خطبة عن كف الأذى «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»

خطبة عن كف الأذى «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»

عناصر الخطبة

  • تنظيم الإسلام لحياة المسلم في شتى مناحي الحياة.
  • حرص الإسلام على سلامة أمن المجتمع ومنع الاعتداء على الآخرين.
  • حفظ اللسان واليد عن أذى الآخرين من كمال الإيمان ومن مقاصد الشريعة الإسلامية.

الخطبة الأولى

شرع الإسلام مجموعة من المبادئ والقيم للحفاظ على مجتمع سوي آمن يسوده جو الإخوة والمحبة والسماحة، ومن أهم هذه المبادئ أن يبادر الإنسان إلى نشر الخير والرحمة في المجتمع وأن يكف أذاه عن إخوانه فالمؤمن الكامل الإيمان هو من لا يصدر منه إلا الخير، فلا يؤذي أحداً بلسانه ولا يتكلم إلا بخير، قال رسول الله ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».

والمسلم الحق لا ينطق لسانه بالسبّ والشتم وإخراج الألفاظ البذيئة المنكرة والطعن في أعراض الناس، فمن شأن ذلك أن ينشر الغل والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، فيتفكك المجتمع ويضعف بنيانه، وقد توعد الرسول ﷺ من فعل ذلك بأسوأ جزاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

على المسلم قبل أن يمتد لسانه لينال من أعراض إخوانه المسلمين، أو للسعي بأكل لحم أخيه بالغيبة أو إفساد المجتمع بالنميمة، أن يتذكر أن هناك رباً يسمع ويرى، وملائكة تخط وتكتب، قال ﷻ: ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾، وقد قال ابن مسعود: “والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان”، إلا أن ينطق هذا اللسان بخير أو بذكر الله.

وكم سمعنا عن أناسٍ وشاهدناً أناساً كان يضرب بهم المثل لشدتهم وشجاعتهم، وآخرين بطغيانهم وقوتهم، فأوردتهم ألسنتهم الزلات والمهالك، وكم أهلك الله أمماً وعاقبهم بتطاول ألسنتهم على أنبيائه وتكذيبهم لما جاؤوا به من الحق، وقد قال النبي ﷺ لسيدنا معاذ بن جبل عندما سأله عما يقرّبه إلى الجنة ويباعده عن النار: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى، فأخذ بلسانه، فقال: «تكف عليك هذا» قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار، إلا حصائد ألسنتهم؟».

احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءَه الفرسان

عباد الله: دلت النصوص الشرعية على تحريم إيذاء المسلم بأي وجه من الوجوه، من قول أو فعل بغير حق، ووجوب رفع الأذى عن المسلمين، قال ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾، وصعد النبي ﷺ يوما على المنبر فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يتَّبِعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ».

تأملوا عباد الله في هذا التحذير الكبير والوعيد الشديد من النبي ﷺ لمن تسول له نفسه أن يتطاول على المسلمين بل وعد ذلك من الأمور التي تخل بالإيمان، وتضع صاحبها على خطر شديد.

فالمسلمُ الحَقُّ هُوَ من كفَّ أذاهُ عن المسلمين، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ« وفي رواية: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».

عباد الله: إن حفظ اللسان عن الأذى والإساءة للآخرين من كمال الإيمان فمن آمن قلبه بالله ﷻ، فلا بد أن يمتلئ قلبه محبة للآخرين حتى يكتمل إيمانه، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلسانه، فلا بد أن يطهر هذا اللسان من الإساءة للآخرين، ويجعله أداة للدعوة إلى الحق والخير، ومن أقام نفسه لأداء الطاعات وأركان الدين عليه أن يخطو خطوات عملية تعصم المجتمع الإسلامي وتحفظ أمنه واستقراره، وتديم عليه ازدهاره ورقيه، فلا بد مع حفظ اللسان عن المحارم أن يحفظ المرء يده عن الاعتداء على أرواح المسلمين وأعراضهم، وصيانة جوارحه عن أموال الغير وأملاكهم بغير وجه حق، وهذا يمثل الشطر الثاني لكمال إسلام المرء في قوله ﷺ «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

فكف الأذى عن الناس عبادة عظيمة وهي من أجل القربات إلى الله ﷻ، ويتضاعف نفعها، وتزداد بركتها إذا أشغلها الإنسان بطاعة الله ﷻ ونصرة المظلوم والدفاع عن المقدسات، وفي فك المتشابكين المتضاربين، وفي إماطة الأذى عن الطريق، وفي مسح رأس اليتيم، وفي الحنو على الزوجة، والأولاد، وفي كتابة الخير على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد ذكر الله في القرآن الكريم أحكام العبادات والمعاملات إجمالاً، وجاء التفصيل في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه في شأن الأخلاق وعمل اليدين واللسان فصل تفصيلاً، وذكر مفردات الأخلاق من الصدق والأمانة والأمر بالمعروف والنصح، والقول الحسن؛ قال ﷻ: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ونهى عن قبائح الأقوال، وقال ﷻ: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾؛ وقال سبحانه: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾، وما ذلك إلا لأنها كلها تهدد أصل الإيمان، وتهدد ببوار كل الطاعات، وفيها من حقوق الله ﷻ، وحقوق العباد ما لا مسامحة إلا بشروط عسيرة.

فما وصلت إليه حال الأمة الإسلامية اليوم إنما بسبب تراجع هذه المنظومة الأخلاقية التي تربى عليها سلفنا الصالح، فأين يذهب من يؤذي إخوانه المسلمين وجيرانه وحيه ومدينته وقد قال النبي ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره»، وكيف لا يتعظ من يروع الناس في الطرقات ويهدد حياتهم وقد قال النبي ﷺ «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه».

قال الفضيل بن عياض رحمه الله: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق، فكيف تؤذي مسلما؟.

عباد الله: إذا فقدت الأمة أخلاقها واعتدى الناس على بعضهم بألسنتهم وأقلامهم وأيديهم، فقد المجتمع الإنساني إنسانيته، وعاش الناس في فوضى واضطراب، ولهذا لا نجد في مجتمعات العبودية والبطش والاضطراب معنى للحياة، ولا نرى فيها بشاشة صادقة، أو محبة دائمة، لأن النفوس الخائفة تتحول إلى مجتمع تنتشر فيه الكراهية والحقد والبغض والعداوة الشديدة.

⬛️ وهنا خطبة: حفظ اللسان عن السب والفحش

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: اعلموا أن لداء اللسان واليدين دواء ممكن، ودواءهما إصلاح القلب أولاً، فلابد من تطهيره وتطهير موارده من السمع والبصر؛ حتى لا يتغذى القلب إلا بالحلال، ثم لا بد من المداومة على ذكر الله ﷻ، واستحضار عظمته وهيبته، والخشية من عقابه وعتابه؛ حتى يلج نور الذكر إلى القلب ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾، فيفر من المعاصي وتغلب الطاعة فيه المعصية، ولا أقل من مواظبتنا على أذكار الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، والإقبال على كتاب الله ﷻ، ومواظبة ألسنتنا على تلاوته، ومن دواء ذلك أيضا، أن تذكر الوعد لحافظ اللسان واليد، والوعيد لناكث العهد مع الرب ﷻ.

والحمد لله رب العالمين..

 

أضف تعليق

error: