خطبة: القدس والمسجد الأقصى في وجدان المسلمين – مكتوبة «بالعناصر» بالكامل

القدس والمسجد الأقصى في وجدان المسلمين, خطب مكتوبة، خطبة الجمعة

عناصر الخطبة

  • مكانة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في الإسلام.
  • القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك في قلوب المسلمين تاريخيا وعقائديا.
  • الدفاع عن القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك واجب شرعي ووطني بالوسائل المشروعة.
  • دور الأمهات المقدسيات والنساء المرابطات في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.
  • دور الهاشميين في الحفاظ على هوية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك.

الخطبة الأولى

يقول الله ﷻ ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الصافات: 171-173، إنها القدس الشريف والأرض المباركة أرض الرسالات وساحة النبوات ومجمع الأنبياء وبوابة السماء وقبلة المسلمين الأولى، منتهى اسراء نبينا ومبتدأ معراجه، وهي أرض المحشر والمنشر، وفي الخبر عن سيد البشر: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين… لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (شدة) حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم، قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» رواه الإمام أحمد.

القدس التي تتعرض اليوم لهجمات تستهدف هويتها وتزور الحقائق وتطمس التاريخ ستبقى صامدة في وجه المحتلين الغاصبين، وما ارتكبته قوات الاحتلال من إغلاق بوابات المسجد الأقصى يعتبر عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، ويتنافى مع العقائد والقيم التي بشر بها أنبياء الله ورسول الإسلام محمد ﷺ، خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو الأمين على إرث الأنبياء والوارث لرسالاتهم جميعاً إلى قيام الساعة، بالعدالة والرحمة واحترام الأديان جميعاً.

وستبقى عقيدتنا تُجاهَ الحرمِ القدسيِ الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالثِ الحرمينِ الشريفين، أنَّهُ مُحتَلٌّ ومُغتَصَبٌ مِن قِبَلِ اليهود، فَكَّ اللهُ أسرَهُ ودَحَرَ عنه عدُوَّهُ وعدُوَّ المسلمين، ولا يستطيع أحد من الناسِ نَزعَ هذا الرابطِ الوَثيقِ من قلوبِ المسلمين، أو حتى استبدالَه برابطٍ قوميٍ تضاريسي، وقضية القدس هي قضية المسلمين جميعاً، يبذلون لأجلها المهج والأرواح، وكما فتح المرابطون المقدسيون باب الرحمة فإنهم بصمودهم وصبرهم المستمر سيفكون الحصار عن المسجد الأقصى المبارك وسيفتحون جميع أبوابه التي يحاول المحتلون إغلاقها ومنع المصلين من الدخول منها والوصول إلى مسجدهم والصلاة فيه.

عباد الله: إن مكانة المسجد الأقصى معلومة لا يجهلها أحد، وقد حفلت الآيات القرآنية بالعديد من الآيات التي تبين شرف القدس وبيت المقدس وموقعها في وجدان المسلمين، وهذه دواوين السنة امتلأت بالأحاديث النبوية التي أشارت إلى موقع القدس في وجدان المسلمين وأجر من شد الرحال إليها وقدم فيها القربات وعمَّرها بالطاعة والقُربى.

وهذا يؤكد الحقيقة الربانية التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين أن وعد الله حق، وأن القدس فسطاط المسلمين، من ذلك ما قرره الله ﷻ في سورة الإسراء ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ الإسراء: 4-5.

ثم يأتي الوعد الإلهي في تتمة الآيات، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ الإسراء: 7، وعد الله -ومن أصدق من الله حديثاً- آت لا محالة، فإن الله ﷻ ناصرٌ عباده، فلنكن عباداً لله، لنكون أهلاً لتحقيق موعود الله ﷻ في النصر والتمكين ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ محمد:7.

عباد الله: إن القدس والمقدسات الإسلامية في فلسطين جزءٌ لا يتجزأ من عقيدة المسلمين وتاريخهم وحضارتهم، وأي مساس بذلك هو عدوان على عقيدة أكثر من مليار ونصف مسلم على وجه الأرض.

ففي زمن الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- مشى بنفسه إلى المسجد الأقصى، في رحلة تاريخية قطع خلالها الفيافي، هو وخادمه في رحلة شاقة، يرافقهما لهيب الصحراء، يمشيان، ويركبان، حتى يصلا إلى بيت المقدس لتسلم مفاتيحها.

وهكذا فعل صلاحُ الدينِ الأيوبي، لمَّا قَدِمَ من الشامِ إلى الحرمِ القدسيِ لتحريرِه وتخليصِه من براثِنِ أيدي المغتصبينَ والمحتلين.

وإننا في هذا الوطن الحبيب في المملكة الأردنية الهاشمية قيادة وحكومة وشعباً نشارك جميع شعوب أمتنا العربية في هذا التصدي والتحذير من أي اعتداء على القدس الشريف التي مازال الهاشميون أوصياء عليها ينافحون عنها ويدافعون في كل المحافل الرسمية والدولية، كيف لا؟! وهي قرة عين الهاشميين وجوهر قضيتهم، وقد بذلت القيادة الهاشمية دورها التاريخي والشرعي للمحافظة على القدس والمسجد الأقصى المبارك عاصمة لقلوب المسلمين، ولتبقى أبوابها مشرعة مفتوحة للقائمين والناسكين في جنباته.

عرج على القدس نستنشق نوافحها
نهدي التحية للأسرى وللشهدا

هذي البلاد لنا رغم الذين أتوا
لها طرائق في أنسابهم قددا

يا قدس عنك عيون القلب ما غفلت
ونبض روحي عن عينيك ما ابتعدا

فالمسلمون لم يفرطوا في القدس والمسجد الأقصى لم ينسوها رغم كل الظروف والتحديات وستبقى قدس الأقداس مقدسة في أجيال أبناء الأمة فلطالما تعرضت عبر التاريخ للاحتلال ولكن سرعان ما يتمكن أبناء الأمة من إعادتها والالتفاف حولها، لأنهم ينطلقون في ذلك الحب والارتباط بالقدس الشريف من عقيدتهم ارتباطاً وثيقاً، بل هو جزء لا يتجزأ من عقيدتهم، والواجب علينا أن نبذل المسلمون مزيدَ وَعيٍ ورعايةٍ واهتمامٍ وعناية، وانتباهٍ إلى ما يُحاكُ حولَه وضِدَّه، لأنَّ اللهَ ﷻ عَلِمَ بما سَيؤولُ إليهِ حالُ المسجدِ الأقصى على مَرِّ الأزمنةِ مِن مكائدَ ومؤامرات، ومحاولاتِ احتلالٍ وسلبٍ للخيرات، وتخريبٍ وتدميرٍ واعتداءٍ على هُويةِ هذا المكانِ المُعظَّم، ومنع للمصلين من دخوله والصلاة فيه.

عباد الله: لقد كان للأمهات المقدسيات والنساء والمرابطات في المسجد الأقصى أكبر الأثر في الدفاع المسجد الأقصى المبارك والحفاظ عليه طاهراً من دنس المعتدين المحتلين، فهي برباطها وشجاعتها وتضحيتها التي قلّ نظيرها تشكل سداً منيعاً في وجه المعتدين، وهي المدرسة التي ربّت أبناءها على مواجهة التحديات، والصمود في وجه المحتلين المعتدين، فأنتجت الأبطال والمجاهدين والمرابطين، وقدّمت أبناءها شهداء في سبيل الدفاع عن قُدس الأمة وكرامتها، وهي التي تغرس في أبنائها المبادئ والقيم التي تشحذ هممهم، وتقوي عزيمتهم، فهي شريكة الرجل في الصمود الجهاد والحفاظ على كرامة الأمة ومقدساتها.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: إن الواجب على المسلمين في ظل هذا التحدي والاعتداء الغاشم أن يوحدوا صفهم ويجمعوا كلمتهم وينبذوا خلافاتهم للدفاع عن القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك وحمايتهما من أي عدوان يتعرض له ليبقى حرماً آمناً، وقد تناغمت الأدوار الشعبية والرسمية في مختلف المواقع لتكون القدس هي مصدر قوتنا وعنوان وحدتنا، ليبقى الأردن قوياً متماسكاً منيعاً، فهو بوابة الفتح المقدسي العظيم، وإن واجب كل فرد فينا أن يحافظ على أمنه واستقراره ومقدراته، يقوم كل منا بدوره حسب موقفه وموقعه، فكلنا على ثغرة من ثغوره، ويجب علينا أن نقدم مصلحة هذا البلد المرابط على كل المصالح الشخصية والأمزجة الخاصة.

وسيبقى الأردن أرض المهاجرين والأنصار والمجاهدين والمرابطين والثابتين على العهد أبد الدهر، إلى أن نلقى الله ﷻ.

والحمد لله رب العالمين..

⬛️ خُطَب ذات صِلة:

أضف تعليق

error: