خطبة: رمضان شهر البطولات والانتصارات – مكتوبة

خطبة الجمعة , رمضان شهر البطولات والانتصارات , خطب مكتوبة

بهذا العنوان المبارك «رمضان شهر البطولات والانتصارات» نأتيكُم اليوم مع خطبة الجمعة لهذا الأسبوع. وهذه مهمتك يا خطيبنا. لماذا؟ لأنَّ خطبة الجمعة فرصة ثمينة للتواصل بين الإمام والمصلين، وإيصال ما لدى الخطيب من موضوع إلى قلب وعقل المُتلقّي.

وما أهَمّ وأجَلّ هذه الأيام المباركة من شهر رمضان المبارك.

عناصر الخطبة

  • غزوات النبي ﷺ في بدر وفتح مكة كانت في رمضان شهر الصيام والصبر.
  • الذين صاموا رمضان إيماناً واحتساباً من الصحابة ومن سلك سبيلهم جعلوا رمضان شهر البطولات والانتصارات؛ لانهم انتصروا على أنفسهم فنصروا الحق المبين.
  • شهر رمضان المبارك مصدر الأخلاق الحميدة ومصدر التمكين للأمة حتى تقوم الساعة.
  • ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية يذكر الأحفاد بمآثر الأجداد في الثبات والصمود وأن الأردن ليفخر بسليل الدوحة الهاشمية الذي يحمل راية الشجاعة في الدفاع عن القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في الداخل والخارج، وشعبه الأبي وراءه في التأييد لمواقفه المشرفة.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فإن مناسبة حلول شهر رمضان المبارك هي إحدى الأحداث الأهم في حياة المسلمين، حيث يعتبر شهر الصيام فرصة للتقرب إلى الله، وللتعبد والتفكر في نعم الله وعظمته.

إخواني، إن شهر رمضان يمثل فرصة لتنظيف الروح والجسد، ولصقل الأخلاق والقيم الإسلامية العظيمة، وتحقيق الرضا الإلهي والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى

إنّ المتأمل في الأحداث والوقائع التي حدثت في شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي المجيد، لا يملك إلا أن يقف إجلالاً لما سطّره المسلمون بأحرف من نور من تضحيات عظيمة في بضع سنوات قليلة، هذه الانتصارات وتلكم الفتوحات لم تأتِ من قبيل المصادفة، بل تمخضت عن تربية إيمانية على معاني الصبر والثبات، والمسلمون يشحذون قوتهم ومنعتهم في محاريب العبادة، فالعبادات عند المسلمين ليست طقوساً بلا معنى، ولا تصرفات بلا مقاصد وغايات، بل هي من أجلّ المظاهر التي تربّي النفس على الطاعة والثبات والصبر والتقوى.

والصيام مدرسة يتربى فيها المؤمنون على الجهاد والمجاهدة والصبر والمصابرة، والتحمل ومضاءة العزيمة وقوة الإرادة وعزة النفس والإيمان وكلها جهاد للنفس، وكلها تحمّل ومشاقّ لا يكون النصر إلا معها، قال ﷺ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» شعب الإيمان للبيهقي.

وقد اتصلت آيات الصيام في سورة البقرة بآيات الجهاد، فنقرأ في كتاب ربنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: 183]، لتتصل هذه الآيات العظيمة بآيات كريمة تتحدَّث عن الجهاد، يقول الله ﷻ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].

فالعلاقة هنا واضحة بين الجهاد والصيام ومجاهدة النفس؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس أولاً، وإعداد للجسد، وبالتالي لن يستطيع الصبر والنصر في ميادين الحياة إلا من تدرب في مجاهدة النفس، فالمسلم حين يجاهد نفسه ويقمع شهوته ويستطيع الامتناع عن شهواته المباحة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لمدة شهر كامل فإنه سيتغلب على شهوات نفسه في الوقوع بالمحرمات من باب أولى، وكم من الأحاديث التي جمعت بين أجر الصائم الذي لا يفطر مع المجاهد الذي لا يفتر عن القتال والمصابرة.

يقول الرسول ﷺ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» صحيح مسلم.

ويقول الرسول ﷺ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لاَ أَجِدُهُ» ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إذا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟» قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ” متفق عليه.

وبذلك تظهر لنا سرّ العلاقة بين النصر المحرز في رمضان بشكل خاص وبين الصبر، فلا عجب أن ينتقل أهل الإيمان من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلّ إلى عزة ونصر مؤزّر.

عباد الله؛ إنّ الحديث عن الجهاد في شهر رمضان لا بدّ أن يصاحبه تذكّر لما حقّقه المسلمون من انتصارات ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بهذا الشهر العظيم، فكلما أظلنا شهر رمضان المبارك تذكرنا البطولات وعشنا الانتصارات وتجددت في نفوسنا العزيمة.

نستذكر في هذه الأيام المباركة غزوةَ بدر الكبرى في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة التي انتهت بالنّصر الباهر للمسلمين، فقد غيَّرت هذه الغزوة مجرى التاريخ؛ لذلك سماها الله ﷻ يوم الفرقان، وجعلها في شهر رمضان؛ من أجل أن نتفكر دائماً في هذا الشهر، وقد قال ﷻ تعظيماً لهذا النصر المبين: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنفال: 41].

نعم إنه يوم الفرقان، يوم عزة ونصر، وما أعظمها من أيام خالدات، فغزوة بدر الكبرى قضية عقيدة، تمثل فيها النصر الحاسم والفرقان بين الحقّ والباطل، وفيها معنى انتصار الحقّ على أعدائه المدجّجين بالسلاح المزوّدين بكلّ زاد، وهي قصة انتصار القلوب حين تتصل بالله ﷻ، وتقلب الموازين الظاهرة.

ورضي الله عن حسان بن ثابت، إذ يقول:

ما نَخشى بِحَمدِ اللَهِ قَوماً
إِذا ما أَلَّبوا جَمعاً عَلَينا

سَمَونا يَومَ بَدرٍ بِالعَوالي
وَإِن كَثُروا وَأُجمِعَتِ الزُحوفُ

كَفانا حَدَّهُم رَبٌّ رَؤوفُ
سِراعاً ما تُضَعضِعُنا الحُتوفُ

كما تعتبر غزوة بدر دستوراً للنصر والهزيمة، فهي كتاب مفتوح تقرأه الأجيال في كل زمان ومكان، وهي آية من آيات الله ما دامت السماوات والأرض، ﴿ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون﴾ [آل عمران: 123].

عباد الله؛ وتستمر قصة النصر في رمضان حتى أتى اليوم الموعود والفتح المبين، فتح مكة في العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، ذلك الفتح الذي تجلت فيه كل معاني العزة والقوة المقرونة بالرحمة والعفو والتسامح، فبالترتيب الدقيق واتخاذ كافة الأسباب الممكنة وتوفيق الله ﷻ تمكن النبي ﷺ من النصر في هذه المعركة دون أن تراق الدماء، وبقيت مكة المكرمة حرم الله الآمن في الأرض، ولما سمع ﷺ أحد الصحابة يقول:”اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة” ردَّ عليه ﷺ بقوله:«بل اليوم يوم المرحمة هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة»، وقال أيضاً: «أحلت لي ساعة من نهار» صحيح البخاري.

كما تجلى في هذا الفتح العظيم، أبهى صور العفو والعدل والرحمة عندما عفا ﷺ عن قُريشٍ العدو الألد، التي ما انفكت تؤذي رسول الله، وتحارب الإسلام بشتى الوسائل وبكل ما أتوا من قوة.

لما دان أهل مكة لرسول الله ﷺ، وجمعهم الرسول ﷺ وها هو يقول لهم:” ما تظنون أني فاعل بكم فيقولون: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فيقول لهم الرسول ﷺ: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، فماذا كانت النتيجة؟ دخل الناس في دين الله أفواجاً.

نعم إنها الرحمة والعفو والتي تفتح القلوب قبل أن تفتح العقول والحصون لذلك سماه الله ﷻ نصراً وفتحاً، قال سبحانه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾، فلا تكاد تجد أحداً أرحم ولا أحلم بأمته من رسول الله ﷺ.

عباد الله: وممّا نستذكره في هذه الأيام المباركة ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وهو يوم عزة وانتصار، وابتداء بناء وازدهار، وصفحة مشرقة في تاريخ وطننا الغالي لتتابع فيه الإنجازات، وتظهر عزمات الرجال في ميادين الفتوة والإباء.

ففي الخامس والعشرين من شهر أيار من عام 1946م تخلصنا بفضل الله ﷻ ومنته، وبجهد جلالة الملك المؤسس المغفور له عبد الله الأول بن الحسين، وبعزيمة أبناء وطننا الغالي الأحرار الذين بايعوه والتفوا حوله لتحرير الأردن من أغلال الاستعمار وقيوده وبناء دولةٍ أردنيّةٍ حديثةٍ مستقلّةٍ، وليبقى بلدنا الغالي أمانة في أعناقهم، يحافظون عليه محافظتهم على أنفسهم مهما كبرت التضحيات وعلت، ويحرسونه بعيون لا تنام على ضيم، وأصابع تقبض على النار بلا ارتعاش، وإرادة وعزيمة كالصخر صلابة.

وهذا الاستقلال إنما ناله الأردنيون بالصبر والجهاد والتضحيات وتقديم الغالي والنفيس، لنيل استقلال بلادهم وقد ضحوا لأجل حريته بمهج الأعين والأرواح، فهنيئاً لنا في هذا اليوم المبارك بهذه القيادة الهاشمية الحكيمة، وهنيئاً لنا بهذا الوطن المعطاء بهمة أبنائه وبناته.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: ونحن نتحدث عن جهاد المسلمين في شهر رمضان المبارك، وما حققوه من انتصارات عظيمة وفتوحات باهرة، علينا أن نعيش في شهر رمضان عبادة عظيمة ومعاني جليلة وغايات سامية، ننهل من معينها الدروس في الصبر والثبات والإخلاص، فإن الله قد وعدنا بالنصر والتمكين، وهو لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين، قال الله ﷻ: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 6].

والنصر يكون بالصبر والثبات على الحق وأن نكون مع الله ﷻ في كل أحوالنا ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: 7]، عندها يأتي النصر لا محالة ويتحقق في واقع الحياة إن شاء الله، قال ﷻ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

وعن تميم الداري قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يُعِزُ الله به الإسلام، وذُلاً يُذِلُ الله به الكفر« رواه الإمام أحمد.

ونحن في هذا البلد المبارك في أرض الرباط ما زلنا نقوم بهذا الواجب، وندافع عن المقدسات والحرمات، نناصر إخوتنا على ثرى فلسطين، الذين يحمون المقدسات في فلسطين الحبيبة وفي الأقصى السليب مسرى سيد الأولين والآخرين، أولى القبلتين، وثالث المسجدين، قبلة المسلمين الأولى؛ لتحرير بيت المقدس من دنس الصهاينة المعتدين بعون الله ﷻ.

ففرض الله ﷻ الصوم على عباده المؤمنين ليربّي النفوس على الصبر والثبات على الحق، وتوحيد الصفوف على نصرة الدين من خلال إظهار وحدتهم في العبادة وطاعة الله ﷻ.

فالصائمون في رمضان، يتذكرون إخوانهم الذين نالت منهم يد العدوان والطغيان، فشردتهم وهجرتهم وتركتهم بلا مأوى ولا معيل سوى الله ﷻ.

والحمد لله رب العالمين..

مجددا.. المزيد من الخُطَب لشهر رمضان

انتقينا لك من من مكتبتنا بعض الخطب؛ وهي:

والله ﷻ نسأل أن يوفقنا وإياكم، دومًا.

أضف تعليق

error: