خطبة بعنوان: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ – مكتوبة

خطبة بعنوان: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • الماء نعمةٌ سابغةٌ من نِعَمِ الله ﷻ التي لا تحصى، مصدره السماء، ينزل على الأرض صافياً نقياً، وقد امتن الله ﷻ على أهل بدر بهذه النعمة في قوله ﷻ: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام﴾ الأنفال: 11.
  • الماء قوام الحياة لكل الكائنات في الأرض، لذلك ينبغي على المسلم أن يشكر ربه ﷻ على هذه النعمة العظيمة بالمحافظة عليها وعدم إهدارها أو تلويثها؛ لأن الناس شركاء في ثلاثة، منها الماء ما دامت عامة كماء البحار والأنهار، والماء كالهواء في ديمومة الحياة على وجه الأرض.
  • على المسلم أن يقتصد باستعمال الماء حتى ولو كان على نهر جارٍ؛ لأن الماء من ركائز أمن المجتمع، وأسباب العيش الأساسية التي أكرم الله ﷻ بها الإنسان، لذلك نهى النبي ﷺ عن الإسراف في استعماله، ولو كان للعبادة كالوضوء للصلاة أو الاغتسال من الجنابة ونحوها.
  • من الإفساد في الأرض تلويث الماء سواء أكان عاماً كماء الأنهار والعيون، أم خاصة كخزانات المياه للدولة أو للمواطنين، وواجب شرعاً على المسلم التبليغ والتواصل مع الجهات المختصة في حال حصول خلل واجب مجتمعي وفرض كفائي وهو من التعاون على الخير والنصح للعامة.
  • الإكثار من دعاء سيدنا يونس عليه السلام ﴿لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ لما فيه من تنزيه الله ﷻ واعتراف العبد بالتقصير.

الخطبة الأولى

خلق الله ﷻ هذا الكون وسخره للإنسان وجعله مستخلفاً فيه قال ﷻ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الجاثية: 13، ويعتبر الماء من أعظم النعم التي أنعم الله ﷻ بها على الإنسان، وجعله الله ﷻ المصدر الأساسي للحياة قال ﷻ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأنبياء:30، وقال ﷻ: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ ق:9-11.

فالماء هو قوام الحياة لكل الكائنات في الأرض، فلا يعيش بدونه إنسان ولا حيوان ولا نبات، فبه تتنزل البركات من السماء، وتخرج الأرض خيراتها، لذلك ينبغي على المسلم أن يشكر هذه النعمة العظيمة بالحفاظ عليها والحرص على استدامتها، وقد قال الله ﷻ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ الواقعة: 68-70.

ومن هنا فقد دعى الإسلام الى الحفاظ على الماء وصيانته عن الهدر والسرف أو التلويث، ورتب على ذلك أحكاماً شرعية، باعتباره قوام بقاء الأمم، وسبباً من أسباب قوتها، فدعى إلى تخزينه وحسن استغلاله، وحرَّم هدره وإفساده والتفريط فيه، وحثّ على تجميعه في سدود واسعة وأماكن معدة لذلك، وحفظه في خزانات محكمة وآبار طاهرة، كي لا نفرط في أي نقطة من هذا الماء المبارك الذي أنزله الله ﷻ نعمة لنا، قال الله ﷻ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾الحجر:21-22.

كما إن المجتمع المسلم تتكامل فيه المسؤولية المتعلقة بالمصالح العامة، ويستشعر كل فرد فيه ثقل الأمانة التي يتحملها تجاه أسباب الصلاح وموارد الحياة، ومن شواهد هذا العموم قوله ﷻ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ آل عمران:104؛ فكل ما كان من الخير والمعروف مطلوب من المسلم الأمر به، والدعوة إليه، والتمسك به، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فعلى كل فرد في المجتمع ﺃﻥ يراعي ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ لمجتمعه، ويحرص على المحافظة عليها، واستدامة الموارد التي تمثل عصب حياة الإنسان حفاظاً على حياة الأجيال القادمة ومستقبلها، فكان من أول ما قام به النبي ﷺ في المدينة المنورة أنه نظّم مصادر المياه، وحثّ على الوقف المائي، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» ← صحيح البخاري.

فاشتراه سيدنا عُثْمَانُ بن عفان رضي الله عنه وجعله وقفاً للمسلمين، كما حثّ النبي ﷺ المسلمين إلى التفكير في الأجيال القادمة ورعاية حقوقهم في هذه المياه، فها هو ابو طلحة رضي الله عنه لمَّا نزَلت هذِهِ الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. قالَ أبو طَلحةَ: أرَى ربَّنا يسألُنا أموالَنا فأُشهِدُكَ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي قد جَعلتُ أرضي بَيرُحاءَ للَّهِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: اجعَلها في قرابتِكَ. قالَ: فجعلَها في حسَّانِ بنِ ثابتٍ وأُبَيِّ بنِ كعب، رواه البخاري ومسلم

والمحافظة على الماء من الهدر ركيزة من ركائز أمن المجتمع، وأسباب العيش الأساسية التي أكرم الله ﷻ بها الإنسان، لذلك نهى النبي ﷺ عن الإسراف في استعماله، ولو كان للعبادة كالوضوء أو الغسل، فقد مر الرسول ﷺ على سيدنا سعدٍ رضي الله عنه وهو يتوضأ، ورآه عليه الصلاة والسلام قد أسرف في الوضوء، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما هذا السَّرَف»؟! فقال: يا رسول الله، أفي الوضوء إسراف؟! فقال: «نعم، ولو كنت على نهر جارٍ» ← رواه ابن ماجه.

فَيَا من تستهلك للوضوء أو للغُسل أو حتى لغسيل سيارتك ماءً كثيراً اتقِ الله فهناك بشرٌ لا يجدوا ماءً يشربونه، ونحن لا نعلم القيمة الحقيقية للماء إلاَّ إذا –لا سمح الله– أُبتُلينا بفقده وها نحن ننظر اليوم الى تأخر المطر وحاجة الأرض والناس الى هذه النعمة العظيمة التي فيها من البركات والرحمات التي تنبت الزرع وتدر الضرع.

كما إن الاعتداء على الماء بالتلويث هو من الإفساد في الأرض الذي نهى عنه الله ﷻ وتوعد صاحبه أشد العقوبات قال ﷻ: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ البقرة:60، وقال ﷻ: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ البقرة: 211، والاعتداء على الماء بالتلويث هو اعتداء على كل المسلمين، لأن الناس شركاء في الماء، قال النبي ﷺ: «الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار» ← مسند الإمام أحمد.

⬛️ وهنا: خطبة عن نعمة الماء وحسن تدبيره والمحافظة عليه

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وبعد:

إن التبليغ والتواصل مع الجهات المختصة في حال حصول خلل أو تسريب في شبكات تزويد المياه واجب مجتمعي وفرض كفائي؛ لما فيه من تحقيق معنى تحمل المسؤولية ووجوب دفع المفسدة، وجلب المصلحة، وهو من التعاون على الخير والنصح للعامة. قال عليه الصلاة والسلام: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» ← متفق عليه.

لذا يتأكد علينا المحافظة على الماء، وذلك بعدم الإسراف به، أو إهداره بتحويل مياه الأمطار إلى شبكات الصرف الصحي، كما ينبغي القيام على صيانة السدود وشبكات المياه والمحافظة على مياه الأمطار من الهدر والضياع بغير فائدة، وشكر نعمة الله ﷻ بحفظها والاستفادة منها على الوجه الأكمل.

إن شكر نعمة المياه كما يكون في الأمور المادية، يكون كذلك بالتضرع إلى الله ﷻ أن يحفظ هذه النعمة من الزوال أو الانقطاع، وعلينا أن نلجأ الى ﷻ وأن تلهج ألسنتنا بالإكثار من الاستغفار حتى تتنزل به الرحمات والخيرات، فينبت الزرع، ويدر الضرع، وأن نقلع عن المعاصي والذنوب، ورد الحقوق إلى أصحابها. ونضرع الى المولى ﷻ أن يسقنا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق يا رب العالمين.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: