خطبة تبكي العين.. بعنوان: ﴿واللهُ يُحبُ المحسنينَ﴾

خطبة تبكي العين , ﴿واللهُ يُحبُ المحسنينَ﴾

عناصر الخطبة

  • محبة الله ﷻ هي الغاية القصوى، والمقصد الأسنى، والمحسنون يحبهم الله ﷻ وقوله الحق ﴿والله يحب المحسنين﴾.
  • الإنفاق في سبيل الله ﷻ من الصفات التي يحبها الله ﷻ ورسوله ﷺ، وقد أمر الله ﷻ عباده بالإنفاق في آيات كثيرة
  • الإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس سبيل الذين يحبهم الله ﷻ ﴿والله يحب المحسنين﴾.
  • الذين آمنوا وكانوا يتقون، هم المحسنون الذين يحبهم الله ﷻ لأنهم اتصفوا بالصفات التي يحبها الله ﷻ فنالوا درجة الولاية.
  • الله يحب المحسنين في أعمالهم، والمحسنين في أحوالهم, وفي جميع مقاماتهم.
  • صفات المحسنين كثيرة في القرآن الكريم والسنة المشرفة، وقصص إكرام الله ﷻ لهم منشورة أيضاً, ومن ذلك دعاء سيدنا يونس عليه السلام عندما دعا ربه قائلاً {لا إلهَ إلا أنتَ سُبْحَانكَ إِنّي كُنتُ مِنْ الظَّالمِينَ}.

مقدمة الخطبة

محبة الله ﷻ هي الغاية القصوى للمحبين، لأن فيها السعادة لهم في الدارين، ولذلك يحرص العبد على أن يكون من المحسنين لتحقيق هذه المحبة الربانية ﴿والله يحب المحسنين﴾.

إن قلوب المؤمنين لتطمئن إذا تليت عليهم هذه الجملة القرآنية العظيمة ﴿والله يحب المحسنين﴾؛ لأن فيها مسك الختام لصفات باطنية وصفات ظاهرة، هذه الصفات ترفع من درجات أصحابها عند الله ﷻ.

وأول هذه الصفات في سورة البقرة ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾ البقرة 195 , وهذا إنفاق في سبيل الله ﷻ بكل ما تحمله كلمة الإنفاق من المعاني والدلالات؛ فإذا أطاع المسلمون ربهم سبحانه فيما أمرهم ﴿وأنفقوا﴾ تخلصوا من سمات الشح والبخل؛ فالله ﷻ الذي رزقهم هو الذي أمرهم بالإنفاق، وهو سبحانه الذي نهاهم عن قبض اليد عن البذل في سبيله سبحانه، وبعد الأمر والنهي، جاء الأمر بالإحسان، هذه الكلمة الطيبة التي تحبها نفوس الصالحين﴿وأحسنوا﴾، إنه إحسان مؤكد بأم المؤكدات ﴿إنَّ﴾ ﴿إنَّ الله يحب المحسنين﴾. أي: أحسنوا الظن بالله ﷻ، والذين يحسنون الظن بالله هم الفائزون في الدنيا والآخرة.

والحق أن هذا الفوز العظيم يقتضي أن نسارع لنيل مغفرة ربنا ﷻ وجنة عظيمة عرضها السموات والأرض أعدها الله ﷻ لأوليائه قال ﷻ: ﴿ألا إنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾.

جاء الأمر الرباني ﴿وسارعوا﴾ بصيغة المفاعلة؛ لقصد المبالغة في طلب الإسراع، وهو ما يتصور وقوعه من المحسنين، قال الله ﷻ: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾، ولا ريب أن اجتماع هذه الصفات الثلاث تبرز مكانة المحسنين الذي يحبهم الله ﷻ.

1. الصفة الأولى: الإنفاق في السراء والضراء، والمراد به الصدقة، الصدقة في حال الفرح والحزن، في حال اليسر والعسر، والإنفاق في الحالين دليل على أن المنفق هو من المحسنين, لقوله ﷺ: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه… » ← رواه مسلم

2. الصفة الثانية: الكاظمين الغيظ، وهو قهر النفس عن إظهار آثار الغضب، وهذه عزيمة راسخة لا يقدر عليها إلا الأتقياء. روى البيهقي في شعب الإيمان بسنده أن جارية لعلي بن الحسين رضي الله عنه تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه، فشجه فرفع علي بن الحسين رأسه إليها فقالت الجارية: إن الله ﷻ يقول ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾.

فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: ﴿والعافين عن الناس﴾، فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت ﴿والله يحب المحسنين﴾، قال: اذهبي فأنت حرة.

إنه خُلق الأتقياء الأخيار فقد امتثل لقول الله ﷻ عندما ذكرته الجارية بهذه الصفات الحميدة التي ختمها الله ﷻ بقوله ﴿والله يحب المحسنين﴾.

3. وأما الصفة الثالثة: ففيها تكملة لصفتي الإنفاق التي تُخلص صاحبها من الشح، ولصفة كظم الغيظ التي تريح صاحبها من سَوْرة الغضب والانتقام، فجاءت صفة العفو عن الناس فيما أساءوا إليهم لتكون الترجمة الحية التطبيقية في الحياة.

وختمت هذه الصفات بتأكيد محبة الله ﷻ للمحسنين ﴿والله يحب المحسنين﴾: يحب كل محسن، وختم الآيات الكريمات التي وردت فيها هذه الجملة الفذة يدل على أن المُتحدث عنهم في الآيات التي وردت فيها ﴿والله يحب المحسنين﴾ ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون﴾ سورة يونس 26.

وإذا تدبرنا آية سورة المائدة﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين﴾. نجدها ختمت بقوله ﷻ ﴿والله يحب المحسنين﴾ وهو معنى الأمر بالتقوى ثلاثاً في هذه الآية الكريمة.

قال الأستاذ الإمام أبو القاسم القشيري رضي الله عنه: “اتقى الشرك فعرف، ثم اتقى الحرام فانصرف، ثم اتقى الشح فآثر وما أسرف”.

﴿والله يحب المحسنين﴾ أعمالاً، والمحسنين أحوالاً، والمحسنين آمالاً، وهم الذين ينالون الحسنى وزيادة مآلاً، قال ﷻ: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

عباد الله: إنّ المسلم مدعوٌّ ليكون من المحسنين في أقواله وأفعاله، طاعة لربه ﷻ القائل في كتابه الحكيم: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾. وان يبتعد عن نزغات الشيطان ويحذر من شره اقتداءً بنبيه ﷺ الأسوة الحسنة لأمته، ولولا إحسانه ﷺ في جميع مناحي حياته لما انتشرت دعوة الإسلام، دعوة الإحسان في كل شيء حتى في الذبح، يجب أن يتجلى الإحسان على الذابح راحة للذبيحة العجماء، فكيف بالإحسان لبني آدم الذين كرمهم ربهم ﷻ لأجل أبيهم آدم عليه السلام ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر﴾ سورة الإسراء 70.

يجب أن نكون قدوة للناس في الإحسان لننال محبة الله ﷻ، وليهتدي غير المسلمين إذا لمسوا صفات المحسنين في سلوكنا قبل أقوالنا، وهو مما نفتقر إليه وخاصة في عصر انتشار القنوات الفضائية ووسائل التواصل التي جعلت العالم كقرية صغيرة.

إنها فرصة لنا لتغيير ما في نفوسنا، ولتبديل سلوكنا لنكون من الذين قال الله ﷻ فيهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ ويقول ﷺ: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ ﷻ: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ ﷻ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ﴾.

⬛️ وهذه: خطبة مكتوبة عن المسارعة في الخيرات

الخطبة الثانية

الحمد لله..

ومن مظاهر الإحسان أن تلهج ألسنتنا بالتسبيح لله ﷻ والاعتراف بتقصيرنا وظلمنا لأنفسنا، وهو ما دل عليه فعل سيدنا يونس عليه السلام في الظلمات الثلاث، روى سَعيدِ بنِ المُسَيبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ مَالكٍ رضِيَ الله عنْهُ، قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ الله ﷺ يقُوِلُ: «هَلْ أدُلُّكُمْ عَلىِ اسْمِ الله الأعْظمِ الَّذِي إذَا دُعيَ بهِ أجَابَ، وَإذاِ سُئلَ بهِ أعْطى؟ الَّدعْوةُ الَّتي دَعَا بها يونسُ حَيْثُ نادَاهُ في الظُّلمَات الثَّلاث، {لا إلَهَ إلا أنتَ سُبْحَانكَ إنّي كُنْت مِنَ الظَّالمِينَ}»، فقَالَ رجُلٌ: يا رسُولَ الله هَلْ كَانت ليونسَ خَاصةً أمْ للْمُؤْمِنينَ عَامة ؟ فقَالَ رسُولُ الله ﷺ: «ألا تسْمَعُ قوْلَ الله ﷻ: {فاستجبنا له وَنَجَّيناه مِنَ الغمّ، وكَذَلكَ ننجِيِ المُؤْمِنينَ} الأنبياء:٨٨, وَقِالَ رسُولُ الله ﷺ: «أَيما مُسْلم دَعا بها في مَرضِه أربعينَ مَرةً فمَاتَ في مَرضه ذلكَ أعْطيَ أجْرَ شَِهيٍد، وَإنْ برأ برأ، وَقدْ غفرَ لهُ جَميعُ ذنوبه» ← رواه الحاكم في المستدرك.

فهذا يعني يا عباد ﷲ أنكم إذا التزمتم بهذا الاستغفار أربعين مرة في اليوم فإنكم ستكونون سبباً لرفع البلاء عن الأمة، وعن أنفسكم. وإن أصابكم مرض فشفيتم يغفر ﷲ لكم جميع ذنوبكم. وإن أصابكم مرض وتوفيتم -لا سمح ﷲ- فلكم أجر شهيد.

فبالذكر كشف الله عن يونس عليه السلام سبحانه الكربة عنه، قال الله ﷻ ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ سورة الأنبياء:87

سيدنا يونس عليه السلام ظن أن الله ﷻ لن يضيق عليه عندما خرج من نينوى غاضباً، فابتلاه الله ﷻ بأن جعله في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، وبتسبيح الله ﷻ فرّج الله عنه.

إننا في هذه الأيام نعاني من البلاء والوباء، والله ﷻ هو القادر على كل شيء، فلنكن من المحسنين، ليحبنا الله ﷻ ويزيل هذه الغمة التي أتعبت الأمة.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: