موضوع خطبة الجمعة اليوم: نظرة المسلم إلى الحياة في ضوء القرآن الكريم – مكتوبة

خطبة: نظرة المسلم إلى الحياة في ضوء القرآن الكريم – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • خلق الله ﷻ الإنسانَ في أحسن تقويم ليحقق العبودية لربه سبحانه في الحياة الدنيا التي جعلها دار تكليف، وقنطرة إلى الآخرة دار الخلود، فمن تزوّد بالتقوى في حياته زُحزحَ عن النار وأُدخل الجنة، ومن دخل الجنة فقد فاز.
  • الدنيا دارُ ممر لا دار مقر، فلنتعامل معها كما تعامل معها رسول الله ﷺ والصحابة رضي الله عنهم ومنْ سار على نهجهم فقد عَمروها وأحيْوا مَواتها فانقادت الدنيا لهم، وسادوا العالم بحضارتهم وعلومهم التي ملأت طباق الأرض.
  • سيدنا يونس عليه السلام رسول من رسل الله ﷻ، باستغفاره وإنابته لربه وهو في بطن الحوت أنقذه الله ﷻ من ظلمات ثلاث، فلنكثر من دعائه المبارك (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

الخطبة الأولى

خلق الله ﷻ الإنسانَ في أحسن تقويم ليحقق العبودية لربه سبحانه في الحياة الدنيا التي جعلها دار تكليف، وقنطرة إلى الآخرة، دار الخلود، فمن تزوّد بالتقوى في حياته بالطاعات ومحاسبة نفسه في كل الساعات واللحظات وأيقن بالرحيل عنها فإنه لا يُضيّع أوقاتها باللهو واللعب وإنما يستغلها بالعلم والعمل مع إخلاص النية لله ﷻ.

ومن نعم الله ﷻ على الإنسان أنه سخّر له هذه الحياة الدنيا، ولذلك ميّزه بالعقل على الحيوانات والنباتات والجمادات، وهذه نعمة عظيمة تدل على تكريم الله ﷻ للإنسان؛ ليتمكن من تسخير ما في الأرض طاعة لله ﷻ، وهي نعمة سابغة تقتضي شكر الله جلّ ثناؤه، يقول ﷻ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ البقرة: 152، وشكر نعمة الحياة يكون بتسخيرها لتأدية ما أوجب الله على الإنسان، ليظل عابداً لربه، أنيساً مع أخيه الإنسان في كل حال.

وخاصة إذا أيقن المسلم أن الدنيا دارُ ممر لا دار مقر، وتعامل معها كما تعامل معها رسول الله ﷺ والصحابة رضي الله عنه ومنْ سار على نهجهم فقد عَمروها وأحيْوا مَواتها فانقادت الدنيا لهم، وسادوا العالم بحضارتهم وعلومهم التي ملأت طباق الأرض، وما بقي في زماننا من هذه الحضارة هو من نتاجهم؛ لأن نظرتهم للحياة كانت في ضوء كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ.

فصار لزاماً على المسلم في هذا العصر أن يحسن تنظيم حياته؛ حتى لا تضيع فيما لا حاجة له، ولا فائدة فيه، وقد أخبرنا الله ﷻ عن هدف وجودنا في هذه الحياة، فقال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ الذاريات: 56–58.

فعندما يكون الهدف واضحاً فإن المؤمن يحرص على الوصول إليه فيستثمر دقائق حياته، ويدرك أن كل وقت يضيع بغير ذكر أو إنجاز أو هدف هو وقت مذموم، وسيعود على صاحبه بالحسرة والندامة يوم القيامة؛ فإن الدنيا مزرعة الآخرة، وما يبذره الإنسان اليوم سيجني ثماره غداً إما نعيماً وسروراً وإما حسرة وندامة، يقول الله ﷻ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ التوبة: 105، وقال ﷻ: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاَ﴾ القصص: 77.

ويقول النبي ﷺ: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون» ← صحيح مسلم.

ومن الواجب على المسلم أن ينظر إلى هذه الدنيا بأنها محطة سريعة من المحطات التي سيقطعها، ليتزود فيها بما يلزمه للوصول إلى أعلا الدرجات، وقد قال النبي ﷺ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» ← صحيح البخاري. فالإنسان الغريب أو عابر السبيل يعلم أنه لا يستقر في مكان واحد، فيتزود من كل مكان يزوره ما يكفيه، للوصول إلى المحطة التالية وإن خير ما يتزود به المسلم من هذه الدنيا هو تقوى الله ﷻ وطاعته.

ولتأكيد معنى الحياة في نفس المسلم ربطها بهدفها ودقائقها وساعاتها وأيامها برسالته على هذه الأرض، لذا من السنة على المسلم أن يستفتح صلاته بذكر يُذَكّره بمقصود وجوده في هذه الحياة وهو قول الله ﷻ: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ الأنعام: 162–163.

وهذا التقرير باللسان لا بد أن يترجمه سلوكا في حركته على هذه الأرض، فيجعل كل حركة فيها عبادة لله خالصة، بمفهومها الشامل، والمتضمن لمعنى الاستخلاف في الأرض، فكل عمل يؤديه المسلم في محراب الحياة الواسع إذا قارنه إخلاص ونية حسنة، كان عبادة يؤجر عليها؛ سواء أكان إنتاجا في مصنع، أو زراعة في حقل، أو حراسة على ثغر، أو تعليماً في قاعة، أو جهدا بدنيا، أو غيرها من ميادين العمل المتنوعة.

والمؤمن الذي يقرأ دعاء التوجه بيقين يجب أن يكون كالنحلة في العطاء لقول النبي ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏ ‏كَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِدْ» رواه الإمام أحمد.

ولا يتحقق له ذلك إلاّ إذا اغتنم كل سانحة من وقته للطاعة، استجابة لقوله ﷺ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» ← سنن النسائي.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

القرآن الكريم هو كتاب الهداية للإنسان في هذه الحياة، أخبره بمراحل تكوينه حتى صار بشراً سوياً، وهداه النجدين، وهما طريقا الخير والشر، ليكون الإنسان على بينةٍ من أمره في هذه الحياة الدنيا، فإذا سلك سبيل المؤمنين بشّره الله ﷻ بالبشرى عند رحيله، ومن اتبع سبيل الهوى والشر، فإنه عند موته يندم ويقول كما أخبر الله ﷻ عن حال هذا الإنسان عند موته، قال الله ﷻ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ المؤمنون: 99–100.

وفي الحديث الشريف، قال رسول الله ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» ← سنن الترمذي.

فمن اغتنم نعمتي الصحة والفراغ بالطاعات فقد سَلِمَ من الوقوع في الغُبن الذي أخبر عنه رسول الله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» ← رواه البخاري.

ولذلك يجب علينا جميعاً أن نحافظ على صحتنا بالوقاية أولا، وبالطاعات في ساعات الصحة قبل أن نندم على فواتها، وأن لا ننسى اغتنام الفراغ أيضًا وخاصة في أيامنا هذه، فإنها تُذكّرنا بالمسارعة في استغلال حال صحتنا وعافيتنا مع وجود فراغ في الوقت، لنفهم معنى الحياة التي هي قنطرة الآخرة.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: