زواجٌ بفارق 11 عامًا: هل الحب ينتصر على فارق السن؟

زواجٌ بفارق 11 عامًا: هل الحب ينتصر على فارق السن؟

«أيمن» يسأل: من زمن وعندما كنت أفكر في شريكة الحياة، كنت أقول: إنني لن أهتم إذا كانت تكبرني أو تصغرني في السن بسنة، بسنتين، أو حتى أكثر قليلاً، ولن أهتم إذا كانت قد سبق لها الخطوبة أو حتى الزواج، المهم أن تكون الشخصية التي أحلم بها. ولكني لم أتوقع على الإطلاق أنه من الممكن أن تكون هذه الفتاة أصغر مني بـ11 عامًا (أنا الآن عمري 30 عامًا)، ولكن هذا ما حدث فعلاً، فالحقيقة أنني لا أستطيع التوقف عن التفكير فيها، لقد حاولت كثيرًا دون جدوى.

لن أدخل في تفاصيل طريقة معرفتي بها، أو مدى الارتباط بيننا، ولكن الأهم: هل زواجي منها يُعتبر ظلمًا لها؟ بالنسبة لي أراها إنسانة ناضجة، برغم صغر سنها. هذا الموضوع يشغل حيزًا كبيرًا من تفكيري؛ فهي بالنسبة لي أمل أرجو ألا يكون سرابًا. كل خوفي أن يأتي يوم من الأيام في المستقبل تشعر هي فيه بالندم على أنها لم ترتبط بشخص في نفس سنها.

الإجابـة

يصعب الحسم في أمر مثل هذا الذي طرحته؛ فهو يختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، لكن الأمر الذي لا شك فيه هو أن التكافؤ في الزواج شيء ضروري لنجاحه، وعوامل التكافؤ كثيرة ومتعددة؛ منها تقارب الطباع، والطموحات، والمستوى الثقافي، والاجتماعي، وغيرها، وتشير بعض الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن لتقارب سن الزوجين دورًا معينًا في التوافق بينهما، وبالتالي في استقرار الحياة الزوجية واستمرارها ونجاحها.

لكن ما هو فارق السن المحقق لأقصى درجات التوافق؟ هذا ما يصعب تحديده؛ فعشر سنوات من الفرق في بعض المجتمعات قليلة أو عادية، بينما هي في مجتمعات أخرى كثيرة مهدِّدة بفشل الزواج، المعطى الموضوعي الوحيد هو اختلاف الدورة الجنسية لدى كل من الرجل والمرأة؛ فالنشاط الجنسي عند المرأة يبدأ مع البلوغ وينتهي عند حوالي سن الأربعين، بينما يبدأ النشاط الجنسي عند الرجل متأخرًا قليلاً بالنسبة للمرأة، ويمتد في الغالب إلى سن الستين. لكل هذا فإن الأساس الأكبر لدور فارق السن في نجاح الزواج أو فشله هو ثقافة المجتمع وعاداته ونظرته إلى الأمر.

وقد أخرج النسائي في سننه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) خطبا فاطمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “إنها صغيرة”، فخطبها علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فزوَّجها منه، وفاطمة أصغر من (علي) بحولي عشر سنين، ومن (عمر) بعشرين سنة، ومن (أبي بكر) باثنتين وعشرين سنة (رضي الله عنهم) جميعًا، ومعروف أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تزوج خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)، وهي تكبره بخمس عشرة سنة، وتزوج عائشة بنت أبي بكر وهو يكبرها بحوالي أربع وأربعين سنة.

لكل هذا وجب التنبيه إلى أن السن ليست هي المعيار الأساسي لاختيار الزوج -رجلاً أو امرأة -، بل المعيار الأساسي في الإسلام، وفي الحياة الاجتماعية السليمة، هو الدين والخلق؛ ولذلك ورد في الحديث الصحيح المشهور: “تُنكح المرأة لأربع؛ لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”، وهذا الكلام كما يُقال بالنسبة للمرأة يقال بالنسبة للرجل، إن الدين والخلق هما الأساس إذن، وتأتي بعدهما الصفات الأخرى على حسب طبع الإنسان، وما تميل إليه نفسه.

إن عليك أيها الأخ الكريم – في رأيي – أن تنظر إلى أخلاق الفتاة التي ذكرت ودينها وشخصيتها، ولتكن هذه الأمور هي أساس اختيارك وقرارك، أما السن فليست إلا أمرًا ثانويًّا، رغم أني لا ألغيه بالكلية، إلا أني لا أجعله سابقًا على المعايير القيمية المذكورة، فإن قبلته لك هذه المعايير فلا عليك أن تكون أصغر منك كثيرًا، ودعها هي تقرر أيضًا رغبتها في الزواج منك أو عدم رغبتها، فإن توافقتما فتوكل على الله تعالى، وبارك الله لك.

تتبوأ الأسرة في البناء الاجتماعي مكانة مركزية؛ فهي مؤسسة بها يحصل الإحصان والسكن، وفي ظلِّها تتم التربية والتنشئة الأساسيتان للأبناء، إنها ليست مجرد كيان مادي وملتقى مكاني يتم فيه تلبية الحاجات الجسدية والمادية، بل هي أيضًا وبالأساس كيان معنوي، أساسه “ميثاق غليظ” كما قال الله تعالى: “وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا” (النساء: 21)، وهدفه تحقيق السكن والمودة والرحمة، ووظيفته رعاية النشء، ونقل قيم الإيمان ومبادئ الدين والالتزام به: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21).

وأخرج عبد الرزاق في كتابه “المصنف” أن عمر خطب إلى علي ابنته، فقال: إنها صغيرة، فقيل لعمر: إنما يريد بذلك منعها، قال: فكلمه، فقال علي: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، قال: فبعث بها إليه.

⇐ ويمكنك الاطلاع على استشارات سابقة.. منها:

⇐ أجابها: سعد الدين عثماني

أضف تعليق

error: