاوَزَ عنَّا، فلَقِيَ اللهَ، فتجاوَزَ عنْه»، وفي رواية لمسلم قال:«قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: نَحْنُ أحَقُّ بذلكَ منه، تَجاوَزُوا عنْه»، فنسأل الله ﷻ أن يتجاوز عنا وأن يبلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وفي أحسن حال، وأن يعيننا على صيامه وقيامه.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

ولا تنسوا قول النبي ﷺ: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾، “أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.

والحمد لله ربّ العالمين..

بحاجة لمزيد من الخطب الرمضانية؟

حسنًا؛ لدينا مجموعات كثيرة من هذه الفِئة؛ واخترنا لكم منها:

والله ولي التوفيق.

أضف تعليق

error: