الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى.. خطبة جمعة قوية لخطباء وأئمة الأوقاف

تمت الكتابة بواسطة:

هذه ليست خطبة عادية وتقليدية البَتَّة. إنها خطبة جمعة من أقوى ما يكون؛ نسوقها لكم تحت عنوان: الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى. تشتمل على مقدمة رائِعة ومحتوى تم تقسيمه إلى فقرات وعناوين فرعية بمثابة عناصر تساعد الإمام على تنظيم وتنسيق خطبته أثناء التحضير لها. ثم مع مجموعة من أجمَل وأجَلّ الأدعية المباركة؛ والتي سِيقَت لكم من إمامنا -بارك الله فيه- لتكون مِسْك ختام لهذه الخطبة المباركة.

وكما تعوَّدنا في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد أن يكون ما نقدمه لكم جديدًا وحصريًا لكي تختاروا ما تريدون تضمينه في خطبة الجمعة بالمساجِد التي تتولون مهمة إلقاء الخطبة فيها، على أكمل وجهٍ مُمكِن.

الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، أحمده على صرف الهم والجوى، حمد من أناب وارعوى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما نشر وطوى، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله وعود الهدى قد ذوى، فسقاه ماء المجاهدة حتى ارتوى. صلى الله عليه وعلى أبي بكر الصديق صاحبه إن رحل أو ثوى. وعلى الفاروق الذي وسم بجده جبين كل جبار وكوى. وعلى ذي النورين الصابر على الشهادة ساكنا ما التوى. وعلى علي الذي زهد في الدنيا فباعها وما احتوى.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

ثم أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كلام ربنا -جل وعلا- وخير الهدي هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم-. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. نسأل الله جنته ونعوذ به من ناره.

الخطبة الأولى

ثم أما بعد. عباد الله؛ يبين لنا ربنا -تبارك وتعالى- في محكم التنزيل أنه -جل جلاله- ما خلق الموت والحياة إلا للاختبار. فقال -جل شأنه- في سورة الملك ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾.

ونعلم جميعا -عباد الله- أن الدنيا دار ابتلاء، وأنها لا تصلح للمسلم ولا لغيره مستقرا. الدنيا جسر يعبر منه الإنسان من إلى الآخِرة، الدنيا دار ممر لا دار مقر.

الدنيا عرض حاضر يأكل منها البَر والفاجِر والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر.

والله أسأل أن يجعلنا وإياكم من أبناء الآخرة، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل. إنه رب ذلك ومولاه. كما أسأله –سبحانه– أن يرزقنا قولا صالحًا وعملا صالحًا متقبلا. إنه رب ذلك والقادر عليه.

ونعلم تمام العلم -عباد الله- أن من سنة الله -جل جلاله- أن العسر لا يدوم، وأن الابتلاء مهما طال له أجل. فالأقدار لها آجال كآجال ابن آدم. هناك قدر يبدأ في مهده، ثم يشتد في شبابه وصباه، ثم يشيخ، ثم يرحل.

أيًا كان هذا القدر، حلوه ومره، خيره وشره. فالأقدار آجال. وقد بين لنا ربنا -تبارك وتعالى- أن ﴿مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.

وحتى نبين -عباد الله- هذا المثل، ويتضح به المقام؛ لنا في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. لمن كان يريد أن يقتفي أثر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ولمن أراد أن يقتدي بنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولينظر إلى موضع قدمه؛ هل أنت وراء غرسه أم لا؟

كلمة أعجبتني حينما قالتها أم لابنتها. قالت: يا بنية انتبهي إلى موضع قدمك حتى لا تتعثري. فقالت لها في حنو وأدب ورحمة: يا أم. بل ارقبي أنتِ موضع قدمك، فأنا سيروا ورائك.

فحيثما يكون الغرس يكون القدم؛ وحيثما يكون الظل يكون العود. كما تعلمنا وكما نعلم جميعا يا عباد الله.

لذلك -عباد الله- مَرَّ على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أيام شدة وحقبة عسيرة، ثم يسرها ربنا -تبارك وتعالى- عليه.

وحتى لا نُطيل في إسهابٍ بعيد عن الموضوع. فرأس الموضوع وسواد عينه أننا سنتكلم عباد الله عن رحلة الإسراء والمعراج. عن هذه الرحلة المباركة، والتي كانت كالتمهيد والتوطئة لدولة التمكين والقيادة والريادة، دولة المدينة.

آيات الله الكبرى

الكثير منا لا يعلم عن الإسراء إلا حينما يحتفل به في أضعف أقوال تاريخه وهو شهر رجب. وكما نعلم أن شهر رجب ليس فيه دليلا شرعيًا واحدا على أنه تاريخ الإسراء والمعراج.

ولكن قبل الولوج في في بحر هذه الرحلة، في طرق وقرع لأبواب السماء. في هذه الرحلة المقدسة، في هذه الرحلة المعجزة الموجزة التي أسرى بها ربنا -تبارك وتعالى- بنبيه -عليه الصلاة والسلام- في جزء يسير من اليوم وهو الليل، وفي جزء يسير من الليل حتى ذهب -صلى الله عليه وسلم- بمكان يضرب إليه أكباد الإبل، يربو على أربعمائة كيلو متر؛ وزيادة، من الكعبة المشرفة إلى بيت الله المقدس.

ثم يحدث له أمرا أعظم من هذه الرحلة -الإسراء- ألا وهو المعراج. أن يخترق -صلى الله عليه وسلم- وإن يصعد إلى الفضاء وأن يخترق السبع الطباق حتى يصل إلى سِدرة المنتهى حيث ينتهي صَرِيفَ الأقْلامِ أو ينتهي عندها الأمر. وتقف الملائكة عندها ولا تدري ولا تستطع أن ترتقي بعدها.

فصعد -صلى الله عليه وسلم-. وأوحى إليه ربنا -جل وعلا- ما أوحى. ورأى نهاية به الكبرى.

آيات الله الكبرى، آيات بينات، آيات عظيمة. تأتي بعد مرحلة عناء ومشقة لقيها -صلى الله عليه وسلم-.

لنعلم -عباد الله- ولنتواسى بما كان لما يكون وما هو كائن. فما الأيام إلا دول ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس﴾. كما بيَّن لنا رب الناس -سبحانه تبارك وعز وجل-.

فنحن الآن في فترة مكية، في فترة استضعاف، في فترة نراها على جميع مقدسات المسلمين.

عجب عجيب أن ترى عيناك في هذه الرحلة المقدسة المعظمة التي ما زال بعض الناس يرتدون في الإيمان بها إلى الآن. إلى الآن القدس محطة الاختبار. إلى الآن رحلة الإسراء درجة امتحان بين أهل الإيمان وبين أهل البطلان، وبين أهل الزيغ والفساد والإلحاد. الذين صدقوا عمليات الليزر والصعود إلى الفضاء واختراق سطح القمر. وما زالت هذه العقول إلى الآن تشك في قدرة ربنا سبحانه -تبارك وتعالى-.

نعم؛ عباد الله. كلمات موجزة إنما في قمة البلاغة والبيان. قد ذكر لنا -جل وعلا- رحلة الإسراء الطويلة. هذه المسافة البعيدة في صدر آيةٍ واحدة في سورة سماها باسم هذه الليلة، باسم هذه الحادثة؛ في سورة الإسراء تكلم ربنا -جل وعلا- عن الإسراء في آية واحدة. ثم بعد ذلك مائة وواحد من الآيات تتكلم عن بني إسرائيل وعن حقيقة القوم وعن عداوتهم.

ورحلة المعراج؛ هذه الرحلة القصيرة في المسافة بالنسبة لهذه إن قِسناها بمقادير الدنيا. ذُكرت في سورة قصيرة ألا وهي سورة النجم. سورة النجم التي بيَّن لنا فيها ربنا -تبارك وتعالى- ما حدث لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.

أرجح الأقوال -عباد الله- في وقوع حادثة الإسراء والمعراج أنها قبيل هجرته إلى المدينة النبوية إما بعامٍ وإما بثلاثة أعوام. ونعلم تمام العلم أن مبتدأ الهجرة كان في شهر المحرم، والإعداد لها كان في المحرم، وأقرب التواريخ إليها في شهر ربيع الأول.

ففي شهر ربيع إن كانت قبله بعام ففي ربيع من السنة الحادية أو الثانية عشر، أو في ربيع من السنة العاشرة من بعثته، وقبل هجرته عليه الصلاة والسلام.

ينبغي -عباد الله- أن تصدع هذه المنابر عن حياة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في كل جمعة، بل لا خير في منبر لا يحيي الناس بحياة نبينا -عليه الصلاة والسلام- ولا يأخذ بنواصي الناس كما أخذ الله -جل جلاله- بناصية نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

الإسراء التي سرَّى بها ربنا -جل جلاله- عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بعد معاناة طالت مع قوم زور، مع قوم رأوا بأعينهم نبوءات النبي -صلى عليه الصلاة والسلام-. ولكنها الأباطيل، ولكنها الأهواء، ولكنها المصالح، ولكنها التجارات. كيف يُترك هذا من أجل قول الحق يا عباد الله؟ كيف يُهجَر المال من أجل إقامة الدين في قوم بُهت؟ وتوارثت كل قريش أخلاق قريش القذرة؟ وتركت من أخلاق العرب أخلاقها التي زكاها ربنا -جل وعلا- التي أخبرنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- عنها أنه ما بُعِثَ إلا ليتمم مكارم الأخلاق. أي أن العرب كانوا سادة في كثير من أمورهم. بل كانوا في جُلّ أمورهم سادة وأصحاب قيادة وريادة إلا في الضلال العقدي فقط. فقوّّم الله لهم هذه الملة وأقامهم على الطريق المستقيم؛ فاختارهم ليكونوا سدنة شريعته وحراس ملته وسقاة بيته، وهم الذين كانوا يقومون على خدمة بيته المقدس، على خدمة بيته الحرام.

لذلك عباد الله؛ من الجور والخطأ أن نقول [كله عند العرب صابون] أو أن [العرب جرب] ولا يعرفون شيئا. أهو كل عرب، ونزدري هذه التي ميزنا الله -جل وعلا- بها، والتي كرمنا على غيرنا ولم تكن بكسب من ولا بحول ولا قوة.

ولتعلم أيها العربي أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. حتى لا يتعالى أحد على أحد.

ما سبق الإسراء والمعراج

في هذه المرحلة مضت من عمر النبي -عليه الصلاة والسلام- آلامٌ وجراح، أحزان وأتراح. رأى فيها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أشد ما لقي من قوم بهت، يكذبون الله -عز وجل-، ويكذبون بأمر نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

إنما اختزالا واختصارا واقتصارا على آخر ما لقي بأبي هو وأمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. لما ضاقت عليه مكة بما رحبت وأُغلِقَت في وجهه منتديات قريش، وبعد أن ضُيق عليه أيّما تضييق، وأُكره أصحابه -رضي الله عنهم- أن يخرجوا يهيمون على وجوههم في هذه الصحراء الواسعة فارين بدينهم؛ لأنهم يعلموا أن أرض الله واسعة، وأن إقامة الدين أهم من إقامة الدولة، وأن ملء الآخرة أهم من ملء الدنيا، وأن النجاة عند الله وبين يديه أعلى وأثمن وأغلى من نجاة الأبدان من الفقر والجوع والتعري. والله المستعان.

في هذا العام العاشر من عمره الدعوي -صلى الله عليه وسلم-. في هذا العام خصيصا، وهو أرجح الأقوال في إنه هو عام الحزن. العام الذي سماه أهل التاريخ والسيَر قاطبة أنه أشد الأعوام حزنا على نبينا -عليه الصلاة والسلام-. وليس لأنه -صلى الله عليه وسلم- لقي فيه ما لقي من مشركي وصناديد ومكذبي قريش وهذه العقول المتحجرة الزائغة الباطلة. إنما كان هذا العام كُسيَ بالحزن لفراق زوجته خديجة -رضي الله عنها- وصلى الله على زوجها.

ولن نُطيل أيضا في الكلام عن خديجة. فالكلام عن خديجة لا تنتهي حبائله، ولا تنقطع لطائفه. فخديجة -رضي الله عنها وأرضاها- هي صناعة الله لنبيه، إعداد الله لنبيه. فهي أول من توضأت، أول من صلت، أول من آمنت، أول من ضحت، صاحبة اليد الطولى على كل إنسان وعلى كل مسلم، بعد نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

ثم بعد موتها بأربعة أشهر أو يسير. مات ساعد النبي وعضد النبي بالخارج، عمه طالب. ونعلم أن أبا طالب مات مشركا، مات كافرا، ولم ينتفع من من دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام-. إنما كان دفاعه عنه فِطرة، عصبية قبائلية، قوانين الأرض آنذاك أن القبائل لا تسلم أبنائها لأحد، ولا يعتدي أحد عليها.

لا يسألون أخاهم حين يندبهم — في النائبات على ما قال برهانا

بل تُجَيَّش الجيوش وتُسَعَّر الحروب بكلمة توجَّه لجارية من قبيلة أو لتعدٍ على فرسٍ من قبيلة. لا لضرب صواريخ على أرضها، ولا لانتهاك أعراض بناتها، ولا لأخذ ونهب ثرواتها. كانوا قديمًا يغيرون بالإغارات من أجل حمل بعير.

كانوا عرب أقحاحا لهم قوامه.

أما الآن؛ الله المستعان. فبعد هذه الأحداث السريعة المتلاطمة وضُيق على نبينا -عليه الصلاة والسلام- بات يبحث عن أرضٍ جديدة. بات يبحث عن معنى للوطن. كما ذكرت لحضراتكم آنِفًا أن حب الوطن دين.. ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. كما بين لنا ربنا سبحانه.

الاتجاه بالدعوة إلى الطائف

خرج ﷺ إلى الطائف -وكلنا يعلم وما جئت حتى أذكر لحضراتكم هذه الأحداث المسبقة للسيرة. إنما حتى نلِج وندخل من بوابة الإيمان لا بد من أن نعلم ظروف هذه الحادثة المباركة وهذه الرحلة المقدسة- فيخرج -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف؛ في مكان قريب من مكة، يبتعد تقريبا حوالي سبعين كيلو متر.

يخرج -صلى الله عليه وسلم- ماشيا مترجلا على قدميه هو ومولاه زيد بن حارثة -رضي الله عنه وأرضاه- حتى لا يشعر به أحد. وهذه حكمة، إذا ضيق عليك فلتلجأ ولتركن إلى الحكمة. ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾. لأن هناك من يترصَّد ويجلس ويقعد بك كل مرصد. والله المستعان.

لماذا اختار الرسول الطائف!

خرج الرسول ﷺ يدعو الناس في الطائف، لأن الطائف توفرت فيها من أسباب العون والريادة والقيادة ما يضاهي فرس الرهان مع مكة. وكانت الطائف هي مصيف المشركين ومرتع الأغنياء من أهل الثراء الفاحش من قريش ومن كل قريش.

نعم. وفيها عصبات وعائلات، فيها خلقا كبيرا من السادة من تضاهي بني فهر وكعب وأسد وهاشم والمطلب. أي إذا تقوى بهم كانوا له سندا وعضدا في دعوته مع أهل مكة.

خرج يدعوهم ويحاورهم، فصدوا عن سبيل الله، وكذبوه. بل وقع منهم أشد ما وقع من العداء والكِبر والبَطر. أنهم ردوا دعوة النبي وأغروا به الصبيان يضربونه بالأحجار حتى أدموا عقبيه، وجُحِشت ركبتيه ويديه، وسال الدم بوجهه الشريف. لا تظن أن هذا كان في دقائق أو في ساعة، بل عشرة أيام يدعوهم في الطائف، وهم في كل مرة يحدثون مثل ما أحدثوا. بل يجمعون عليه أضعاف أضعاف ما جمعوا حتى لا يستمع أحد إليه وتُصَم الآذان عن دعوته.

لك أن تتخيل. وبعدها يحدثهم أنهم ما داموا لا يريدون أن يؤمنوا، فليكتموا خبر مجيئه، وليسكتوا عن زيارته حتى يرجع إلى مكة؛ حتى يُحْدِث الله -جل وعلا- بما فيه فرجا ومخرجا. فأبى القوم إلا نفروا.

فأبى القوم إلا أن يخبروا أهل مكة. فمنعوا النبي أن يدخل إلى مكة. فاشتد الكرب كربا فوق كربه -عليه الصلاة والسلام-.

الهموم والأحزان تتراكم

ماتت حبيبه، فقد ساعده الذي كان يضرب به قريش عن بكرة أبيها، ولا يستطيع أحد أن يصل إليه. حتى قال -صلى الله عليه وسلم- «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب».

فبعد موت أبو طالب ظنوا أنه صار صيدا ثمينا وسهلا. فتَعَدَّوْا على ذاته وعلى شخصه وعلى بدنه.

إنما الحزن الأكبر كان لعدم استجابة أحد من أهل الدنيا أو من أهل الطائف ساعتها لدعوة الله -عز وجل-. فخرج هائما على وجهه. خرج حزينا مكروبا، فلم يفق ألا وهو بقرن الثعالب. وقرن الثعالب هو ميقات السيل الكبير، ميقات أهل الطائف وميقات القادمين من الرياض قبل الدخول إلى مكة. ما بينما كان وما وصل قرابة خمسين كيلو متر.

يسير حزينا هائما على وجهه كل هذه المسافة، لا يدري ما الذي يحدث له! أرأيت ماذا يصنع الهم الحزن يا عبد الله؟

وعندها جاءته بوادر الفرج. فماذا كان؟ الله المستعان. هذا ما يكون بعد جلسة الاستراحة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى. ثم أما بعد. أسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل. وأن يجعلها ساعة استجابة.

عباد الله؛ نعود إلى رسول الله ﷺ الذي لم يفق إلا في قرن الثعالب. فجاءه جبريل -عليه السلام- -كما ورد في صحيح البخاري– ومعه ملك الجبال، وإذ به يقول: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فسلَّم ملك الجبال على نبينا -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».

وصدقت نبوءته. فخرج خالد بن الوليد بن المغيرة، وخرج عكرمة بن أبي جهل. نعم عباد الله؛ صدقت نبوءة النبي. فلا تسئ الظن بأحدٍ ولو كثرت معاصيه، ولا تحكم على أحد ولو كثرت بلاويه. بل سل الله -عز وجل- أن ينجيك وأن ينجيه وأن تكون نجاتك على يديه وأن الله -جل وعلا- يفتح باب التوبة على مصراعيه لكل المقبلين عليه.

وعند رفض النبي أن يثأر لنفسه؛ عاد إلى مكة ودخل في جوار المطعم بن عديّ، مستخدما قوانين قريش. ثم بعدها جاء التكريم والتسلية.

وإذا أردتم المزيد؛ فنوصيكم هنا بالاطلاع على: قصة الإسراء والمعراج مكتوبة «مختصرة مُلَخَّصة»

الدعاء

أسأل سبحانه وبحمده. إن يرزقنا وإياكم العلم النَّافِع والعمل الصالح؛ إنه رب ذلك والقادر عليه.

اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام؛ صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك وحبيبك محمد. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ما تعاقب الليل والنهار. اللهم صل وسلم وبارك عليه ما حطَّ طائر أو طار. صل وسلم وبارك عليه عدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار.

اللهم صل وسلم وبارك على آل بيته الأطهار الأبرار. صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه جميعا، وبخاصة المهاجرين والأنصار.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت.

اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.

اللهم أرنا الحق حقا ثم اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. وخذ بنواصي البلاد والعباد إليك، أخذ الكِرام عليك.

اللهم ساعة إجابة، اللهم ساعة إجابة، اللهم ساعة إجابة. اللهم حرر بيت المقدس يا رب العالمين.

اللهم من أرادنا وبلادنا بخير فوفقه إلى كل خير. ومن أرادها بشر فأشغله بنفسه. اجعل كيده في نحره.

اللهم من أراد للإسلام رفعة فارفع درجته، وأصلح بطانته، وارفع رايته، ووحد كلمته، وسدد رأيه ومشورته. ومن أراد بنا غير ذلك فاكفنا شره.

اللهم نجح أبناء المسلمين يا رب العالمين.

اللهم خذ بنواصي نساء المسلمين إليك. اللهم خذ بنواصي رجال المسلمين إليك.

اللهم أصلح ذات البين بين المسلمين.

رد كل غائب يا رب العالمين.

فرج كرب كل مكروب. أزِل هم كل مهموم، اقض دين كل مدين، اشف كل مريض مسلم، عاف كل مبتلى مسلم.

اللهم من ابتليته بالداء فارزقه يا ربنا الدواء.

اللهم اشف مرضانا عامة، والآباء والأمهات منهم خاصة، وذوي الأرحام منهم خاصة.

ارحم جميع موتانا وموتى المسلمين. ارحم موتى الناس عامة، والآباء والأمهات منهم خاصة.

اللهم لا تفتنا بعدهم، ولا تحرمنا أجرهم، واغفر اللهم لنا ولهم.

عباد الله؛ هذا ما أعلم، والله أعلى وأعلم. وأعوذ بالله أن أُذَكركم. وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وأقِم الصلاة.


كانت هذه خطبة جمعة بعنوان: الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى. من إلقاء فضيلة الشيخ أسامة شلتوت -جزاه الله خيرًا- نُهديها لخطباء وأئمة الأوقاف خاصَّة والعلماء والوُعَّاظ المسلمين عامَّة.


التعليقات

رد واحد على “الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى.. خطبة جمعة قوية لخطباء وأئمة الأوقاف”

  1. اريد نص الخطبة لألقيها غدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: