خطبة: المسجد الأقصى المبارك والوصاية الهاشمية – مكتوبة

خطبة: المسجد الأقصى المبارك والوصاية الهاشمية – مكتوبة

موضوع خطبة الجمعة اليوم –يا إخواني الخطباء– يأتيكم هذا الأسبوع تحت عنوان: المسجد الأقصى المبارك والوصاية الهاشمية. وقد قدَّمنا من قبل الكثير من الخُطَب في هذا الصَّدد، وسنضع لكم بعضًا منها خلال هذه الصفحة.

فتابعوا الاطلاع، رجاءً.

مقدمة الخطبة

الحمد الله رب العالمين، القائِل في مُحكَم التنزيل (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)؛ سبحانه العلي الأعلى، أوحى إلى عبده ما أوحى.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الأسماء الحسنى، والصفات العلى. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المصطفى؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ومن بهداهم اهتدى.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه، واحمدوه على هذا الدين العظيم والكتاب المبين. (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين).

الخطبة الأولى

عباد الله؛ المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي الكريم ﷺ ومعراجه إلى السموات العلى، قال الله ﷻ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء: 1.

وهو جزء من عقيدة الأمة الإسلامية التي لا تتجزأ، ولا تقبل المساومة، ومما يدل على قدسيته أنه أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، قال رسول الله ﷺ «لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» ← رواه البخاري.

وقد ضاعف الله ﷻ فيه الأجر فالصلاة فيه بخمسمائة صلاة، قال رسول الله ﷺ : «فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلَاةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلَاةٍ» ← رواه البيهقي.

وقد توجه المسلمون إليه في صلاتهم في مكة المكرمة بعد فرض الصلاة عليهم ستة عشر شهرًا بعد الهجرة، قبل أن يأذن الله ﷻ بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُحِبُّ أنْ يُوَجَّهَ إلى الكَعْبَةِ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ البقرة: 144.

وقد بارك الله ﷻ أرض المسجد الأقصى، وما حولها، ونحن في الأردن من الأرض المباركة بنص التنزيل، قال الله ﷻ: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الإسراء: 1، وهو ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض بعد المسجد الحرام.

عن أبي ذر رضي الله عنه قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ». قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قالَ: «ثُمَّ المَسْجِدُ الأقْصَى». قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: «أَرْبَعُونَ»، ثُمَّ قالَ: «حَيْثُما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، والأرْضُ لكَ مَسْجِدٌ» ← رواه البخاري.

وفي هذه الأيام نستذكر التضحيات الجليلة التي قدمها أبناء الجيش العربي المصطفوي في الدفاع والذود عن حياض القدس الشريف، وفي معارك باب الواد، واللطرون وغيرها، وستبقى قبور شهدائنا في ساحات القدس شاهداً حياً على البطولات التي خاضها الجيش المصطفوي في هذه الجنبات المباركة، فجباههم المتوضئة، وقلوبهم الطاهرة، وأرواحهم النقية التي فاضت إلى بارئها ونالت شرف الشهادة في سبيل الله ﷻ، تبعث يوم القيامة بدمائهم الزكية الطاهرة ريحها ريح المسك.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ» ← رواه البخاري.

وهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، قال الله ﷻ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ آل عمران: 169.

وسيبقى المسجد الأقصى المبارك على الرغم من الاحتلال ومحاولة التهويد وتغيير واقعه وهويته حقاً خالصاً للمسلمين، لا يقبل القسمة الزمانية ولا المكانية أبداً.

وما نتحدث عنه في هذا الجانب هو المساحة الكاملة للمسجد الأقصى وهي (144) دونماً.

هذه بعض الحقائق عن المسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف، وعن مكانتها المقدسة، وأنها مدينة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي، والقدس في الأرض كالشمس في السماء.

فمدينة القدس عربية المكان والزمان والسكان منذ قرون بعيدة قبل ميلاد المسيح عليه السلام وبعد الفتح الإسلامي، تألقت هذه المدينة وصارت محط رحال الصحابة رضي الله عنهم بدءًا بالفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن سلك سبيله من العلماء والحكماء والأولياء والصالحين.

لقد تناوب على المدينة المقدسة حكامٌ في أزمنة مختلفة، من أحسنَ إليها أحسنتْ إليه، وهي الآن ترتبط بالهاشميين الذين جعلوها قرة أعينهم، يدافعون عنها وعن أهلها في كل محفل وناد، فجزاهم الله خيراً.

إن أهل القدس الشريف صامدون على الرغم من محاولات اليهود تهويد المكان والزمان والسكان، ولكنهم ثابتون في وطنهم، يدافعون بجوارحهم وصدورهم عن المسجد الأقصى المبارك والمقدسات، ويرفضون كل الإغراءات المادية والمعنوية.

ونحن اليوم مدعوون جميعاً لدعم القدس والمقدسيين، وإن هذا الدعم عقيدة المسلمين التي تدعونا للتعاون على البر والتقوى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، والذي لا يتحقق إلاّ إذا كان الجميع معتصماً بحبل الله ﷻ (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).

إننا جميعاً اليوم نقف خلف الوصاية الشرعية التاريخية بكل شجاعة لا تلين حتى ينال أخوتنا في الأراضي المحتلة حقهم، وحتى يعود المسجد الأقصى والقدس الشريف عزيزاً منيعاً، يُعزُّ فيه أهل الطاعة، ويذلُّ فيه أهل المعصية، قال الله ﷻ: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا، عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ الإسراء: 7،8.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

ولا تنسوا قول النبي ﷺ: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾، ” أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.

سائلين الله ﷻ أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.

والحمد لله ربّ العالمين..

المزيد من الخطب عن المسجد الأقصى:

كما وعدناكم في أوَّل هذه الصفحة، سنوفر لكم مجموعة متميزة من الخطب حول نفس الموضوع؛ ومنها:

والله وليّ التوفيق.

أضف تعليق

error: