سؤال وجواب في الحج – أسئلة الحجاج ومَن يريدون الحج

سؤال وجواب في الحج – أسئلة الحجاج ومَن يريدون الحج

بعد أن قدَّمنا لكم مجموعات سابقة –سنوفر لكم روابطها خلال الصفحة– من المسائل الفقهية والفتاوى وأسئلة الحجاج والمعتمرين ومن يشغلهم من تساؤلات، نزيدكم اليوم بمجموعة أُخرى «سؤال وجواب في الحج»، قام بتولي الإجابة عنها –فهي أسئلة وطلبات فتاوى أيضًا– د. عبد السلام بشر –جزاه الله خيرا–.

وهي كذلك، مجموعة أسئلة مجابة حول فريضة الحج.. نسوقها إليكم لمزيد من التثقيف والوعي والإلمام بأمور الحج ومسائِله.

السؤال رقم (1): أكرمني الله ﷻ بالحج قبل ذلك، ولكن للأسف يا أستاذي لا أجد أثرا لذلك في حياتي؛ فإذا أكرمني الله ﷻ بالحج مرة أخرى فكيف أجعل منه حجا مبرورا أستفيد منه في باقي حياتي؟

الإجابة: الأخ الكريم الذي يذكر أنه لا يشعر بطعم هذا الحج الذي أداه لا ينبغي له الاستسلام لهذا الشعور والنظر إلى حجه السابق وكأنه مهدر أو غير مقبول، بل هو بفضل الله ﷻ طالما استكمل الأركان وصلحت فيه النيات يرجى قبوله من الله ﷻ، فلا ينبغي أن يعول على حج قادم دون أن يستفيد من حجه الذي أداه، فهو يستطيع أن يزيد من عمل الصالحات ولا ينتظر الأثر، فإن الله ﷻ قد يعجل لبعض الناس العطايا استدراجا لهم، كما قال ﷻ: ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾، وقد يؤجل لآخرين عطاياهم اختبارا منهم وابتلاء.

فعلى الإنسان أن يؤدي ما أمره الله ﷻ مخلصا من قلبه، وينتظر فضل الله ﷻ وثوابه وعطاياه، فما جاءه شكر الله ﷻ عليه وما خبئ عنه احتسبه عند الله ﷻ لعله يجد ثواب ذلك العمل في ميزان حسناته يوم القيامة.

فعلى الأخ الكريم ألا يلتفت إلى مسألة المشاعر، وأن يمضي في طريقه إلى الله ﷻ بثبات ويقين، فقد يمنعك ليمنحك، فلا تنشغل بما منع عما منح، فلا تدرك ما منع ولا تشكر ما منح، فكم من عطايا ومن نعم من الله ﷻ وصلت إلينا ينبغي أن ننشغل بشكر الله ﷻ عليها، ولنعلم أن الشيطان يأتي للإنسان من طرق شتى فليستعذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم، الذي قد يزهده في العبادة أو يجعل اليأس يتسرب إليه.

فإن رزق الله ﷻ الأخ الكريم حجا ثانيا إلى بيت الله الحرام فبها ونعمة، وإلا فقد أدى فريضة الإسلام والحمد لله، وعليه أن يلتفت إلى صلة الرحم وإلى الزيادة من النوافل وإلى العطف على اليتيم والمسح على رأسه وملازمة الطاعات والعض عليها بالنواجذ والرضا بما قسم الله.

وهذه أحاديث تنعش حلاوة الإيمان في القلب، منها قول النبي ﷺ: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار».

وقال النبي ﷺ: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا».

فهذه الخصال وغيرها من الصفات الواردة في عباد الرحمن كما في نهاية سورة الفرقان وبدايات سورة المؤمنون وغيرها من المواضع هي التي تجعل الإنسان يشعر بطعم العبادة وطعم الحياة، هذا ما ينبغي أن نؤكد عليه، وليس مجرد ما يشبه الإهدار لما قدمناه من طاعات والنظر إلى تكرارها وكأنها ذهبت سدى، وعلى الإنسان أن يشكر على المنح، ويصبر على المنع.. والله أعلم.

⇐ وهذه مجموعة: فتاوى الحج والعمرة للشيخ عبد الخالق الشريف

السؤال رقم (2): هل الاستعداد الإيماني للحج جزء أساسي من الاستعداد لرحلة الحج؟

الإجابة: فإن الاستعداد الإيماني لرحلة الحج هو أمر ملازم لمن قصد الحج، فنفسه تهفو إلى هذه الأماكن المقدسة ونيته تخلص لأدائها وتمامها والقيام بآدابها وحقها، فهذا أمر ملازم للقاصدين إلى حج بيت الله الحرام.

أما إذا كان للاستعداد الإيماني مفهوم خاص لدى السائل الكريم أو للمحيطين به أو لبعض الدعاة والعاملين في وسائل الإعلام والدعوة الكرام فله أن يأخذ لنفسه القدر الذي يشبعه وينعش روحه ويجعله أكثر احتمالا لما قد يلاقيه من مشقة، أول لما يصدر من بعض الناس من أمور تحتاج إلى الصبر.

فهناك من الناس من يكون أول عهده بالتوبة رحلة الحج، فقد يصدر من بعض الناس الضعاف في تحملهم ما يزعج الآخرين أو يقلقهم، فإذا كان الإنسان قد نهل وارتوى من الزاد الروحي والزاد الإيماني قبل رحلة الحج فإنه سيكون على هيئة حسنة وسمت حسن ووقار في رحلة الحج بإذن الله ﷻ فلا يزعج الآخرين ولا ينزعج من أحد، فلا يرفث ولا يفسق ولا يجادل في الحج، “فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”.

فإن الزاد الروحي أمر مهم للغاية، بل هناك بعض الدول الإسلامية مثل دولة ماليزيا تنظم برنامجا عمليا للمناسك هناك حتى يتدرب عليها الناس، فإذا وصلوا إلى الحج فهم على أهبة روحية ودربة عملية للحج وما ينبغي أن يكون فيه، ولذلك ترى هؤلاء الناس في الحج على صورة منظمة وسمت حسن في الحج بينما قد يصدر من آخرين ما يدل على افتقارهم للاستعداد الإيماني والعملي لحج بيت الله الحرام، والكل على خير إن شاء الله.

⇐ لعلك لا تمانع الاطلاع أيضًا على: فتاوى يوم عرفة والعيد والأضاحي.. لمعلومات أكثر

السؤال رقم (3): صاحب الكبائر كثير الذنوب هل يأمل أن يفتح صفحة جديدة بالحج؟ وكيف يعد نفسه لذلك وهو مقيد بالذنوب ويصعب عليه تركها؟

الإجابة: فإن الذنوب شؤمها خطير على صاحبها وعلى أسرته وعلى مجتمعه، بل على النبات وعلى الحيوان، فإنها سبب لغضب الله ﷻ، وسبب للضنك وغير ذلك من الأهوال التي تصيب الفرد والمجتمع، فجدير بالعاقل أن يجتنب الذنوب، وجدير بالعقلاء أن يمنعوا إشاعتها وأن يمنعوا هؤلاء الذين يحبون إشاعة الفاحشة، قال الله ﷻ: “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والأخرة”.

ومن العجب أن يكون الإنسان صاحب إرادة قوية فيما يتعلق بأمر تجارة أو عمل فيصمم ويعقد العزم على الوصول إلى هدفه، بينما يكون ضعيف الإرادة أمام المعاصي والذنوب، وهذا نوع من الانقسام ينبغي أن نتخلص منه ومن كل ما يشبهه من أحوال، فعلى العاقل أن يقوي إرادته، وللعلماء أبحاث قيمة في سبيل تقوية الإرادة وتغيير النفس وتغيير العادات، فأنصح بهذه البحوث القيمة.

وأذكر هنا أن هجرة أصحاب السوء مما دلتنا عليه الشريعة في التخلص من أذاهم ومن غوايتهم، وأن صحبة الأخيار وزيارتهم مما يعين على طاعة الله ﷻ وعلى اكتساب صفاتهم، قال رسول الله ﷺ: “مثل الجليس الصالح وجليس السوء كمثل صاحب المسك وصاحب الكير، فصاحب المسك إما أن تبتاع منه أو تشم منه رائحة طيبة، وأما صاحب الكير فإما أن يحرق ثوبك أو بدنك أو تشم منه رائحة خبيثة”.

فعلى السائل الكريم أن يبادر الآن بخطوة في الاتجاه الصحيح ولا ينتظر حتى يأتي الحج، فلا يدري أحدنا هل يعيش إلى ذلك الحين أم لا!! فعليه أن يتوب إلى الله ﷻ ويتخذ من التدابير التي يرى أنها تقيد من التورط في المعاصي ما يناسبه، ويقبل على الله ﷻ بالصلاة ونوافل الطاعات المتنوعة، ويكثر من ذكر الله ﷻ والاستغفار وصلاة الجماعة في المسجد، والتمهل عند الخروج من المسجد، فلا يسرع بالخروج، بل يؤدي الأذكار الواردة ويصلي لله ﷻ من النوافل ما تيسر.

أما إذا أكرمه الله ﷻ بعد هذا كله بإدراك فريضة الحج فعليه أن يكثر من الدعاء لله ﷻ بتخليصه من العادات السيئة والله ﷻ يقول: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾، وليستبشر الأخ الكريم فقد قال النبي ﷺ: «من حج فلم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه»، فهذه صفحة جديدة تفتح بعد توبة قبل الحج وبعد أداء للحج، فليثبت السعيد على هذه الحالة، والله ﷻ أعلى وأعلم.

⇐ وهذه: ٤ أسئلة «فتاوى» حول الحج ومناسكه.. سيفيدك معرفتها قبل بدء الرحلة

السؤال رقم (4): أنا أعيش في إندونيسيا وظروفي صعبة جدا ولا أستطيع أداء فريضة الحج، وأشعر بالأسى عندما أشاهد منظر الحجيج يوم عرفات وأغار بشكل صعب جدا.. فهل غيرتي هذه منبوذة أم محمودة؟

الإجابة: فإن الحج كما هو معلوم فريضة على المستطيع، أما غير المستطيع حج بيت الله الحرام فليس عليه ذلك حتى ييسر الله له أمر الاستطاعة، قال ﷻ: “ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا”.

أما في حالة الأخت الكريمة فهي لا تستطيع ولا تقدر على الصبر على عدم الحج، فإن تيسر لها تحصيل أسباب الاستطاعة فعليها أن تسعى إلى ذلك تخفيفا على نفسها، وليس على جهة الوجوب الشرعي، فإن السعي في تحصيل أسباب الاستطاعة أمر محمود وعلاج لما هي فيه، فإذا لم تكن مستطيعة الحج كما جاء في السؤال وأيضا لا تقدر على تحصيل أسباب الاستطاعة في المستقبل القريب فعليها أن تنشغل بالطاعات وتكثر منها في هذا الوقت الذي يكون فيه الحجاج في البلد الحرام، فتكثر من الصيام والصلاة رجاء الثواب وتغلبا على الحالة التي وصفتها السائلة الكريمة، أي حالة الغيرة الشديدة.

هذا إذا لم يكن في مقدورها أن تتخلص نهائيا أو تخفف بدرجة كبيرة من هذه العاصفة التي تعلقت الآن بفريضة الحج وقد تتعلق بما يحصل للناس من نعم فيتحول الأمر إلى حسد والعياذ بالله ﷻ، فعلى الإنسان أن يرضى بما قسمه الله له ﷻ، والله يبسط نعمه كما يشاء “ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء”.. والله أعلم.

السؤال رقم (5): كيف يحمي الإنسان نفسه من العُجب إذا منّ الله عليه ووفق لفريضة الحج أو نوى هذه السنة أداء الفريضة؟

الإجابة: فإن الأعمال بالنيات، قال ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”، وقال ﷻ: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين”، ومن هنا وجب على العاقل أن يراقب نفسه فيلزمها جادة الصواب، يراقبها قبل العمل حتى لا تتجه إلى غير الله ﷻ بالعمل، وبعد أن تيقن من قصده وجه الله فأقدم على العمل يراقبها أثناء قيامها بالعمل حتى لا تتحول عن قصدها، ويراقبها بعد انتهاء العمل حتى لا تصاب بالعجب والتكبر ونسيان أن ما تم من عمل فبفضل الله وبتيسير الله وبنعم الله.

فإن الإنسان إذا تذكر وأيقن أن ما قام به من عمل هو بقوة الله ﷻ وبفضل الله ﷻ فلا يصاب بالعجب، فعلى الإنسان أن يؤكد هذا المعنى لنفسه بترديد الذكر الوارد في ذلك بقبله ولسانه “لا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله”.

السؤال رقم (6): كلما جاء موسم الحج أثار في نفسي الألم؛ لأنني لا أملك محرما، ولذا منعت من لذة زيارة الرسول أو إقامة فريضة الحج، فأبي حج من قبل واعتمر، ولا خال لي أو جد، ولي عم لا يصلي، وليس لي أخ، ولم أتزوج بعد.

فهل ذنبي أن ليس لي محرم أن أحرم من الحج!! وهل يبدلني الله عن ذلك؟ وكيف أطفئ نار الشوق تلك؟

الإجابة: فإن المسلم مطالب بالحج إن استطاع إليه سبيلا، والأمر هناك ليس مجرد متعة فهي ليست رحلة تطلب فيها المتعة لذاتها، بل هو أمر فريضة، فمهما استطاعت الأخت السائلة الكريمة أن تنيب عنها من يؤدي فريضة الحج أو أن تنتظر حتى ييسر الله لها الزواج فبها ونعمة، دون أن تشعر أن الأمر أمر حرمان وأنها متعة قد فاتتها وما إلى ذلك.

وهناك من يرى أن الرفقة المأمونة.. رفقة مأمونة من النساء.. قد تغني عن المحرم، ولكن هذه الصفة وقدرة هذه الرفقة على القيام بما ينبغي أن يقوم به المحرم هو أمر يحتاج إلى حسن تقدير، فالأولى أن تنتظر فضل الله ﷻ عليها بزوج يصحبها إلى هناك أو يهتدي من يصلح لرفقتها من محارمها الذين أشارت إليهم أو تنيب عنها.. والله أعلم.

أضف تعليق

error: