خطبة تهز الجبال.. بعنوان: بشارات الله ﷻ لعباده الصالحين

خطب تهز الجبال , بشارات الله ﷻ لعباده الصالحين

عناصر الخطبة

  • البشارات جمع بشارة –بكسر الباء– وهي في مبناها ومعناها تدل  في الأغلب على الخير، فإنها تغيّر بشرة وجه الإنسان إذا جاءه الخبر بالسرور والحبور.
  • البشارة والنذارة كلمتان متقابلتان، الإنذار إخبار فيه تخويف، والبشارة إخبار فيه سرور، ومن حكمة الله ﷻ انه بعث الرسل مبشرين ومنذرين لإقامة الحجة على الناس.
  • بشر الله ﷻ رسله وعباده الصالحين بمبعث رسوله الأمين خاتم النبيين سيدنا محمد ﷺ رحمة للعالمين من يوم بعثته حتى يوم الدين.
  • حريٌّ بالمسلمين أن يظلوا مستبشرين بما عند الله ﷻ، وأن يظلوا  بين الرجاء والخوف، لا يسمحون لليأس أو التشاؤم أو القنوط أو التطير أن يتسلل إلى قلوبهم المؤمنة المطمئنة بذكر الله ﷻ.
  • مما يجب أن نستبشر به في هذه الأيام أن الله ﷻ الذي يقول للشيء كن فيكون هو وحده القادر على دفع وباء كورونا ، وهذا يقتضي أن تظل ألسنتنا تلهج بالاستغفار لنيل الاستبشار من ربنا الغفور الغفار كما نال سيدنا يونس عليه السلام النجاة بالاستغفار ﴿لا إله إلاّ انت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فلنداوم على الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار.

الخطبة الأولى

من رحمة الله ﷻ بالناس أن بعث الرسل مبشرين ومنذرين، فأهل البشارة يُسرّون بوعد الله ﷻ لعباده فيؤمنون، وأهل النذارة يخافون من وعيد الله ﷻ فيؤمن الذين هداهم الله ﷻ إلى الإيمان.

وإن من عظمة هذا الدين دعوته إلى نشر المحبة والتفاؤل وحسن الظن بالله ﷻ فقد كان النبي ﷺ يوصي أصحابه رضي الله عنهم: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» ← صحيح مسلم.

وقد حذّر الإسلام من اليأس والتشاؤم والقنوط من رحمة الله ﷻ، وعدّ ذلك كبيرة من الكبائر التي ينبغي للمسلم الحذر منها فقال ﷻ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر: 53، فإن اليأس من رحمة الله ﷻ ليس من صفات المؤمن الحق بل هي من تلبيس الشيطان على المسلم ليبقى في حالة من الخوف والشكّ وسوء الظنّ بالله ﷻ، يقول الله ﷻ: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ يوسف: 87.

فقد جاء الإسلام بالبشارات العظيمة التي تضع البشر على طريق اليقين برحمة الله ﷻ، ومن أعظم البشارات لهذه الأمة المباركة، مبعث خير الأنبياء والمرسلين وخاتمهم، قال الله ﷻ: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾، الصف: 6، وقال النبي ﷺ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةِ عِيسَى بِي» ← مسند الإمام أحمد.

ومن بشارات الله ﷻ لهذه الأمة المباركة، أن أنزل فيها خير كتاب، القرآن الكريم يهدي به الناس سُبل السلام، كتاب هداية ونور، ومنهاج تستقيم به الحياة، وتطمئن به النفوس، قال ﷻ: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾، مريم: 97.

كما بشّر الله ﷻ المؤمنين بأنه أقام لهم الإسلام ديناً عظيماً ومنهاجاً قويماً، وتكفل ﷻ بحفظه، وأيده بالنصر والتمكين من عنده سبحانه، حتى يتمّ به النور، وتنتشر به الرحمة والهداية، فقال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الصافات: 171–173، وقال ﷺ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» ← صحيح البخاري.

وبذلك تكتمل بشارات الله ﷻ لهذه الأمة حتى تبقى على ثقة بربها ﷻ، وأنه ﷻ لا يضيع هذه الأمة التي قال عنها: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ آل عمران: 110.

وقد مرّت على الأمة الإسلامية محنٌ وأزمات كبيرة عبر تاريخها، وكلها انجلت بفضل الله ﷻ ورحمته، وبقيت هذه الأمة عزيزة محفوظة بفضل الله ورعايته.

وقد كان أشدّ الناس ابتلاءً نبينا ﷺ وصحابته الكرام، فلم يمنعهم ذلك من الاستبشار بفرج الله ﷻ ونصره وتمكينه، ففي أحلك الظروف وأشدها وطأة على الصحابة وهم يعذبون بمكة المكرمة يجيء خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه إلى النبي ﷺ ويشكو له ما حلّ بهم من ألوان العذاب على أيدي قريش، ويطلب منه الدعاء لهم، فأجابه النبي ﷺ: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» ← صحيح البخاري.

وفي غزوة الأحزاب، حين حاصر المشركون المدينة المنورة من جهاتها الثلاث، وغدر اليهود بعهودهم ومواثيقهم مع النبي ﷺ، وتعرض المؤمنون لفتنة عظيمة أخبر عنها الله ﷻ بقوله: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ الأحزاب:10.

في هذا الموقف العصيب، يخبرنا الله ﷻ، تفرق الناس بظنّهم بالله ﷻ، فأما المؤمنون الذين يظنون بالله ﷻ خيراً ويستبشرون بنصره ومعونته كان موقفهم هو مزيد من الأمل والتفاؤل ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ الأحزاب: 22.

وأما من كان في قلبه شكّ ومرضٌ، وتسلل القنوط واليأس إلى قلبه وروحه، فوصفهم الله ﷻ بأن في قلبهم مرضٌ وخلل لا بدل لهم من معالجته حتى تستقيم حياتهم والمجتمع، فقال ﷻ: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ الأحزاب: 12.

فمن صبر على قضاء الله ﷻ، واعتصم بحبله المتين، فإنه لا يجزع عند المصائب والملمات، وإنما يتوكل على الله ﷻ وحده، فإن الله هو حسبه وكافيه، يفرج الكروب والهموم عن عباده المؤمنين المستبشرين إذا احتسبوا عند الله ﷻ ما أصابهم من الابتلاء، يقول النبي ﷺ: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» ← سنن الترمذي.

⬛️ وهنا خطبة: الاعتبار بمرور الأيام والأعوام – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

حريٌّ بالمؤمنين عبد الله الصالحين أن يظلوا مستبشرين بما عند الله ﷻ، وأن يظلوا  بين الرجاء والخوف، لا يسمحون لليأس أو التشاؤم أو القنوط أو التطير أن يتسلل إلى قلوبهم المؤمنة المطمئنة بذكر الله ﷻ، وأن تظل البشارة تعلو وجوههم التي تتشرف بالسجود لخالقها ﷻ، وأن نوقن بأن الله ﷻ هو الرحمن الرحيم بعباده أجمعين.

ومما يجب أن نستبشر به في هذه الأيام أن الله ﷻ الذي يقول للشيء كن فيكون هو وحده القادر على دفع وباء كورونا ، وهذا يقتضي أن تظل ألسنتنا تلهج بالاستغفار لنيل الاستبشار من ربنا الغفور الغفار كما نال سيدنا يونس عليه السلام النجاة بالاستغفار ﴿لا إله إلاّ انت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فلنداوم على الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: