خطبة عن الإسراء والمعراج.. دروس وعبر وفوائد مستفادة من هذه الحادثة العظيمة

تتوالى الأحداث الإسلامية في عامِنا الهجري؛ ومِنها حادثة الإسراء والمعراج. وفي هذا الشأن نسوق إليكم خطبة جمعة مكتوبة ومنظمة ومُرتَّبة، وغنيَّة بالعناصر التي تضبِط محتواها إلى أجزاء، لكي يسهل على الإمام والخطيب والواعِظ إلقاء خطبته بشكلٍ أكثر يُسرًا وأسهل على العامة استيعابه.

بدورنا هنا في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة في موقع المزيد؛ نحاول أن نكون متواجدين من الخُطباء والأئِمَّة والدُّعاة والوُعَّاظ في كل مناسبة تستدعي خطبة جمعة تُلقى على المُصلين. تُذَكِّرهُم بهذه الأحداث التي كانت ولا زالت علامات فارِقة في تاريخ أُمَّتنا الإسلاميَّة.. فدعونا نُلقي نظرةً عن كثب على ما لدينا في هذه الخطبة المُبارَكة.

خطبة عن الإسراء والمعراج

مقدمة الخطبة

الحمد لله نحمده، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهدِ الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد؛ وتركنا على محجةٍ بيضاء، ليلها كنهارها، لا يبتغيها إلا سالك ولا يزيغ عنها إلا هالك.

اللهم فصَل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد إخوة الإسلام؛ فأوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة بتقوى الله في السر والعلن، وأحثكم على طاعته وأنهاكم عن معصيته.

الخطبة الأولى

يقول الله “عز وجل” في محكم تنزيله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

حادثة الإسراء والمعراج

أيها الأحبة؛ إننا بين يدي ذكرى عظيمة وحدث عظيم في سيرة سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”. إنها حادثة الإسراء والمعراج. هذه الذكرى العظيمة وذلك المشهد البديع إنما هو محطة يتوقف عندها أهل الإيمان ليأخذوا العبر ويأخذوا الدروس، ويستفيدوا من تلك المعجزة العظيمة التي كانت تكريما لنبينا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-.

خاصة أنها جاءت بعد اشتداد المِحنة عليه وعلى أصحابه -عليه الصلاة والسلام-. بعد أن خرج عليه أهل الطائف، وقد جاءهم يدعوهم إلى توحيد الله “تبارك وتعالى”، أخرجوا مجانينهم غلمانهم يرشقون النبي “صلى الله عليه وسلم” بالأحجار، ويشتمونه، ويعتدون عليه.

ضاقت به قريش وأهلها، فكان التكريم من الله “سبحانه وتعالى”.

إذا ضاقت بك الأرض فُتِحَت لك أبواب السماء.

كان التكريم لحضرة النبي المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أن يكون الإسراء من مكة المكرمة، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ مؤانسة وتسلية لقلب حبيبنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-.

وفي هذا عبرة أيها الأحبة؛ أن كل إنسانٍ يصاب بدينه، يصاب بأخلاقه، يصاب بمبادئه وعقيدته؛ إن ثبت وتحمل وتمسك بالمبادئ؛ الله “عز وجل” يجعل من محنته مِنحة، ويجعل من شدته التي تصيبه رحمة بعد ذلك.

هذا من سُنَن الله “عز وجل” في خلقه. صاحب المبدأ إن تمسك بمبدئه، صاحب الإيمان إن تمسك بإيمانه؛ يعوضه الله “عز وجل”.

سيدنا محمد إمام الأنبياء والمرسلين

ثم في الإسراء مشهدُ عظيم وهو صلاته -عليه الصلاة والسلام- إماما بالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-. ففي ذلك إشارة إلى وحدة العقيدة بين الأنبياء.

فكل الأنبياء جاءوا بعقيدة التوحيد. العقيدة أمر ثابت لا اجتهاد فيه. لا يتبدل بين رسول ونبي. فما جاء به آدم “عليه السلام” هو ما جاء به سيدنا موسى وعيسى وإبراهيم نوح وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- وجميع الأنبياء.

الذي يمكن أن يتبدل هو الشرائِع، التطبيقات الفقهية التشريعية. هذا يتبدل من نبي إلى نبي، من رسولٍ إلى رسول، من زمن إلى زمن.

ولكن العقيدة واحدة لأن الحق المطلق لا اجتهاد فيه. حتى يكون حقًا مطلقًا ينبغي أن يكون ثابتًا لا يتبدل، وخاصة أنه يتعلق بذات الله “تبارك وتعالى”، ويتعلق بالحقائق الغيبية المطلقة.

يصلي النبي -عليه الصلاة والسلام- إماما بالأنبياء والمرسلين.

أهمية المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين

ثم من الدلالات العظيمة أنه “صلى الله عليه وسلم” عُرج به إلى السماء انطلاقا من المسجد الأقصى. وهذا يؤكد أن مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين.

رسولنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- صلى في بداية الوحي إلى المسجد الأقصى، قبل أن تُحَوَّل القبلة، وصلى المسلمون كذلك.

وأن يُعْرَج به -عليه الصلاة والسلام- إلى السماوات العلا من المسجد الأقصى تأكيدٌ لأهمية المسجد الأقصى في عقيدتنا وفي ديننا وفي تاريخنا وفي تربيتنا ومناهجنا التي ينبغي أن ننشِّئ عليها أبنائنا وأطفالنا.

المسجد الأقصى اليوم الذي يثبُت فيه من بقي من أهله في القدس الشَّريف.

يثبتون ويحملون وِكالة عن كل الأُمَّة في صمودهم للمحافظة على المسجد الأقصى. وهذه الوكالة التي ابتدروها -تطوعًا منهم- لا تُسقِط أصالتنا في أننا مُطالبون أن نهتم بأمر المسجد الأقصى، ابتداءً من تحريره بإذن الله “تبارك وتعالى”، وانتهاءً بكل تضحية لازمة مادية كانت أو ثقافية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية أو إعلامية، حتى تبقي قضيته المسجد الأقصى حاضرة.

هذا واجبٌ شرعيٌ على حكام المسلمين وعلى المسلمين، وعلى كل واحدٍ كان كان في موقعٍ أقامه الله “تبارك وتعالى” عليه، ألا يترك قضية المسجد الأقصى.

حتى هذه الجروح النازفة -أيها الإخوة- في بلاد الشام وفي غيرها من بلاد المسلمين، لا ينبغي أن تُنسينا قضية المسجد الأقصى. بل إن رؤيتنا أن هذه الثورات التي حصلت، بطيبها وخبيثها، بنجاحاتها وإخفاقاتها؛ ينبغي أن تكون مرتبطة دائما بالقضية الأم، قضية فلسطين، قضية المسجد الأقصى.

عُرِجَ به “صلى الله عليه وسلم” إلى السماء تكريمًا له. أيُّ تكريم من هذا من المولى “تبارك وتعالى” لنبيه المصطفى -عليه الصلاة والسلام-! أيُّ سُنَّةٍ من سُنَنِ الله “تبارك وتعالى” في معاملة الصابرين الثابتين من خلقه! وخصوصا الأنبياء.

ضاقت بك الأرض، فتحت لك أبواب السماء.

الصلاة هدية المعراج

وهناك -أيها الإخوة- تُشرَع الصلاة، تُفْرَض الصلاة. هذا دليلٌ على أهمية الصلاة.

هي معراج الروح.

فُرضَت الصلاة علينا في السماء،. هي معراج أرواحنا، هي باب الترقى إلى الله “عز وجل”.

والأمة اليوم بحاجة أن تُحيي فيها جذوة الخشوع والخضوع في الصلاة. نحتاج اليوم أن نعود إلى حقيقة صلاتنا التي فُرضَت في ليلة الإسراء والمعراج.

فُرضَت في السماوات العُلا بهذه الدلالات العظيمة.

قوَّة والمسلم الفردية في صلاته، قوَّة الأمة مُجتمعَة في صلاتها.

نريد أن نعود إلى ثقافة الخشوع في الصلاة، إلى تعظيم الله “تبارك وتعالى” حق التعظيم، أن نخرج من الروتين المطبِق الذي تسلل حتى إلى صلاتنا والي عباداتنا، أن نبحث عن مواطن القوة في صلاتنا، مواطن القوة في استجابة الدعاء وأنت ساجد.

نحتاج -أيها الاخوة- أن نستحضر حالنا مع الله “تبارك وتعالى”. كم نحن مقصرون في استحضارنا لعظمة الله “تبارك وتعالى” في ركوعنا وفي سجودنا وفي صلاتنا!

كَم نحن مقصرون بركعات نصليها بين يدي الله “تبارك وتعالى” في جوف الليل! كم نحن مقصرون في صلاة الجماعة في المساجد!

الصلاة -أيها الإخوة- مرتبطة بالمعراج. هذه المعجزة العظيمة وهذه القوَّة العظيمة في معراج النبي “صلى الله عليه وسلم” ترتبط بالصَّلاة، والصلاة ترتبِطُ فيها.

في ذكرى الإسراء والمعراج ينبغي علينا أن نعود إلى سيرة رسولنا المصطفى “صلى الله عليه وسلم”. أن نتأمل هذه الأحداث العظيمة؛ من معركة بدر ومعركة أحد ومعركة حنين؛ من فتح مكة، من حادثة الإسراء والمعراج؛ من غيرها من الأمور العظيمة التي سطَّرها علماؤنا وكتبوها في سيرة رسولنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لتبقى الدروس والعِبَر حاضِرة من خلالها.

لا تيأس أخي المسلم؛ مهما كانت مصيبتك ومهما كانت الضائقة عليك التجئ إلى الله “عز وجل” يجعل لك أبواب الفرج مفتوحة.

مهما كانت الابتلاءات علي أمتنا كثيرة وعظيمة، الأُمَّة مدعوَّة أن تلتجئ إلى الله “عز وجل”، أن تخرج من هذا الضيق -الوهمي في بعض الأحيان- إلى فُسحة عطاءات الله “عز وجل”، إلى نِعَم الله -تبارك وتعالى- الحسيَّة والمعنوية.

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).

أيها الإخوة، ما يصيب أمتنا اليوم والظلم الذي ينصب على أهلها، والسكوت العالمي على هذا القتل، كله دعوة جديدة لنا أن نلتجِئ إلى الله “تبارك وتعالى”.

لا ينفعنا زيد ولا عمر. الكل يتخلى عن القضايا المصيرية الإنسانية لمصالح ضيقة.

أن نفِر إلى الله “عز وجل”، أن نلتجِئ إلى الله “تبارك وتعالى”.

جددوا البيعة للرسول

في ذكرى الإسراء والمعراج نجدد بيعتنا لرسولنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-. حيث تتمثل القيادة، وحيث تتمثل الأسوة الحسنة، وحيث يرفع الإنسان المسلم رأسه في أنه يتبع رسوله المصطفى -عليه الصلاة والسلام-.

فلنَعِش مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سيرته، وفي أحداث في سيرته، والمعجزات التي أكرمه الله “تبارك وتعالى” بها. فلنَعِش مع رسولنا المصطفى “صلى الله عليه وسلم” بكثرة الصلاة عليه؛ حيث تتواصل أرواحنا مع روحه الشريفة -عليه الصلاة والسلام-.

في ذكرى الإسراء والمعراج أسأل الله “تبارك وتعالى” أن يثبتنا على المنهج الحق، وأن يجعلنا من المنتصرين إلى قضايا المسلمين، لا سيما قضية المسجد الأقصى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده. الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه.

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله.

أيها المسلمون؛ اتقوا ربكم فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر. واعلموا أنه -تبارك وتعالى- قد صلَّى على نبيكم قديما. قال -سبحانه- ولم يزل آمِرًا حكيما، تعظيما لقدر الحبيب “صلى الله عليه وسلم” وتكريما (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنحل بها العقد، صَلِّ عليه صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا.

الدعاء

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

اللهم عافنا واعف عنا وتب علينا يا غفار.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

اللهم ثبتنا على الإيمان وأمِتنا على الإيمان؛ نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين.

اللهم ارحمنا إذا جاءنا ملك الموت، اللهم ارحمنا إذا رُفِعنا فوق الأكتاف، اللهم ارحمنا إذا وُضِعنا تحت التراب وغادرنا الأهل والأصحاب والأحباب، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة مولانا رب العالمين.

اللهم أحسِن ختامنا ويمِّن كتابنا واجعل إلى الجنة مآلنا.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هَمَّا إلا فرجته، ولا كربا إلا نفَّسته، ولا مريضًا إلا شفيته وعافيته يا رب العالمين.

اللهم فرِّج عن المسلمين في كل مكان؛ اللهم فرج عن المسلمين في فلسطين وأكرمنا بتحرير المسجد الأقصى مولانا رب العالمين.

اللهم هَيِّئ للمسلمين من أمرهم رشدا يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات. سبحان ربك رب العِزَّة عما يصِفون، وسلام على المرسلين؛ والحمد لله رب العالمين. أقِم الصلاة.


خطبة عن الإسراء والمعراج

ألقى فضيلة الشَّيخ أمين الكردي -حفظه الله وبارك فيه- هذه الخطبة المباركة، التي تدور حول حادِثَة الإسراء والمعراج وما يُستفاد منها من دروس وعِبَر، وفوائِد التي يجب أن تكون في ذِهن المسلم ما بقي على ظهر هذه الدُّنيا.

نتمنى أن تنتفعوا بكل ما ورد في هذه الخطبة المباركة وألَّا تنسونا من صالِح دعائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top