خطبة: شهر رمضان المبارك وافد كريم – مكتوبة

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة الجمعة, شهر رمضان المبارك وافد كريم , خطب مكتوبة

الاستقبال القوي للشهر الفضيل يحتاج إلى الكثير من الاستعدادات. ونحن هنا على موعد مع خطبة الجمعة المبارَكة هذه بعنوان «شهر رمضان المبارك وافد كريم». فهَل أصَبنا في اختيار العنوان؟

حسنًا. دعني أقرأ رأيك في التعليقات أدناه بعد أن تطَّلع على محتوى الخطبة، سيدي الإمام.

عناصر الخطبة

  • رمضان المبارك هو شهر القرآن الكريم وتعظيم استقبال رمضان إنما هو تعظيم للقرآن الكريم.
  • شهر رمضان المبارك وافدٌ كريم وضيفٌ عظيم يدعو المسلمين ليكونوا من أهل القرآن فَنِعْمَ الضيفُ والمضيف.
  • المؤمن التقي هو الذي يغتنم هذا الشهر الكريم بالطاعات ليفوز بالدرجات عند رب الأرض والسماوات.
  • رمضان شهر الإيمان والأمن والأمان والتوبة والغفران وهي فرصة مباركة لا يصح أن تضيع من حياتنا.
  • رمضان شهر الجود والإحسان والكرم والعطاء يَدُعُونَا لنتصدق فَنَصْدُقَ الله ﷻ في حياتنا.

الخطبة الأولى

شهر رمضان المبارك، وافد كريم وضيف عظيم، ونفحة من نفحات رحمات الله ﷻ، تهب على المسلمين، فيتنشقون عبقها، ويتنعمون بنسماتها، ويشتمون منها رائحة الجنان التي تُفتح أبوابها في هذا الشهر الفضيل، يقول النبي ﷺ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» — متفق عليه.

وقد كان من هدي النبي ﷺ ومن سنته الدعاء ليحل الأمن والسلام على المسلمين وأن يحفظ الله ﷻ البلاد والعباد، فكان ﷺ يقول عند رؤية الهلال ودخول شهر رمضان المبارك: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا نُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» — رواه ابن حبان.

فشهر رمضان المبارك، هو شهر الأمن والإيمان، الشهر الذي يرتقي به إيمان المسلم، ليبلغ الدرجات العالية في تزكية النفس، وتركها لشهوات الدنيا، وتطهيرها من التعلق بها، وشهر الأمان الذي يحرص فيه المسلم على أمن مجتمعه وحمايته من المصائب والجرائم والآفات، وكف جوارحه عن المحرمات، وشُغلها بالتقرب إلى الله ﷻ والاجتهاد في العبادات والطاعات وقراءة القرآن، وهو شهر السلامة والإسلام، شهر السلامة من أذية الناس والخوض في أعراضهم، وإيذائهم، والسلامة من الذنوب والمعاصي والتقصير في عبادة الله، فهو شهر كمال وتمام إظهار شعائر الإسلام، والفرح باستقبال شهر الطاعة والعبادة.

فشهر رمضان المبارك وافد كريم بما فيه من العطايا للمؤمنين وهو نفحة من نفحات رحمة رب العالمين ، من أدى واجبه حق الأداء كان له الجائزة العظيمة عند الله ﷻ، يقول النبي ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» — متفق عليه.

ويقول النبي ﷺ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» — متفق عليه.

لذلك فإن المسلم يحرص على اغتنام كلّ لحظة فيها فهذه الأيام المباركة (أياماً معدودات) كما قال الله ﷻ، فلا ينبغي للمسلم أن يفوته فيما لا فائدة ولا نفع فيه، فهو شهر فيه من الحكم والأسرار ما يدرك كل صائم منها بحسب علمه وإيمانه وتعبده لمولاه، وهو شهر مبارك لكل طرق الخير، من صيام، وصلاة وزكاة، وصدقة، وذكر، ودعاء، وتلاوة، وجود، وإحسان، وصبر، ويقين، واحتساب للأجر العظيم، وهو طريق لتحصيل وتعزيز التقوى في قلوب المؤمنين، والتقوى جماع الخير وسبيل الفلاح والنجاح، فهي الثمرة المرجوة والغاية المطلوبة من العبادات ومنها الصيام، قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة :183].

التقوى، تكون بتطهير القلوب من المعاصي والآثام، والتوبة والرجوع إلى الله، وقد فتح اللهُ أبوابَها في كلّ يوم من أيام الدنيا، فعَنْ أَبِي مُوسَى –رضي الله عنه– عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ﷻ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» — صحيح مسلم.

لكنها في رمضان لها مزيد مزية لفضل الأعمال الصالحة فيه، ولسهولتها على المسلم، فبالتوبة تتنظف القلوب من أدرانها، وتسمو النفوس على شهواتها، وعندئذ نكون قد هيأنا أنفسنا لتلقي هبات الله ﷻ ورحماته ونفحاته في رمضان.

وشهر رمضان المبارك وافد كريم لأنه شهر الفوز والخيرية للمسلمين وشهر الخسران والندامة للمفرطين والمقصّرين، مصداقاً لقول سيدنا النبيّ ﷺ: «ما مرّ بالمسلمين شهر قطّ خير لهم منه، ولا مرّ بالمنافقين شهر قط أشر لهم منه » — رواه أحمد.

ومن خصائص شهر رمضان المبارك أنه شهر التجارة الرابحة وتطهير الأنفس من الأوزار والذنوب وحماية القلب من الأدران التي علقت بها طيلة أيام السنة، ففيه مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك لمن حسنت نيته وأخلص أعماله لله ﷻ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه– عن النبي قال: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله ﷻ: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك «متفق عليه، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» — رواه مسلم.

ولا يزال الصيام بالمسلم يحفظه ويؤنسه حتى يكون شافعاً له لدخول الجنة والنجاة من النار يوم القيامة، وكذلك يفعل القرآن، يقول النبي :«الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ويقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه فيشفعان» — رواه الطبراني.

الخير بادٍ فيك والإحسانُ
والذكرُ والقرآنُ يا رمضانُ

والصوم فيك عبادة ٌورياضةٌ
تسمو بها الأرواحُ والأبدانُ

عباد الله: إن المؤمن في شهر رمضان المبارك يضع خطة مفصّلة لاغتنام جميع أوقات رمضان حتى لا تضيع لحظة من لحظاته من غير فائدة ولا طاعة، ومن فضل الله علينا أن نوّع لنا ألوان العبادات، فمن صيام إلى قيام إلى ذكر إلى تلاوة إلى صدقة وصلة أرحام، وكلها أعمال صالحة تضاعف في رمضان.

فرمضان شهر العبادات والطاعات وعلى رأسها تلاوة القرآن، فمنهم من كان يختم القرآن في اليوم والليلة، ومنهم من كان يختمه في كل ثلاثة أيام، ومنهم من يختمه في الأسبوع مرة، وأقلّ القليل أن لا يمضي عليك الشهر بأقلّ من ختمة واحدة، ومن زاد زاد الله في حسناته، ولنحرص على قيام رمضان، وخاصة صلاة التراويح، ولا ينبغي أن نستقلّ منها بل نستكثر، فهو فرصة قد لا تعود، فاليوم أنت موجود، وربما في العام القابل أنت مفقود، ولعلك اليوم صحيح، وربما في العام القابل مريض وسقيم، ولعلك اليوم عندك من الوقت متسع، وفي العام القابل قد لا تجد من هذا الوقت شيئاً، فتبكي بحرقة ندماً على ما فرطت في الأعوام الماضية.

عباد الله؛ إن شهر رمضان المبارك وافد كريم يحلّ علينا، لأنه فرصةٌ ذهبية لتربية صفة الرحمة في النفوس، حتى تعيشَ مبدأ الجسد الواحد الذي يُؤلمُ بعضَه ألمُ بعض، فمن سُنن الحياة أن الرحمةَ تظهر عند الإحساس بالألم، وأن الطغيان ينشأ عند الغفلة مع الأمن والغنى، قال الله ﷻ: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى﴾ العلق: 6–7.

وهذا بعضُ السرِ الاجتماعي في الصوم؛ فيشعر المسلم بأخيه المسلم فيدفعه ذلك الى الرحمة والعطف على الفقراء والمحتاجين والمعوزين الذين لا يجدون طعاما لائقا طوال العام فأنت تشعر بالجوع لعدة ساعات في شهر من العام وهم يشعرون بالجوع طوال الأيام كل العام، فيدفع ذلك المسلمين الى تلمس حاجات اخوانهم الفقراء، ويعيشون روح الجسد الواحد كما امر رسول الله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» — صحيح مسلم.

فعلى المسلم أن يحرص على اغتنام كل لحظة من نهاره وليله في التضرع إلى الله ﷻ بالدعاء أن يوحد صف أمتنا الإسلامية، وأن يرفع البلاء والفتن والمحن عنها، وأنْ يحقن دماء المسلمين ويجمع قلوبهم وكلمتهم، وأن يحفظ مقدساتنا الإسلامية عزيزة شامخة، وأن يديم على وطننا الأمن والأمان، كما ينبغي على المسلم الابتعاد عن كل ما يفسد على المؤمنين خشوعهم وتضرعهم إلى الله ﷻ، وأن يكون كل واحد منا عوناً لأبناء وطنه بكل ما يستطيع، فشهر رمضان المبارك شهر استجابة الدعاء وشهر التعاون والمواساة والإحسان.

وماذا نقول أكثر! فهو شهر البطولات والانتصارات، شهر التضحية والعطاء، شهر الصبر والرباط.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.

عباد الله: إنّ من عدل الله ﷻ أن جعل لأمة محمد ﷺ في أيام دهرهم نفحات وحثهم على التعرض لها، فإذا نظرنا لأعمار أمة محمد ﷺ نجدها قصيرة مقارنة مع الأمم السابقة، فقد كانوا يعمرون مئات السنين فمن فضل الله ﷻ وعدله أن جعل لنا أياماً تعدل سنين من العمل كليلة القدر في شهر رمضان التي هي خير من ألف شهر، وجعل في كل ليلة من ليالي هذا الشهر عتقاء من النار، وضاعف فيه الأجور على الصيام والقيام وقراءة القرآن، بل رتب على ذلك مغفرة ما تقدم من الذنوب.

فحريّ بالمسلم أن يحرص على أن يستقي منهج استقباله وتوديعه والعمل فيه من سلف هذه الأمة، فقد كانوا يستقبلونه بالدعاء أن يبلغوه ويوفقوا للعمل فيه وإعطائه حقه ستة أشهر، ويودعونه بالحزن على فواته والدعاء بقبوله باقي السنة.

نسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يبلغ رمضان لنا، وأن يعيننا على صيامه وقيامه وأداء حقه.

والحمد لله رب العالمين

المزيد من خطبة الجمعة عن استقبال شهر رمضان المبارك

لا يزال في المكتبة الكثير. نعم، مكتبة موقع المزيد.كوم للخطب المنبرية؛ ومنها:

وفقني الله ﷻ وإياكم لكل خير.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: