خطبة: شرف الرباط في المسجد الأقصى وفضل العشر الأواخر من رمضان

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة: شرف الرباط في المسجد الأقصى وفضل العشر الأواخر من رمضان

عنوان وموضوع مُغاير لما اعتاده البعْض. وهو «شرف الرباط في المسجد الأقصى وفضل العشر الأواخر من رمضان». نعم، خطبة جمعة مكتوبة، رائِعة، بانتظاركم أحبابي؛ فاغتنموها الآن.

عناصر الخطبة

  • أقبلت العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وفيها من الخيرات والأجور الكثيرة، فيها الفضائل العظيمة، والخصال الحميدة، فقد كان النبي ﷺ يجتهد في هذه العشر بالعمل أكثر من غيرها.
  • الدفاع عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك هو أولى أولوياتنا في هذا البلد المبارك فهي قضية لا تقبل التنازل أو التفريط ، وهو حق خالص للمسلمين وحدهم ولا يقبل التقسيم الزماني أو المكاني وهو ما تؤكده الوصاية الهاشمية.
  • يجب على المسلمين أن يقفوا صفاً واحداً لرد الأذى عن القدس والمقدسات، والقيامُ بواجبهم تجاه المسجد الأقصى المبارك من خلال العملِ الجادِّ على ربط الأجيال بالمسجد الأقصى المبارك.
  • التمسك بدعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ الأنبياء: 87، وترديده أربعين مرة في اليوم أو ليلة ففيه تفريج الكربات.

الخطبة الأولى

أقبلت العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، فيها الخيرات والأجور الكثيرة، فيها الفضائل العظيمة، والخصال الحميدة، فقد كان النبي ﷺ يجتهد في هذه العشر بالعمل أكثر من غيرها فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» — صحيح مسلم.

وعنها قالت: «كان النبي ﷺ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» — صحيح مسلم.

ومن أعمال هذه العشر أن النبي ﷺ كان يعتكف فيها؛ والاعتكاف: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله ﷻ وهو في السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:« إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ» — صحيح مسلم.

كما وأن الاجتهاد في شهر الصيام بالقيام والطاعات سبب لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات القيام، قال ﷺ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» — متفق عليه.

وقال ﷺ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» — صحيح مسلم.

هذا ونحن في هذا البلد الطيب المبارك مرابطون على اكناف بيت المقدس الى يوم القيامة، معتصمين بقول النبي ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» — مسند الإمام أحمد.

إن معاني الإيمان والاحتساب لله ﷻ تتجلى بالدفاع عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشرفين وفدائه بالمُهج والأرواح ضد الاعتداءات الغاشمة التي تحاول تدنيس قدسيته.

ونحن في هذا البلد المبارك في أرض الرباط ما زلنا ندافع عن المقدسات والحرمات، نناصر إخوتنا على ثرى فلسطين، الذين يحمون المقدسات وينافحون عن كرامة الأمة في فلسطين الحبيبة وفي المسجد الأقصى المبارك، فالدفاع عن قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك هو أولى أولوياتنا فلا تقبل التنازل أو التفريط، فهو حق خالص للمسلمين وحدهم ولا يقبل التقسيم الزماني أو المكاني وهو ما تؤكده الوصاية الهاشمية وستبقى الوصاية الهاشمية المباركة على المقدسات في مدينة القدس تمثّل جزءاً أصيلاً من الرباط المُقدس لأهل الأردن وقيادته الهاشمية المباركة في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.

عباد الله: إن فلسطين والمسجد الأقصى تستصرخ ضمائر المسلمين ليقفوا صفاً واحداً لرد الأذى عن القدس والمقدسات، ولتعميق معاني الشعور بقداستها في قلوب الصغار والكبار على حدٍّ سواء، فيجبُ على أمةِ الإسلامِ اليومَ، القيامُ بالعملِ الجادِّ على تربيةِ الأولادِ تربيةً إسلاميةً صحيحة، مِلؤُها مشاعرُ العزةِ والكرامَة، والرغبةِ في استرجاعِ الحقِّ الضائع، من خلال ربط الأجيال بالمسجد الأقصى المبارك ليبقى مهوى الأفئدة، وقد مرّ على هذه الأمة من الأحداث ما هو أشدّ وقعاً وأعظم خطراً، وقد كشفها الله ﷻ بهمّة أبناء المسلمين، وإخلاص نيتهم، ورباطهم حول مقدساتهم، وجهادهم الصادق الذي دحر الأعداء وردّ كيدهم في نحورهم، خاصة ونحن على أعتاب العشر الأخيرة من شهر رمضان، الذي ينبغي أن يمتلئ على أهله أمناً وسكينة وطمأنينة، ويتوجه فيه المسلمون إلى المساجد لعمارتها بالذكر والصلاة والتسبيح لله ﷻ ليعم الخير والأمان على العالم أجمع، وتجتمع فيها القلوب على المحبة والأخوة الإنسانية.

ولا زلات الأمة الإسلامية تستذكر في شهر رمضان المبارك معركة عين جالوت، تلك المعركة التي دارت رحاها على أرض فلسطين الحبيبة، في الخامس والعشرين من شهر رمضان، واستطاع المسلمون بفضل الله ﷻ دحر جحافل المغول الذين عاثوا في الأرض فساداً وأهلكوا الحرث والنسل، وكادوا أن يجتثوا حضارة المسلمين من جذورها، فأفنوا من المسلمين خلقاً عظيماً، حتى قال ابن الأثير مؤرخاً لهذه الحادثة، بعد ما رأى من هولهم، وشهد من بطشهم:” فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا… فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله ﷻ آدم إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها”.

ثم جاء نصر الله بعد ذلك، ليحفظ الله هذا الدين الذي تعهد بحفظه، بعد معركة قتالية وإيمانية قلّ نظيرها، فكانت فرجاً أتى بعد شدة، وعدلاً أقيم بعد ظلم خيم على بلاد المسلمين، فكانت من أيام الله ﷻ كما كانت سبباً في دخول كثير منهم إلى الإسلام لما رأوا من رحمة الإسلام وعدالته.

وكذلك فإننا في زمانناً هذا نثق بوعد الله ﷻ، وأنه ﷻ لا يخلف الميعاد، وهو ﷻ الذي قال: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ الإسراء: 7.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

عباد الله: إن من فضل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أن فيها ليلة القدر العظيمة التي أخبرنا الله ﷻ بأن فضل العمل الصالح فيها خير من ألف شهر مما عداها، فقال ﷻ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ القدر: 1-5، وقال ﷺ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» — صحيح البخاري.

ومن فضل ليلة القدر العظيمة، أن الله ﷻ جعلها الليلة التي يُفرق فيها كُلّ أمر حكيم أي أنه يُكتب فيها ما هو كائن من أمر الله ﷻ في السماء من الأرزاق والآجال، ومن يُعزّ الله ﷻ، ومن يذلّ، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة، المتقنة، التي ليس فيها خلل ولا نقص ولا سفه ولا باطل، ذلك تقدير العزيز العليم، قال ﷻ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ الدخان: 3-8.

لذلك فإننا نجتهد في هذه الليالي المباركة في الدعاء لصلاح أحوالنا، وحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وحفظ مقدساتنا من أن تنالها أيدي المعتدين.

وكذلك نتحرى هذه الليلة بالدعاء لله ﷻ أن يغفر لنا ذنوبنا أن يعفُ عن زلاتنا، وقد سألت أمنا عائشة رسول الله: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ:« تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» — سنن الترمذي.

وفي هذه العشر الأواخر ينبغي على المسلمين جميعاً أن يكثروا من دعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ وترديده أربعين مرة بنية تفريج الكربات.

الحمد لله رب العالمين..

خطب رمضانية مؤثرة.. تنتظركم

وفي مكتبة موقع المزيد.كوم نجِد خُطبًا أكثر عن شهر رمضان المبارَك؛ اخترنا لكم منها:

وبالتوفيق لكل خطباء المسلمين، إن شاء الله ﷻ.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: