مناسك الحج على وجه التفصيل

مناسك الحج على وجه التفصيل

تفاصيل الاستشارة: ما هي مناسك الحج على وجه التفصيل ؟

الإجـابة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

مرادنا من هذا العنوان بيانُ ما يفعله مريد الحج من حين البدء في المناسك إلى انتهائه منها، وحريٌّ أن نقول: إن العمرة تشارك الحج في كثير من الأعمال، بينما ينفرد الحج في بعض منها كالوقوف بعرفة، والرمي، والمبيت بمزدلفة ومنى وغير ذلك، كما أن العمرة يَحْرُم فيها ما يَحْرُم في الحج، ففي الحديث أن رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ … فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْوَحْيُ … فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ … اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ». متفق عليه.

فقد أمره النبي ﷺ أن يصنع في العمرة مثل الذي يصنعه في حجه من اجتناب المحظورات، وفعل المناسك من الطواف والسعي وغير ذلك مما تشارك فيه العمرةُ الحج.

وأعمال الحج تؤدى على مراحل نفصِّلها في النقاط الآتية:

الإحرام من الميقات:

والإحرام هو نية الدخول في الحج، وهو ركن من الأركان، لا يصح الحج بدونه، على أنه لا إحرام على مَنْ لا يريد حجًّا أو عمرة.

ويستحب لمريد الإحرام أشياء:

  • الاغتسال، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة، حتى ولو كانت المرأة حائضًا أو نفساء، ففي حديث زيد بن ثابت «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ». رواه الترمذي. وعن ابن عباس مرفوعًا إلى النبي ﷺ «أَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ». رواه أبو داود والترمذي.
  • تقليم الأظافر، وحَلْق العانة، ونتف الإبط، وترجيل الشَّعْر… إلخ.
  • التطيُّب في بدنه وثوبه، ولا يضر بقاء أثر الطِّيب في الثوب أو البدن، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. متفق عليه، وكانت تقول: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ. متفق عليه. (وبيص الطيب: أي بريق الطِّيب ولمعانه)
  • لبس الثوب الأبيض بعد تجرده من كل ثياب مخيطة، فينزع ما عليه من الملابس المعتادة من قميص وعمامة وسراويل وخُفٍّ، ويستحب لبس إزار ورداء ونعلين بشرط أن لا يغطي النعلان الكعبين –وهما العظمان الناتئان في منتهى الساق– ففي الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ أن رجلًا سأله ما يلبس المحرم؟ فقال: «لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ». أما المرأة فتلبس ما يستر عورتها، ولا تستر وجهها وكفيها.
  • صلاة ركعتين بنية سنة الإحرام.
  • التلبية بعد الإحرام إلى أن يدخل مكة، وبعد الطواف والسعي إلى أن يتحلل التحلل الأول، فيقطع التلبية، ويشتغل بالتكبير.

وصيغة التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

ومن المستحب أن يتلفظ الإنسان بما أهلَّ به من نُسُك، أي حجًّا أو عمرة، فعن أنس رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا. رواه البخاري.

والميقات نوعان: زماني (أي زمان أداء النُسُك)، ومكاني (أي المكان الذي يُحْرِم فيه مريد النُسُك، ولا يجوز أن يجاوزه بغير عذر دون أن يُحْرِم).

فالميقات الزماني للحج شوال وذو القعدة والعشر الأُوَل من ذي الحجة، فلا يصح الإحرام بالحج في غير هذه الأزمنة، أما العمرة فليس لها ميقات زماني محدد.

أما الميقات المكاني فلا يخلو مريد النسك إما أن يكون مكيًّا أو لا، والمقصود بالمكي مَنْ كان مستوطنًا أو نازلًا فيها، فإن كان مُفْرِدًا أو متمتعًا فميقاته المكاني مكة؛ لحديث: «… فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا». متفق عليه. وإن كان قارنًا أو أراد الإحرام بعمرة فميقاته المكاني الحلُّ، لأمره  عائشةَ رضي الله عنها بأن تخرج إلى التنعيم وتُحْرِم بالعمرة منها . متفق عليه، والتنعيم طرف الحلِّ.( التَّنْعِيم: موضع بمكة ، وهو يبعد عن الحرم حوالي (7 كم) تقريبًا، ويسمى الآن مسجد عائشة.)

أما غير المكي فقد وقَّت لهم النبي ﷺ ما يُحْرِمون منه، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ…» متفق عليه.

وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال: «… مُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» رواه مسلم.

وتفصيل ذلك: أن ذا الحُليفة ميقات أهل المدينة ومَنْ وراءها ممن يأتي عليها(الحُلَيفة تصغير الحلْفَاء –بسكون اللام وفتح الفاء– والحَلَفُ والحَلْفاء: نوع من النبات أو الشجر، وسُمي المكان به لكثرة ذلك الشجر فيه. وذو الحليفة هو أبعد المواقيت عن مكة، حوالي (400 كم)، ويُعرف اليوم بأبيار علي)، والجُحْفة ميقات أهل الشام ومصر والمغرب (هي قرية خَرُبت بين مكة والمدينة، وبدلها الآن (رابغ) وهو بطن واد عند الجحفة. )، ويلملم ميقات أهل اليمن والهند (يلملم: اسم جبل من جبال تهامة جنوب مكة، بينه وبينها (92كم) تقريبًا، ويُعرف اليوم بـ (السعديَّة)، وفيه مسجد معاذ بن جبل.)، وقرن ميقات أهل نجد (قرن، ويقال قرن المنازل، جبل شرقي مكة يبعد عنها (75 كم)، ويُعرف اليوم بـ (السيل).)، وذات عرق ميقات أهل العراق وبلاد فارس.( ذات عِرْق سُميت بذلك لأن بها عِرْقًا، وهو الجبل الصغير، وتبعد ذات عرق عن مكة مسافة (100 كم)، وهي اليوم مهجورة لعدم وجود طرق إليها)

وهذه المواقيت لأهلها ولمن حاذى واحدًا منها، برًّا أو بحرًا أو جوًّا، كما إذا سافر مصري إلى البلاد الحجازية بحرًا من السويس مثلًا فإنه في طريقه إلى جدة يحاذي رابغ قبل دخوله جدة، فعليه الإحرام وهو في البحر لمحاذاته الميقات. كما يؤخذ من قوله ﷺ في الحديث السابق: «… وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» أن أهل مصر أيضًا إذا ذهبوا إلى المدينة أولًا ثم أرادوا الحج أو العمرة فإن ميقاتهم ذو الحليفة (ميقات أهل المدينة).

ومَنْ كان من غير أهل هذه الأماكن ولا يمر في طريقه عليها فليُحْرِم من بيته.

وفائدة هذه المواقيت أن من أراد حجًّا أو عمرة يَحْرُم عليه مجاوزتها من غير إحرام بلا عذر، فلو كان ذلك فعليه العود إلى الميقات، ولا يلزمه فدية ما لم يأتِ نسكًا آخر كالطواف والسعي مثلًا، فإن تعذر عليه الرجوع فلا يرجع وعليه فدية.

وللشخص أن يُحْرِم قبل الميقات، خاصة إذا خاف مجاوزته، وذلك كالمسافر بالطائرة له أن يُحْرِم من بيته أو من المطار إن خاف مجاوزة الميقات.

⇐ وهنا: فتاوى الحج والعمرة للشيخ عبد الخالق الشريف

2– دخول مكة:

بعد الإحرام يتوجه الشخص إلى مكة حيث البيت الحرام، ويسن الاغتسال لدخول مكة، فإذا أتى البيت الحرام توجه إلى الكعبة معظِّمًا وَمُجِلًّا لها، عليه السكينة والوقار، ويستحب الدعاء عند رؤية البيت.

ويَبْدأ الطواف، وهو طواف قدوم للمُفْرِد والقارن، وطواف عمرة للمتمتع، ويبدأ الطواف من الحجر الأسود جاعلًا البيت عن يساره، يطوف سبعة أشواط، يبدأ وينتهي بالحجر الأسود، ويستحب استلامه وتقبيله إن استطاع كلما مرَّ به، وكذا يستحب استلام الركن اليماني.

ويستحب أيضًا توالي مرات الطواف، وعدم الفَصْل بينها، والمشي للقادر عليه، ومن المستحبات الإرمال للرجل دون المرأة في الأشواط الثلاثة الأولى. (الإرمال: الهرولة، وهو المشي السريع مع تقارب الخطى )

وإذا حضرت فريضة وهو بالطواف قطعه، وبنى على ما فعله من الطواف قبل الصلاة، ويستحب أن يدعو أثناء الطواف بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، ولا يلبِّي.

ويباح في الطواف إلقاء السلام وردُّه، والكلام المباح، والشُّرْب، ولبس خفٍّ طاهر، وهذا الأخير خاص بغير المُحْرِم؛ لأن ذلك محظورٌ عليه.

فإذا فرغ من طوافه استحب صلاة ركعتين خلف مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} البقرة: 125.

وعند الزحام فالحرم كله محل لصلاة الركعتين، ويستحب أيضًا استلام الحجر الأسود بعد الانتهاء من الطواف وصلاة الركعتين، فإذا فرغ ذهب إلى زمزم وارتوى منها ذاكرًا اسم الله تعالى، داعيًا بما شاء.

3– السعي بين الصفا والمروة:

بعد الطواف والصلاة خلف مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، يخرج الشخص برجله اليسرى متجهًا إلى الصفا، فيبدأ السعي من الصفا إلى المروة، وهو –أي السعي– ركنٌ من أركان الحج والعمرة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. البقرة: 158.

ويشترط لصحة السعي أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة؛ لحديث جابر: «أن النبي ﷺ خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» رواه مسلم، وأن تكون أشواط السعي سبعًا، وأن يكون بعد طواف صحيح. ولا يشترط لصحته الطهارة.

ويستحب في السعي أن يرقى على الصفا والمروة مستقبلًا القبلة، ويطيل القيام، مهللًا (أي يقول: لا إله إلا الله)، ومكبرًا، ويدعو بما شاء، ويستحب أن يسرع دون جري بين العلمين الأخضرين.

وهذا السعي يقع عن الحج للمُفْرِد، وعن العمرة للمتمتع، وعن الحج والعمرة للقارن، وبعد الفراغ من السعي بين الصفا والمروة فإن المتمتع يَحْلِق أو يقصِّر ويحل من إحرامه، أما المُفْرِد والقارن فلا.

ويجوز تأخير السعي لما بعد طواف الإفاضة إن لم يكن طاف طواف قدوم، كما إذا أحرم من الحرم.

⇐ وهنا أيضًا: ٤ أسئلة «فتاوى» حول الحج ومناسكه.. سيفيدك معرفتها قبل بدء الرحلة

4– يوم التروية:

بدخول يوم التروية –وهو يوم الثامن من ذي الحجة وسُمي بذلك لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء تزودًا للخروج لمنًى وعرفة– يُحْرِم المتمتع للحج من مكانه مرة أخرى بعد أن حلَّ، أما القارن والمُفْرِد فهما على إحرامهما كما سبق، ويستحب التوجه إلى منى ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويَقْصُر في الظهر والعصر والعشاء بلا جمع، ويبيت فيها ولا يخرج إلا بعد طلوع شمس يوم التاسع (يوم عرفة).

5– يوم عرفة (يوم الحج الأكبر):

بعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة يمضي الحاج من منى إلى عرفة، ويستحب أن ينزل بنمرة (نَمِرَة: موضع بعرفة، نزل به النبي، وخطب الناس فيه خطبة الوداع) إلى الزوال (وهو وقت صلاة الظهر) إن تيسر له، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر يَقْصُر بينهما ويجمعهما جمع تقديم، أي يصلي ركعتين ركعتين في وقت الظهر، والقَصْر والجمع في عرفة لأهل مكة وغيرهم.

ووقت الوقوف بعرفة يبدأ من زوال الشمس إلى فجر يوم النحر، فمن فاته الوقوف في أي جزء من هذا الوقت فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة، وعليه القضاء والفِدْية كما مرَّ في محظورات الحج.

والمستحب فيه الوقوف حتى غروب الشمس، والمقصود من الوقوف الحضور بأي صفة (واقفًا، قاعدًا، نائمًا… إلخ)، وأن يكون متوضئًا، وأن يكثر من الدعاء والذكر، وأن يخلِّي قلبه عن الشواغل في هذا اليوم، فإنه يوم لا يمكن تداركه، ففي الحديث: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رواه الترمذي وغيره.

6– المسير إلى المزدلفة:

المزدلفة: سميت بذلك إما من الاجتماع، أو الاقتراب؛ لأنها مقربة من الله، وإما لازدلاف الناس إليها بعد الإفاضة من عرفات. وهي مكان يقع في منتصف الطريق الموصل بين منى وعرفات على بعد نحو (5,5 كم) من منى.

بعد غروب شمس يوم التاسع يدفع الحاج من عرفة إلى مزدلفة، محافظًا على السكينة والوقار، فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير أي في وقت العشاء، ويَقْصُر العشاء ركعتين.

والمستحب أن يبقى فيها حتى الفجر، ويجوز للضعفة من الرجال والنساء أن يدفعوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، والمقصود بالوقوف الوجود على أي صورة. ويستحب التقاط الحصاة لرمي الجمار.

7– الوقوف بالمشعر الحرام:

يقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة: 198. فيستحب للحاج أن يذهب بعد فجر يوم العاشر للوقوف بالمشعر الحرام المشعر الحرام يطلق على مزدلفة كلها، والمراد به هنا جبل (قُزَح)، وهو جبل معروف في المزدلفة، ويكثر من ذكر الله ومن الدعاء، حتى إذا ظهر ضوء الشمس توجه إلى منى، ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «هَذِهِ عَرَفَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْقِفُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ». ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمُ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا قُزَحُ، وَهُوَ الْمَوْقِفُ، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رواه أبو داود، والترمذي مطولًا. و”جَمْع” في الحديث بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة.

⇐ ولا يفوتك الاطلاع على: سؤال وجواب في الحج – أسئلة الحجاج ومَن يريدون الحج

8– رمي جمرة العقبة الكبرى:

يتوجه الحاج إلى منى قُبَيْل شروق الشمس من يوم العاشر من ذي الحجة، فيرمي جمرة العقبة، وموضعها في منتهى منى، ويَبْدأ الرمي من طلوع فجر يوم النحر (يوم العاشر من ذي الحجة)، ويستحب أن يرمي قبل الزوال، ففي حديث جابر، قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ» رواه الترمذي. هذا هو المستحب، وأما الجائز فيكون من بعد نصف الليل ليلة النحر، ولو بلحظة.

ويجب أن يكون الرمي بسبع حصيات، وقدر الحصاة كحبة الحمص. ومن المستحب للحاج أن يستقبل هذه الجمرة جاعلًا مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ويكبِّر مع كل حصاة، ويرمي خاشعًا خاضعًا.

9– ذبح الهدي، والحلق أو التقصير:

بعد أن يرمي الحاج جمرة العقبة يوم النحر عليه أن يقوم بذبح الهدي إن كان قارنًا أو متمتعًا، أما المفرد فلا يجب عليه، ثم بعد ذبح الهدي يحلق رأسه إن كان رجلًا أو يقصِّره، والحلق أفضل، ويستحب أن يكون الحلق أو التقصير شاملًا لجميع شعر الرأس، أما المرأة فتقصِّر من شعر رأسها بقدر أنملة فقط.

ويستحب كون الذبح والحلق أو التقصير قبل زوال شمس يوم العاشر.

⇐ طالع أيضًا: المحرم إذا احتلم حال إحرامه

10– التحلل الأصغر:

فإذا رمى جمرة العقبة وذبح هديه وحلق أو قصَّر حل التحلل الأول (التحلل الأصغر)، وبه يحلُّ له كل شيء كان محظورًا عليه حال إحرامه عدا الجماع والصيد.

11– طواف الإفاضة:

ويسمى طواف الزيارة، وهو من أركان الحج لا يصح بدونه، قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الحج: 29. وهو كطواف القدوم في شروطه ومستحباته.

ويستحب أن لا يَفْصِل بين الذَّبح والحلق وبين طواف الإفاضة، ويستحب الرجوع إلى منى مرة أخرى فيصلي فيها الظهر.

وإذا كان متمتعًا أتى بالسعي بعد الطواف؛ لأن سعيه الأول كان للعمرة فلزمه الإتيان بسعي الحج، أما إذا كان مفردًا أو قارنًا فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم لم يُعِد السعي مرة أخرى، وإن كان لم يسع وجب عليه السعي؛ لأنه من أركان الحج.

وإذا طاف طواف الإفاضة وسعى للحج –على التفصيل المتقدم– حل التحلل الثاني (التحلل الأكبر) وحلَّ له جميع محظورات الإحرام.

12– رمي الجمار أيام التشريق:

إذا طاف الحاج طواف الإفاضة فيستحب له الرجوع إلى منى ليبيت فيها أول ليلتين من ليالي التشريق (ليلة الحادي عشر والثاني عشر)، وذلك للمتعجِّل، ومن المستحب أن يبيت ثلاث ليال إذا لم يتعجل.

ويرمي الجمرات الثلاث على الترتيب: الأولى (والتي تلي مسجد الخيف)، والوسطى، والعقبة، يرمي كل واحدة بسبع حصيات، ويستحب بعد رمي كل من الجمرة الأولى والوسطى القيام طويلًا يدعو مستقبلًا القبلة، ولا يقف للدعاء بعد رمي جمرة العقبة.

ووقت الرمي من زوال الشمس إلى الغروب، ويجوز قبل الزوال، لا سيما عند الزحام.

وإذا أراد الحاج بعد رمي اليوم الثاني التعجُّل قبل الغروب فله ذلك؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 203. فيكون مجموع ما يرميه المتعجل (49) حصاة، وأما غير المتعجل فيرمي (70) حصاة (المتعجل يرمي “49” حصاة: (7) يوم النحر، (42) يومي التشريق، ويضاف إليها (21) حصاة لغير المتعجل يرميها ثالث أيام التشريق.).

ورمي الجمار من واجبات الحج تلزم الفِدْية بتركه، فإن عجز الحاج عن الرمي فله أن ينيب غيره عنه، سواء كان المستناب حاجًّا أم لا.

⇐ ولمعلوماتك: المسلمون يتساءلون.. عن الفرق بين الحج والعمرة

13– طواف الوداع:

وهو آخر ما يفعله الحاج من المناسك، فإذا نفر الحاج من منى وانتهى من رمي الجمار وأراد السفر إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط؛ لقوله ﷺ: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ». متفق عليه، فإن أخر الحاج طواف الإفاضة إلى ما بعد الانتهاء من الرمي وأراد الخروج بعده خارج الحرم فله أن يجمع في هذا الطواف بين نية طواف الإفاضة وطواف الوداع، فيجزئه طواف واحد عنهما.

والسر في طواف الوداع هو تعظيم البيت، فيكون هو المقصود أولًا وآخرًا، فيبدأ المناسك بالطواف، ويختمها به، وإذا طاف طواف الوداع استحب له أن يدعو لنفسه وأهله بما شاء، وأن يحمد الله على ما وفقه إليه من الأعمال، ويبتهل إليه سبحانه وتعالى أن لا تكون آخر زيارة للبيت.

وبذلك يكون الحاج قد أدى نسكه، وأكمل أعمال الحج على وجه التمام، نسأل الله له القبول والغفران، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من كتاب “الرفيق في الرحلة إلى البيت العتيق” إصدار قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية، ومنشور على موقع الدار بتاريخ 22–11–2009.

أضف تعليق

error: