خطبة: رمضان شهر التضحية والعطاء — مكتوبة

خطبة الجمعة , رمضان شهر التضحية والعطاء , خُطَب مكتوبة

وفي هذه الأيام المُبارَكة العَطرة نزيدكم بأجمل خُطَب الجمعة ودروس العِلم والفِقه. ومنها خطبة اليوم؛ وهي بعنوان: رمضان شهر التضحية والعطاء. أحد الخُطَب المنبريَّة التي يُقدمها لكم موقع المزيد.كوم على صفحاته، لتكون سندًا وعونًا لكم عند انتقاء واختيار وتحديد موضوع الخطبة الخاص بك –أخي الخطيب– لتُلقيه على مسامع المصلين في الجامع الذي تتولَّى الخطابة فيه.

فما رأيك؛ أليس موضوع جذَّاب؟ حسنًا، انتظر حتى تقرأ الخطبة كاملة واعطني ردَّك..

عناصر الخطبة

  • شهر رمضان هو شهر الانتصارات التي سطرها المسلمون في ميادين الجهاد.
  • الصيام هو المدرسة التي يتربى فيها المؤمن على الصبر والثبات والانتصار على شهوات النفس، وبه يكون إعداد النفس للصبر في ميادين الجهاد.
  • في شهر رمضان وقائع فاصلة في تاريخ الأمة وأيام عظيمة في نهضتها كغزوة بدر الكبرى وفتح مكة ومعركة عين جالوت.
  • ذكرى الاستقلال في شهر رمضان المبارك تربطنا بعقيدتنا التي تحثنا على الدفاع عن الأوطان وتحريرها من يد الغاصب والمعتدي.
  • ارتباط شهر رمضان بالزكاة، وأهمية الزكاة في الإسلام.
  • الحث على البذل ولعطاء وإخراج زكاة المال في رمضان.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، نحمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المتقين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ونشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ﷺ أدّى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمّة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب: 70–71.

الخطبة الأولى

عباد الله… إن من خصوصية شهر رمضان المبارك، أن جميع أبواب الجنة تفتح فيه، وينادي منادٍ كما ورد في الحديث الشريف «يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، فقد جعل الله ﷻ، لكل عمل من الأعمال العظيمة في الإسلام باباً خاصاً به فقال نبينا ﷺ: «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة»، وأما في شهر رمضان المبارك فبإمكان المسلم أن يجمع بين أبواب الخير هذه كلها فيدخل من أي أبواب الجنة شاء بإذن الله ﷻ.

فأما الجهاد في سبيل الله فإن شهر رمضان هو شهر التضحية والبذل والعطاء في سبيل الله ﷻ ولأجل نهضة الأمة وارتقائها، ففي شهر الصيام يجاهد المسلم لصد الشهوات والنزوات والمنكرات، ويبذل طاقته للتضحية بزخارف الدنيا ومطامعها ، لنيل الثواب والدرجات عند الله ﷻ، وكم من الأحاديث التي جمعت بين أجر الصائم الذي لا يفطر مع المجاهد الذي لا يفتر عن القتال والمصابرة، يقول الرسول ﷺ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»، ويقول الرسول ﷺ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ ﷻ».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لاَ أَجِدُهُ» ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إذا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟» قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ”.

ففي هذا الشهر المبارك حدثت أعظم وقائع التاريخ وبنت للمسلمين حضارة ودولة قائمة على أسس العدل والحرية من براثن الشرك والوثنية، وما كان ذلك إلا من خلال بذل التضحيات العظيمة بالنفس والمال من قبل المسلمين الصادقين، الذين بذلوا دمائهم وأموالهم في سبيل نصرة دينهم وأوطانهم، ففي شهر رمضان كانت غزوة بدر التي ضحى بها المسلمون بأنفسهم رغم قلة الإمكانات في سبيل نصرة دين الله ﷻ، وفي شهر رمضان، كان فتح مكة وهو أعظم فتح في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث حرر الله ﷻ فيه بيته الحرام من الشرك وعبادة الأوثان والجاهلية، وفي شهر رمضان المبارك انتصر المسلمون في معركة عين جالوت.

عباد الله… ليس من قبيل المصادفة أن يكون رمضان العظيم ظرفاً وزماناً للعديد من الانتصارات والمعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل هو من تقادير المولى صاحب القول الفصل، وحين نقلب صفحات التاريخ الإسلامي نجد الجهاد سمة أساسيةً من سمات الإسلام، وصفةً بارزةً للمؤمنين.

ونحن نتفيء في ظلال شهر رمضان المبارك ونستذكر بطولات المسلمين في التضحية والفداء في سبيل الله ونهضة الأمة فإننا نتنسم في هذا اليوم المبارك نفحات عطرة من تاريخ هذا البلد المبارك وهو يوم الاستقلال للمملكة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1946م تخلصنا بفضل الله ﷻ ومنته، وبجهد جلالة الملك المؤسس المغفور له عبد الله الأول بن الحسين، وبعزيمة أبناء وطننا الغالي الأحرار الذين بايعوه والتفوا حوله لتحرير الأردن من أغلال الاستعمار وقيوده وبناء دولةٍ أردنيّةٍ حديثةٍ مستقلّةٍ، وليبقى بلدنا الغالي أمانة في أعناقهم، يحافظون عليه محافظتهم على أنفسهم مهما كبرت التضحيات وعلت، ويحرسونه بعيون لا تنام على ضيم، وأصابع تقبض على النار بلا ارتعاش، وإرادة وعزيمة كالصخر صلابة.

وهذا الاستقلال إنما ناله الأردنيون بالصبر والجهاد والتضحيات وتقديم الغالي والنفيس، لنيل استقلال بلادهم وقد ضحوا لأجل حريته بمهج الأعين والأرواح، فهنيئاً لنا في هذا اليوم المبارك بهذه القيادة الهاشمية الحكيمة، وهنيئاً لنا بهذا الوطن المعطاء بهمة أبنائه وبناته.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: وكما كان شهر رمضان المبارك شهراً للتضحية بالنفس في سبيل الله ﷻ وتحقيق الانتصارات والفتوحات، فإن هذه التضحيات لا تقِفُ عند حدٍّ؛ فكما هي بقطع الجسد عن الملذات وشهوات الحياة، ومنعه من المباحات فإنها تكونُ أيضًا بالتضحية بالمال الذي تُحبُّه النفوسُ أشدَّ الحبِّ، وذلك من خلال بذل هذا المال في وجوه الخير وإخراج الزكاة وإيثار الغير على النفس فيبذُل المسلم ما تطيبُ به نفسُه من مالِه، مُستيقِنًا بأنَّ الله ﷻ سيُجزِلُ له العِوَض، ويُقابِلَ عطاءَه الذي سخَت به نفسُه بأفضلَ منه، وأعظم عائِدة، وأوفرَ جزاءً مما بذل، ويكفي في بذل المال ودفع الزكاة أنها سبب في اتقاء غضب الله ﷻ لقول النبي ﷺ: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا».

ولقد ارتبط شهر رمضان المبارك بالزكاة، حيث يعمد المسلمون في هذا الشهر لإخراج زكاة أموالهم طلباً للزيادة في الأجر، والمضاعفة في الحسنات، فبهذا الركن العظيم من أركان الإسلام تزكو الأموال وتسمو النفس ويسمو المجتمع ويصبح كالجسد الواحد.

إنّ مبدأ الزكاة حين طُبِّق في العصور الإسلامية نجح في محاربة الفقر وأقام التكافل الاجتماعي، ونزع من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء وقلَّل كثيراً من الجرائم الخلقية والاجتماعية وأزال أسبابها من الفقر والحاجة، وعوّد المؤمنين البذل والسخاء، وهيَّأ سُبُلَ العمل لمن لا يجد المال.

وفي إيجابِها مواساة للفقراء ومعونة للضعفاء، وصلة بين المحتاجين والأغنياء، فضائلها عديدة، والمتأمّل في النظام الإسلامي الاقتصادي والاجتماعي يرى أنه أعدل نظام؛ فمال الغني فيه حقٌ للفقير، ويكتب الله له الأجر والثواب على بذله، ويحفظ له ماله ، قال الله ﷻ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

وما وكل الله الزَّكاة لنبي ولا ملك، ولكن تولَّى قسمتَها بنفسه؛ قال ﷻ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

فالزكاة لا تنفع ولا تبرأ منها الذمة حتى تُوضع في الموضع الذي وضعها الله فيه في الأصناف الثَّمانية، مثل ذوي الحاجة من الفقراء والمساكين، والغارمين الذين عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها.

وتذكر أخي المسلم أن المال مال الله وقد استخلفك فيه؛ قال ﷻ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه﴾، فالإنسان وكيلٌ في استثمار هذا المال الذي جعَله الله في يده؛ يقول ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.

فلنسارع جميعاً تزكية الأموال بدفعها إلى الجهات الموثوقة المعتمدة التي توصل الدعم إلى مستحقيه كاملاً، دون نقص أو تقصير.

والحمد لله رب العالمين..

المزيد من الخطب عن شهر رمضان المبارك

انتقينا من مكتوبة موقع المزيد.كوم للخُطب المكتوبة بعض الخُطَب المنبرية التي تتحدَّث حول شهر رمضان المبارك؛ وهي:

وفَّقنا الله وإيَّاكُم لكُل خير.

أضف تعليق

error: