خطبة رمضان شهر القرآن «مكتوبة جاهزة»

خطبة رمضان شهر القرآن , خطب مكتوبة , خطبة الجمعة

هذ هي الخطبة التي ينشدها أهل العِلم وعوام المسلمين رجالا ونساءً، صغارًا وكبارا. نعم، إنها خطبة رمضان شهر القرآن. تلك التي تحث المسلم على قراءة كتاب ربه في هذا الشهر المبارك، بل وتدبره والعمل بما جاء فيه. والخطبة نوفرها لكم مكتوبة جاهزة للاطلاع أو الطباعة.

نسأل الله العليم ﷻ أن ينفعنا وإياكم بها وبما ورد فيها من وعْظ وتوجيه وإرشاد.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

الخطبة الأولى

أما بعد فيا عباد الله؛ إن كرم الله ﷻ على عباده لا يحصيه إلا هو. نِعَم المولى ﷻ على العباد كثيرة. ومنها أن أنزل القرآن العظيم ﴿طه | مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾.

أنزل الله القرآن لإسعاد البشرية، لنقل البشرية من الشرك والزيغ والضلال والهم والغم والخرافات والبِدَع؛ إلى التوحيد والعلم والهداية والرشاد. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين﴾.

هذه موعظةٌ من الله، ليست من البشر. فيها هداية، فيها دلالة لطريق الخير والفلاح، لطريق النجاة في الدنيا والآخرة.

نعم؛ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾. يهدي للتي هي أقوم في العقائد. يهدي للتي هي أقوم في العبادات والأخلاق. هذا كلام الله ﷻ.

رمضان شهر القرآن

أنزل الله القرآن -يا أُمَّة القرآن- في شهر رمضان. ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. فمن أراد الفوز والفلاح فعليه بالقرآن.

يا أمة القرآن؛ نرى -ولله الحمد والمنة- أن المسلمين يقبلون في شهر رمضان على كتاب الله. تلاوة وتدبرًا وتفسيرا على تفاوتٍ بين الناس في ذلك. وهذا من فضل الله ﷻ، لأنهم يعلمون ويجزمون. نعم؛ يعلم المسلمون ويعتقدون أنه لا نجاة إلا بالأخذ بكتاب الله ﷻ. ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.

يا أمة القرآن؛ كان من هدي رسول الله ﷺ أنه يُقبل على كتاب الله في كل وقت وحين. وله شأن آخر في رمضان مع كتاب الله ﷻ. قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ أجود الناس. وكان أجود ما يكون في رمضان. حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن.

أيها المؤمنون؛ تأسّوا برسول الهدى ﷺ، وأقبلوا على كتاب ربكم تلاوة وتدبرا وتأملا في كتاب الله ﷻ.

﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾. تأملوا أيها المؤمنون. لماذا أُنزِل القرآن؟ ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾. قال أحد السلف: أُنزِل القرآن لتدبره والعمل به، واتخذ بعض الناس تلاوته عملا.

أيها المؤمنون من أراد أن ينتفع بكتاب الله ﷻ فعليه بالتدبر والتأمل. ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾. وقال -سبحانه- ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾.

أيها المؤمنون؛ اعلموا أن خير الأُمَّة من تمسَّك بالقرآن، من قرأ القرآن، من تأمَّل بكتاب الله ﷻ. وقد روى البخاري في صحيحة عن ابن عباس، أن النبي ﷺ. قال «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». فخير الأُمَّة يا أمة القرآن من أخذ بكتاب الله ﷻ، من تمسَّك بكتاب الله ﷻ.

قال رسول الهدى ﷺ -كما في حديث عمر بن الخطاب- «إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين». كم من إنسان عِنده من المَنصِب والجَاه والنسب والحسب، ولكنه أعرض عن كتاب الله ﷻ؛ فوضعه القرآن. إي وربي. ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى | قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا | قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾.

يا أمة القرآن؛ تأملوا معي في قول الرسول ﷺ «إن لله أهلين من الناس». انظروا إلى هذا الشَّرف العظيم. قالوا: من هم يا رسول الله؟ فكل مسلم يتمنى أن ينتسب إلى ربه ﷻ. من هم هؤلاء؟ قال «هم أهل القرآن ، أهل الله وخاصته».

نعم يا عباد الله. وهناك أحاديث عن فضل قراءة القرآن في رمضان وفي غير رمضان. فتأملوا هنا إلى فضل الله على عباده. قال رسول الهدى ﷺ «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».

فقارئ القرآن تنهال عليه الحسنات. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والله يضاعف لمن يشاء على حسب ما في القلب من الصدق والإخلاص والإقبال على الله ﷻ.

تدبر القرآن

أُمَّة القرآن؛ اقرءوا كتاب الله ﷻ بتدبر وتأمل. فبعض أهل العلم ذهب إلى أن التدبر أفضل من كثرة القراءة من غير تدبر. واستدلوا بأدلة منها ما مر معنا. ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾. واستدلوا أيضًا بفِعل النبي ﷺ. فقد قام ليلة كاملة يردد قول الله ﷻ ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

والقرآن يتأثر به من يتدبر. نعم أيها المسلمون. ولا شك ولا ريب أن أنفع شيء للقلب هو تدبر كلام الله -جل في علاه-. والعبرة يا عباد الله أن نفهم كلام الله ﷻ، أن نعمل بكلام الله ﷻ.

وقال ابن عباس عندما جاءه رجل وقال: يا ابن عباس، إنني سريع القراءة -وورد أنه قال: إنني أختم في ثلاث ليال | وفي رواية: اختم في ليلة- قال ابن عباس: لئن أقرأ سورة البقرة بتدبر وتفكر أحب إليّ من قراءتك هذه.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإنسان يكثر من من أحرف القرآن، يكثر من الختمات ومن كلام الله ﷻ. واستدلوا بقول النبي ﷺ «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة..». ولو جمع المسلم بين هذا وذاك. أي جعل له قراءة تدبريه، وقراءة يكثر منها من كتاب الله ﷻ. ولو جعل له برنامجا في حِفظ كتاب الله ﷻ في رمضان. يراجع حفظه ويتزود من الحفظ.

اعرف شخصا مَنَّ الله عليه بحفظ كتاب الله في شهر رمضان. كان يحفظ في كل سنة خمسة أجزاء. وبعد هذه المُدة -ست سنوات- أكْمل كتاب الله بإتقان. وهذا توفيق من الله ﷻ.

أمور تُعين على تدبر القرآن

أقبلوا يا عباد الله على كتاب ﷻ تدبرا وتفكرا، واستعينوا بالله ﷻ. وتمسكوا بالوسائل التي تساعدكم على فَهم كتاب الله. وهناك أمور تساعد على تدبر القرآن الكريم؛ منها:

١. أن يلجأ المسلم إلى الله ﷻ بصِدق ويقول: اللهم اجعلني من أهل القرآن. اللهم اجعلني من حفظة كتابك. اللهم ارزقني حفظ القرآن، وفهم القرآن، والعمل بالقرآن يا رب العالمين.

يُكثر من هذه الدعوات. وربنا ﷻ كريم لا يخيب من دعاه، ولا من رجاه.

٢. ومما يساعدك يا عبد الله أن تحب كلام الله ﷻ. تقرأ في نصوص القرآن، تقرأ في نصوص السنة. كل المسلمون يحبون كلام الله؛ ولكن هذه المحبة تتفاوت في قلوبهم. فعليك أن تقرأ في فضل القرآن. وأن تعلم أن نجاتك وسعادتك وفلاحك في الدنيا والآخرة على قدر محبتك وعملك بكتاب الله ﷻ.

٣. ومن الوسائل والأساليب المُعِينة على تدبر القرآن الكريم أيها المسلمون؛ الترتيل. إما أن يُرتل الإنسان أو يسمع قارئا يرتل كلام الله. ولِذا أهل العلم يقولون: إن سامع القرآن له من الأجر مثل من يقرأ القرآن. بل اختلف أهل العلم؛ أيهما أفضل؟ القراءة أم السماع. منهم من قال بالقراءة واستدلوا بالأدلة التي ذكرنا شيئا منها. ومنهم من قال الاستماع. وقالوا بأن الله ﷻ أمر بالاستماع. ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وقالوا إن الإنسان يتأثَّر بالسَّماع أكثر من القراءة. لكن الأدلة تدل على أن القراءة أفضل من السماع. وكُل يُؤجر على قدر إقباله وإخلاصه على كتاب الله ﷻ.

٤. ومما يساعدنا أيها المسلمون على فهم كتاب الله ﷻ، أن نقرأ بتفسير من التفاسير. توضح لنا ما أشكل علينا.

نعم؛ يقرأ الإنسان بتفسير أو بمختصر من التفاسير التي تساعده على فهم كتاب الله ﷻ.

هذا كله يساعد المسلم على فَهم كتاب الله ﷻ. وقد تأسّى الرعيل الأول برسول الهدى ﷺ. وقام عدد من الصحابة بآية من كتاب الله، يرددونها. يقول ابن القيم “رحمه الله”: لا يمكن أن تُعالج القلوب بمثل كلام علام ﷻ. ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾.

٥. ومما يساعدنا أيها المسلمون على فهم كتاب الله؛ أن نتعرَّف على المعاني التي جاء بها القرآن. فالقرآن جاء بعِدة معان. منها أنه جاء بمعنى الوعد. عبد الله؛ أيها المسلم، إذا سمعت الوعد من الله فاستبشر وردد الآية. يعدك ربك ﷻ. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.

يعدك خالقك ﷻ بنعيمٍ لا ينقطِع، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ | فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾.

تدبُّر معاني القرآن

عبد الله؛ تذكَّر هذا النعيم. ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ | عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ | تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم﴾. تذكر قول الله ﷻ. ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ | وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ | وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ﴾.

نعم يا عبد الله. تذكر هذا النعيم، وردد -يا عبد الله- هذه الآية. وهذا قريب وقريب جدا.

فالمؤمن يتنعم منذ أن تفارق روحه جسده. نعم. عبد الله إذا سمعت آيات الوعد من الله ﷻ فرددها مرات ومرات. نعيم الدنيا مهما بلغ يزول. ومهما ملك الإنسان من الأموال ومهما سكن في القصور فإنه لا بد من أن يرحل. فالنعيم المقيم عند رب العالمين.

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾. فالأمن عندما يدخل المسلم الجنة. هذا هو الأمن الكامل يا عباد الله.

وتأمل في المعنى الآخر؛ تأمل في الوعيد. يتوعَّد الله ﷻ من أعرض عنه، من أعرض عن كتابه، من أعرض عن طاعته بالهموم والغموم والعذاب والنكال في الدنيا والآخرة ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. وقال -سبحانه- ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ | مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾.

فإذا مرت بك -يا عبد الله- هذه الآيات التي يتوعد الله ﷻ بها من أعرض عن طاعته. حرك بها قلبك، فهي تداوي أمراض القلوب.

ومن المعاني التي جاء بها القرآن معنى القصص، أخبار الأنبياء وما حصل للأنبياء والرسل.

أين فرعون؟ عندما دعا موسى -عليه الصلاة والسلام- فرعون وقومه آمن من آمن وأعرض من أعرض. أين من استجاب؟ وأين من أعرض عن الله ﷻ؟ ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

تأمَّل إذا مر بك أخبار الأنبياء. فالله ﷻ قَصَّ علينا أخبار الأنبياء حتى نأخذ العبرة. فالعاقبة للتقوى، والعاقبة للمتقين يا أمة القرآن.

ومن المعاني التي جاء بها القرآن. جاء بمعنى المعاد. يخبرنا ربنا، يخبرنا العليم الحكيم، يخبرنا الذي خلقنا، يخبرنا الذي يعلم ما كان وسيكون في يوم القيامة. قال الله ﷻ -يصف ذلك اليوم لعلنا نعمل بطاعته- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاس﴾ الخطاب لك يا عبد الله ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم | يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد﴾.

نعم، كلٌ يريد النجاة لنفسه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ﴾.

أيها المؤمنون؛ حَرِّكوا قلوبكم بكتاب الله ﷻ. قال ابن مسعود “رضي الله عنه”: لا تهذوا القرآن، كهذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب. وفي رواية أُخرى: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.

نعم؛ لا يكن -يا عبد الله- همك أن تقرأ كذا من الختمات. ولكن داوي أمراض قلبك بكتاب الله -جل في علاه-. فإذا تأمَّل المسلم بمعاني القرآن فإنه سيفهم كلام الله ﷻ.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله وعظمته. وأشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد؛ فيا عباد الله، إن المتأمل بكتاب الله ﷻ وما أخبر عنه أنه سيمر على كل واحد منا في يوم القيامة يجعل المسلم يراجع نفسه مرات ومرات.

عبد الله، أيها المسلم؛ يوم القيامة كل منا سيأخذ نتيجة عمله في هذه الحياة الدنيا، ويقرأ الأعمال والأقوال التي عملها والتي قالها في هذه الدنيا.

قال الله ﷻ ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا | اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. وقال -سبحانه- في سورة الكهف ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

وتأمَّلوا في قول الله ﷻ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ | وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾.

كيف تأثر الصحابة والتابعين بالقرآن!

اقرءوا في سيرة الرعيل الأول، من تربوا على يد النبي ﷺ. انظروا إلى تأثرهم في كتاب الله. قال رسول الهدى ﷺ «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس». قالت عائشة: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق، لا يسمع الناس من البكاء.

فكان -رضي الله عنه- يخشع في سورة الفاتحة، يبكي في كتاب الله ﷻ.

وعمر -رضي الله عنه- عندما صلى في الناس وقرأ في سورة يوسف. سُمِعَ نَشِيجُه خَلْف الصُّفوف. في قول الله ﷻ ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

يفهمون كتاب ربهم ﷻ ويرددون آيات الله ﷻ ويُحَركون بها القلوب.

قام عمر بن عبد العزيز يقرأ في محرابه في بيته ذات ليلة، ثم بكى وأبكى أهله. ولما أتى من الغد سأله أهله عن بكائه! قال: كنت أقرأ في سورة الزمر، حتى أتيت قول الله ﷻ ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾. فتذكرت يوم القيامة وانقسام الناس إلى قسمين؛ فريق في الجنة وفريق في السعير. فما أدري من أيّ القسمين أكون.

عباد الله، كل مِنا يراجع نفسه مع كتاب الله ﷻ. ومن أراد أن ينظر إلى منزلته عند خالِقه فلينظر إلى منزلة القرآن في قلبه.

الدعاء

اللهم يا حي يا قيوم أحي قلوبنا بكتابك. اللهم ارزقنا حفظه وفهمه والعمل به يا رب العالمين.

اللهم يا حي يا قيوم، نسألك أن تجعلنا من أهل القرآن يا رب العالمين.

اللهم أعِنا على حفظه وفهمه والعمل به يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، اللهم اجعلنا من الفائزين المرحومين يا أرحم الراحمين.

اقبل صيامنا وقيامنا ودعائنا وسائِر أعمالنا. وتجاوز عن سيئاتنا وأخطائنا يا رب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.

نسألك يا كريم، يا من تُحِب السائلين؛ نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بِك من الشر كله عاجله وآجله.

نسألك يا كريم من خير ما سألك منه محمد ﷺ. ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه محمد ﷺ.

اللهم يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين؛ فرج هم المهمومين. اللهم فرج هم المهمومين. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اقض الدين عن المدينين.

يا رب أصلح أحوال المسلمين واجمع قلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.

اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أحدا من المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء. ووفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى وسدد أقوالهم وأعمالهم، وبارك في جهودهم يا رب العالمين.

اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله. واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا. من كان منهم على قيد الحياة؛ اللهم أطل عمره على طاعتك. ومن كان منهم تحت الثرى؛ اللهم أنزل على قبره الفسحة والسرور. اللهم أنزل على قبره الرحمة يا أرحم الراحمين. اللهم انقلهم من ضيق اللحود إلى جناتك جنات الخلود يا رب العالمين.

اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، واجعلنا ممن يُبَشَّر بروح وريحان ورب راض غير غضبان يا أرحم الراحمين..

اللهم أعنا على ما بقي من الشهر. أعنا على الصيام على الوجه الذي يرضيك عنا.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كانت هذه خطبة رمضان شهر القرآن. خطبة جمعة مكتوبة وجاهزة، مشكولة الآيات وكاملة الأقسام “مقدمة وخطبة أولى وثانية، ثم الدعاء”. ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن داود الفايز [وهو رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الزلفي سابقًا، مدير عام إدارة الأوقاف والمساجد بمكة المكرمة سابقًا] فجزاه الله خيرا.

وهنا نقترح عليك أيضًا: خطبة قصيرة عن قدوم شهر رمضان الفضيل

أضف تعليق

error: