خطبة: المسجد الأقصى المبارك شعار عزة المسلمين، ومحط رعاية الهاشميين

تحت عنوان: المسجد الأقصى المبارك شعار عزة المسلمين، ومحط رعاية الهاشميين؛ نصول ونجول معكم في خطبة الجمعة القادمة، سائلين الله العليم ﷻ أن ينفعنا وإياكم بما جاء بها، كما نسأله ﷻ أن يُحرر المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين وأن يربط على قلوب المرابطين فيه وفي القدس الشريف وغزة، وكل بقاع الحبيبة فلسطين.

خطبة الجمعة، المسجد الأقصى المبارك، شعار عزة المسلمين، محط رعاية الهاشميين، خطب مكتوبة

الخطبة الأولى

يعتبر المسجد الأقصى المبارك جزءاً لا يتجزء من عقيدة المسلمين ارتبطت به الأمة الإسلامية منذ بداية نشأتها في ليلة الإسراء والمعراج، حين أُسري بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى المبارك، وصلى إماماً بالأنبياء ليكون بيانٌ من الله عزّ وجل أن رسول الله ﷺ هو آخر لبنات صرح الأنبياء والمرسلين، وأن أمّته هي خاتمة الأمم، وإليها يؤول ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتأكيدٌ بعد تأكيد، لصلة الأمة الإسلامية ببيت المقدس، وتوثيق للروابط الإيمانية بالبلد المقدس والمسجد الأقصى المبارك، يقول الله ﷻ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

كما كان المسجد الأقصى المبارك مُبتدأ معراج النبي محمد ﷺ إلى السماء التي فُرضت فيها الصلاة على المُسلمين، وجعل الله ﷻ المسجد الأقصى المبارك هو قبلة المسلمين الأولى في صلاتهم، فعن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله «صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً» — صحيح البخاري.

وهو أحد ثلاثة مساجد حثّ النبي ﷺ المسلمين على شدّ الرحال إليها حتى تبقى عامرة بالمسلمين بالزيارة والوصال، قال ﷺ: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﷺ، ومسجد الأقصى» — متفق عليه.

ومن أهم فضائل بيت المقدس : أنه ثاني مسجد وضع في الأرض بعد بيت الله الحرام فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد» — متفق عليه.

وهذا يدل على فضيلة بيت المقدس، لأنه متقدمٌ على غيره من المساجد، ويدل على  أمر مهم كذلك، أنّ بيت المقدس ثاني بقعة عرفت عقيدة التوحيد، وجلجلت فيه أصداء الشهادة لله بالوحدانية، وظهرت فيه معالم العبودية.

إن كلّ هذه الفضائل للمسجد الأقصى المبارك، لتدل دلالة واضحة على أن المسجد الأقصى المبارك هو جزءٌ من هوية الأمة الإسلامية التي لا يمكن أن تتخلى عنها، أو أن تتنازل عن جزء من أجزائها، وإن أي اعتداء على هذه الأرض المقدسة هو اعتداء على عقيدة الأمة، فالمسلمون لم يفرطوا في القدس والمسجد الأقصى ولم ينسوها رغم كل الظروف، فلطالما تعرضت عبر التاريخ للاحتلال ولكن سرعان ما يتمكن أبناء الأمة من إعادتها والالتفاف حولها مصداقاً لقول الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

فكم حاولت يد العدوان أن تنال من درة مقدسات الإسلام، وكم حاولت نيران حقد الأعداء المشتعلة في القلوب أن تحرق المسجد الأقصى المبارك، فاعتدت عليه وأشعلت ألسنة اللهب فيه، وأحرقت منبر صلاح الدين الأيوبي؛ رمز تحرير بيت المقدس من دنس الاحتلال الإفرنجي؛ ورمز ارتباط القادة المسلمين بالقدس وبالمسجد الأقصى المبارك؛ ورمز عدالة الإسلام.

ولكنّ المسجد الأقصى المبارك يأبى إلا أن يكون رمزاً لعزة الإسلام والمسلمين، بسواعد أهله المرابطين في ساحاته ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾، وبصمود الأمهات المقدسيات والنساء الطاهرات اللاتي حفظن المسجد الأقصى المبارك، وكان لهنّ أكبر الأثر في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والحفاظ عليه طاهراً من دنس المعتدين المحتلين، فالأم المسلمة هي المدرسة التي ربّت أبناءها على مواجهة التحديات، فأنتجت الأبطال والمجاهدين والمرابطين، وقدّمت أبناءها شهداء في سبيل الدفاع عن قُدس الأمة وكرامتها، وهي التي تغرس في أبنائها المبادئ والقيم التي تشحذ هممهم، وتقوي عزيمتهم، فهي شريكة الرجل في الصمود الجهاد والحفاظ على كرامة الأمة ومقدساتها.

والواجب علينا كمسلمين أن نبذل مزيدَ رعايةٍ وعناية بالمسجد الأقصى المبارك، وأن نُنمي الوعي والانتباه إلى ما يُحاكُ حولَه وضِدَّه، فالحريق الذي أشعلته يد الغدر والعدوان في الماضي لا يزال مُشتعلاً في صدور المسلمين، وكما أحرق المحتلون المسجد الأقصى سابقاً فإنهم يحاولون حرق تاريخه وهويته في كل عصر وزمان، لذل ينبغي أن نغرس في نفوس الأجيال القادمة بأن كلّ جزء فيه هو حق خالص للمسلمين، وأن وعد الله ﷻ آتٍ لا محالة باستعادة المقدسات، ورجوع الحقوق إلى أصحابها، وقد قال ﷻ: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾، وهي البِشارة التي بشّر بها النبي ﷺ، وأنها علامة من علامات الساعة، فقال ﷺ: « اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس.. » — صحيح البخاري.

وهنا نجِد أيضًا: خطبة عن المسجد الأقصى وما جرى فيه من أحداث مؤسفة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

عباد الله: تعتبر الرعاية الهاشمية للقدس جزءاً من الثوابت الأردنية في الدفاع عن المقدسات منذ قديم الزمن، فالرابط بين الهاشميين والقدس رابط ديني قبل أن يكون رابطاً إدارياً أو قانونياً، وقد بقيت المقدسات الدينية في القدس تحت الوصاية والرعاية الهاشمية التي كان لها الدور الكبير في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية وحماية المسجد الأقصى المبارك وكل المقدسات في القدس الشريف بما ساهم في صمود أهلها أمام الاحتلال والانتهاكات التي تتعرض لها تلك المقدسات، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ” مسند الإمام أحمد.

كما أعادوا بناء منبر المسجد الأقصى المبارك «منبر صلاح الدين» برعاية كريمة من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وغيرها من الأعمال المتواصلة الدَّالة على الرعاية الخاصة من الهاشميين كتجديد فرشه وأثاثه بشكل مستمر، حتى يبقى شامة في أعين المسلمين، والله ﷻ يقول: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

كما كان لجلالته المواقف المشرفة في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك في وجه الطامعين والمعتدين الذين يحاولون النيل من مكانته في قلوب المسلمين، والاعتداء على قدسيته المكانية والزمانية والوجدانية، في جميع المحافل والمؤتمرات والندوات عالمياً ودولياً ومحلياً، والحرص على تعيين الموظفين القائمين على الإمامة والحفظ والرعاية والحراسة للمسجد المبارك، وقد كان لهذه الجهود المباركة التقدير الكبير من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية في العالم كلّه، وستبقى هذه الرعاية الكريمة والأعمال الجليلة النابعة من عقيدة راسخة وإيمان ثابت قائمة متواصلة إلى قيام الساعة بإذن الله ﷻ.

وقد تنال استحسانكم أيضًا: خطبة عن الحرب الروسية الأوكرانية وموقف المسلمين تجاهها


مُلخص الخطبة

  • المسجد الأقصى المبارك هو جزء من عقيدة المسلمين وقد ارتبطت به الأمة الإسلامية منذ بداية نشأتها في ليلة الإسراء والمعراج، ليكون التأكيد على أن الارتباط بالمسجد الأقصى المبارك هو جزء من هوية الأمة واتصالها به اتصال عقيدة وإيمان، لا يمكن للمسلم أن يتنازل عنه.
  • المسجد الأقصى المبارك هو رمز عزة الإسلام والمسلمين، من خلال مواقف أهله وصمودهم في وجه الأعداء، ورباطهم في ساحاته وبين جنابته وبصمود الأمهات المقدسيات والنساء الطاهرات اللاتي حفظن المسجد الأقصى المبارك، وكان لهنّ أكبر الأثر في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والحفاظ عليه طاهراً من دنس المعتدين المحتلين.
  • الواجب علينا كمسلمين أن نبذل مزيدَ رعايةٍ وعناية بالمسجد الأقصى المبارك، وأن نُنمي الوعي والانتباهٍ إلى ما يُحاكُ حولَه وضِدَّه، وينبغي أن نغرس في نفوس الأجيال القادمة بأن كلّ جزء منه هو حق خالص للمسلمين، وأن وعد الله ﷻ آتٍ لا محالة باستعادة المقدسات، ورجوع الحقوق إلى أصحابها.
  • تعتبر الرعاية الهاشمية للقدس جزءاً من الثوابت الأردنية في الدفاع عن المقدسات منذ قديم الزمن، فالرابط بين الهاشميين والقدس رابط ديني والوصاية والرعاية الهاشمية كان لها الدور الكبير في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية وحماية المسجد الأقصى المبارك وكل المقدسات في القدس الشريف مما ساهم في صمود أهلها أمام الاحتلال والانتهاكات التي تتعرض لها تلك المقدسات.

وختامًا؛ نترككم مع آخر مقترحاتنا من الخُطب المنبرية هاهُنا؛ وهي: خطبة عن أهمية التخطيط في حياة المسلم

أضف تعليق

error: